سمير سعيفان – الناس نيوز :
ذكرت في منشور سابق أننا في سنة 2002 قام فريق من شركتي بتروفاك البريطانية التي كنت مديرًا لمكتبها في سوريا، وشركة بي إتش بي الأسترالية التي كانت تتشارك مع بتروفاك في الاهتمام بحقل غاز جنوب المنطقة الوسطى الذي تحدثت في منشور سابق عن الصراع الدولي حوله، فقد قام فريق من خبراء الشركتين من ذوي الخبرات الطويلة في صناعة النفط والغاز عبر العالم، بدراسة شاملة لتطوير لقطاع النفط والغاز في سورية، ووضع استراتيجية لتطور القطاع ككل من النواحي التقنية والمالية والإدارية، وقدمت الاستراتيجية لرئيس الوزراء ميرو وللرئيس بشار الأسد آنذاك، ولكن لم تلق الدراسة واستراتيجية تطوير القطاع أي اهتمام، فطبيعة نظام البعث الأسد طبيعة مغلقة لا يقبل أي فكرة تخرج عن نمط عمله المغلق، رغم أنها دراسة بذل بها مجموعة خبراء بتروفاك وبي إتش بي ، ولم تدفع الحكومة لقاء الدراسة أي شيء. وسأعطي فكرة عن هذه الاستراتيجية.
شملت الدراسة تحليل الوضع القائم في قطاع النفط والغاز في سورية، وبدء تراجعه من القمة التي وصلها سنة 1996وهي 620 ألف برميل في اليوم إلى 400 ألف برميل سنة 2004 بينما زاد الاستهلاك المحلي إلى 280 ألف برميل في اليوم، وحذرت من أن الانتاج سيستمر في التراجع بينما سيستمر الاستهلاك المحلي بالتزايد مما سيأكل كامل الفائض وسيحول سوريا من مصدرٍ صافٍ للنفط إلى مستوردٍ صافٍ للنفط وسيكون لهذا أثر سلبي على جوانب عديدة ووضعت توقعاتها لتطور كل من إنتاج واستهلاك النفط والغاز حتى سنة 2020.
بينت الدراسة أن تراجع إنتاج النفط سيكون له تأثير سلبي على الناتج المحلي و على معدلات النمو وعلى الميزان التجاري وميزان المدفوعات إذ تشكل صادرات النفط حينها نحو 70% من الصادرات وبالتالي تأثير كبير على إيرادات الدولة من العملات الصعبة. إضافة لتأثير كبير على إيرادات خزينة الدولة من العملات المحلية إذ شكل قطاع النفط حينها نحو 45% من إيرادات الخزينة بدون القروض. وبينت الدراسة أنه بدون إيرادات النفط فإن عجز الموازنة العامة الذي بلغ نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بين 2001 و 2005، وهي نسبة مرتفعة جداً تؤثر (لو استمرت) على التوازن المالي وترفع التضخم وتدهور قيمة الليرة وترفع الأسعار وتدهور مستوى المعيشة، ولهذا تأثيرات أخرى اجتماعية وسياسية.
طورت الدراسة استراتيجية لتطوير قطاع النفط والغاز في سورية من كافة الجوانب الفنية والإدارية والتجارية، وشملت تطوير نشاطات الاستكشاف وتحليل المعلومات داخل سورية ونشاطات الحفر بحيث تستطيع سورية أن تتعهد أعمال حفر في بلدان أخرى بسهولة مثل العراق والجزائر وأن تطور ونشاطات إقامة المنشآت النفطية وتطوير الحقول وزيادة إنتاج النفط والغاز وتطوير طاقات التكرير، والاستفادة من موقع سورية الجغرافي لجعلها ممر عبور لأنابيب النفط والغاز من الجزيرة العربية والعراق وإيران إلى البحر المتوسط وإلى تركيا وأوروبا. وهنا أتوقف لأؤكد أن ما يشاع عن مشاريع لنقل الغاز القطري من قطر إلى أوروبا عبر سوريا وأن رفض الأسد هو سبب “الحرب الأهلية” والهجمة على “النظام الممانع” ليست أكثر من إشاعات روجتها المكنة الإعلامية للنظام، وأود أن أؤكد عن معرفة أنه لم يكن ثمة مشروع قطري أو غير قطري مطروح ليعبر سورية، وأؤكد أن الأسد كان سيرحب لأبعد الحدود بمثل هذه المشروعات، فهي تدر دخلًا جيدًا على الخزينة العامة من جهة وتمنح سورية أهمية استراتيجية تجعل الجميع يهتم باستقرارها، ثم أود أن أذكر أن أول من يعارض مثل هذه المشروعات “فيما لو طرحت” هي روسيا لأنها مصممة على أن تبقى المورد الوحيد للغاز للاتحاد الأوروبي لا يشاركها به أي منافس آخر.
توزعت رؤية استراتيجية تطوير صناعة النفط والغاز على عدة جبهات:
الجبهة الأولى: هي التركيز على قطاع النفط نفسه من أجل:
جذب شركات استكشاف كبيرة ذات قدرة فنية ومالية أكبر.
تطوير الحقول القائمة عبر المشاركة في الاستثمار مع شركات دولية كبيرة.
تطوير البنية التحتية النفطية مثل التكرير والنقل والتخزين ومنشآت التصدير.
الجبهة الثانية: السعي لأن تكون سورية معبراً للنفط والغاز من العراق والسعودية والخليج ومصر إلى البحر المتوسط وتركيا فأوروبا. هذا يتطلب علاقات سياسية جيدة مع دول الخليج ومع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
الجبهة الثالثة: هي تطوير مصادر أخرى للطاقة: مثل الديزل البيولوجي والرياح والشمس.
الجبهة الرابعة: تطوير إدارة قطاع الطاقة وتطوير بنيته التشريعية والتنظيمية وخبرات كوادره بما يرفع من كفاءة القطاع ومردوده.
الجبهة الخامسة: هي تطوير قطاعات اقتصادية أخرى، وهنا يأخذ الإصلاح وجذب الاستثمار أهمية قصوى.
كما قدمت الاستراتيجية تصورًا شاملًا لإعادة تنظيم قطاع النفط والغاز وإعادة هيكلته لمنحه المرونة الكافية وترشيد الانفاق وربط الإنفاق بالنتائج والأهم خلق مناخ تنظيمي وإداري يطور القدرات الوطنية.
قدرت الاستراتيجية مبالغ الاستثمارات بموجب هذه الدراسة كما مبين أدناه:
نتائج الاستراتيجية فيما لو نفذت:
1 – تطوير القطاع سيزيد من إيرادات الخزينة العامة بنحو 13 مليار $ على مدى العقد 2002 – 2012.
2- سيخلق نحو 160 ألف فرصة عمل، رغم أن صناعة النفط والغاز صناعة كثيفة رأس المال.
3- سيساهم لوحده في زيادة معدل النمو الاقتصادي السنوي بنحو 0.5% (نصف بالمئة) وهي مساهمة جيدة لقطاع واحد مقاساً بأسعار ربيع 2002.
4- ستساعد فوائضه في زيادة معدلات النمو في القطاعات الأخرى، وستخلