مساعي السلم الأهلي بين درعا والسويداء في مواجهة استهداف وحدة الجنوب السوري : إلى أين وصلت ، وماذا أنجزت ؟

مساعي السلم الأهلي بين درعا والسويداء في مواجهة استهداف وحدة الجنوب السوري : إلى أين وصلت ، وماذا أنجزت ؟

رياض زهرالدين – السويداء

مرت العلاقة بين محافظتي درعا والسويداء خلال سنوات الحرب باختبارات عدة ، وكانت إرادة العيش المشترك عند الطرفين لها الكلمة الأخيرة في تأكيد وحدة السهل والجبل ، وتجاوز جميع التوترات الطارئة بدءاً من المحاولة الفاشلة التي قام بها مقاتلو جبهة النصرة باقتحام السويداء واحتلال مطار الثعلة في ٢٠ يوليو ٢٠١٥ ،ومروراً بتفكيك فخاخ عصابات الخطف وسرقة السيارات والتعفيش ، وصولًا لأحداث الصدام مع اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس بقيادة (أحمد العودة) وهو لواء مصالحات روسية ، يضم قوات شباب السنة التابعة لجبهة النصرة سابقا” مع أهالي بلدة القريا ، وهي الأزمة الأخطر على السلم الأهلي بينهما، واستغرق حلها قرابة التسعة أشهر. حيث بدأت أحداثها في ٢٧ آذار عام ٢٠٢٠ بمقتل الشاب ( فواز شقير) في أرضه المتاخمة لبلدة بصرى الشام ، على يد قوات اللواء الثامن، رداً على خطف شخصين ذاهبين إلى بلدة القريا من قبل زعيم عصابة خطف (ي .أ) قتل لاحقاً على يد أهالي البلدة أثناء محاولة فك أسر المخطوفين ، وتطور الأمر إثر كمين نفذه اللواء الثامن لفزعات الأهالي القادمة من البلدة لإنقاذ الشاب المغدور (شقير )

فذهب ضحيته (16) ست عشرة شاباً من البلدة، بينهم ستة أسرى جرحى تمّ تصفيتهم من قبل قوات اللواء بعد انتهاء المعركة ، مقابل جندي واحد من اللواء الثامن . ثم تطور الحدث بعدها أكثر باحتلال قوات اللواء الثامن أرض بلدة القريّا الزراعية المحاذية لبلدة بصرى الشام ، وإقامة دشم واستحكامات عسكرية عليها لمسافة بلغت خمسة كيلو مترات ، منعت أهالي البلدة من استخدام مصدر رزقهم الأساسي ، مما أزم الأوضاع أكثر بين الجانبين وأتاح فرصة أمام الجهات العابثة بالسلم الأهلي لزيادة الاحتقان الاجتماعي حولها ، وقيادة عملية تجييش طائفي عند أسر الضحايا، وتحويلها لبؤرة اشتعال دائمة بين الأهل على الجانبين ، الأمر الذي اقتضى من الفعاليات الأهلية الوطنية داخل المحافظتين السعي طوال الشهور التسعة التي مرت ، لوأد نار الفتنة بإجراء مصالحة عشائرية ، و كانت هذه الجهود تفشل، بسبب تمسك قيادة اللواء الثامن بقضم أرض القريا الزراعية المحاذية لبلدة بصرى الشام، تحت ذريعة منع تسلل عناصر من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني إلى الحدود المحاذية لإسرائيل . كان المطلوب إدخال أهالي بلدة القريا بلعبة توازنات دولية وإقليمية هم بعيدون عنها بوضوح ، و الذهاب بمخطط الفتنة الطائفية حتى النهاية . شكلت وفود للمصالحة العشائرية من الجانبين ، ولكن كانت هناك يد خارجية تمنع مثل هذه اللقاءات، وتصمّ آذانها عن مطالب الأهالي بمعاقبة مرتكبي المجزرة من الفيلق الخامس وتأمين انسحاب قواته من الأرض المحتلة . وعندما أدرك الجميع أهداف المخطط تنازلت أسر الضحايا عن مطلب الثأر أو التعويض لتبريد الأجواء، ونزع فتيل الفتنة الطائفية بين الأهل والجيران . إلى أن انفجرت المعارك مجدداً بهجوم نفذه فصيل شعبي من المشايخ يدعى (رجال الكرامة) على مواقع واستحكامات الفيلق الخامس الموجودة داخل أرض القريا في فجر يوم ٢٩ أيلول ٢٠٢٠ ، تدخل على إثرها الروسي ، بإقناع مقاتلي رجال الكرامة الانسحاب من أرض المعركة والاستحكامات التي استولوا عليها فجراً ، لقاء وعد بامتناع قوات الفيلق معاودة احتلالها مجدداً ، وقد نجحت الوساطة الروسية بذلك المسعى ، ولكن ذلك الاتفاق لم يمنع قوات (أحمد العودة) من إطلاق وابل من القنص وقذائف الهاوان الثقيل على المنسحبين من الفصائل المحلّية، الأمر الذي أوقع بينها تسعة عشر قتيلاً ، وعدداً كبيراً من الجرحى في داخل الحدود الإدارية للمحافظة . وقد تزامن ذلك مع امتناع قوات الدفاع الوطني التي أرسلها النظام، وكانت تمتلك السلاح الثقيل، عن تقديم المؤازرة اللازمة وإسكات مصادر النيران لقوات العودة أثناء خرقها الاتفاق ، وفضلت الانسحاب من أرض المعركة ، وإفساح المجال بتعظيم خسائر المنسحبين . وفي أعقاب انتهاء تلك المجزرة الجديدة بحوالي الشهرين ، انسحبت قوات العودة فعلاً بتأثير التدخلات الإقليمية الضاغطة على الروس ، لتنفيذ التزامهم بانسحاب قوات العودة من أرض القريا، مما اضطر العودة ومشغّليه إلى التراجع عن مخطط الفتنة ، أمام تقدم مساعي السلم الأهلي بين الجانبين والتي توّجت بلقاء موسّع وتاريخي على أرض القريا جمع شخصيات عائلية ووطنية بارزة ورجال دين من الجانبين ، حيث ترأس وفد محافظة السويداء : شيخ العقل( حمود الحناوي ، والأمير لؤي شبلي الأطرش وعاطف هنيدي وآخرون) ، ولجنة أهلية من مدينة بصرى الشام ومحافظة درعا وصل عددها أربعين شخصية ، وقف على رأسها (أبو ثائر عوض المقداد). و تمت متابعة هذه الخطوات من جانب أهالي السويداء، بالتعويض ذاتياً على أسر الضحايا، بأموال قدمت من مغتربي شباب القريا، وأموال أرسلت من الموحدين الدروز في هضبة الجولان المحتل، بلغت قرابة خمسين مليون ليرة سورية.

هذا الصلح الأخير جاء انتصاراً لإرادة العيش المشترك ووحدة المصير بين الأهل في السهل والجبل، التي تم اختبارها على مرّالتاريخ وانتصرت في وجه المحن ومخططات الغزاة الطامعين .

ما نستطيع قوله اليوم: إن الجرح الجنوبي اندمل و مازال طريا ً حتى الآن ، و لكن مازال هناك مخاوف لدى أبناء الجنوب السوري من التجاذبات والاتفاقات الإقليمية الضاغطة القادمة والمحتملة ، التي تجري من تحت الطاولة بين الحين والآخر ، سعياً وراء قطع الطريق على استنهاض الحالة الوطنية في الجنوب ، الذي يسعى بدوره للرد على تحدي الاستهداف الجاري أو قد يجري في المستقبل ، ببلورة نفسه بتيار وطني له رؤيا سياسية جديدة ، قد يفصح عن نفسه في الزمن القريب وليس البعيد .

  • Social Links:

Leave a Reply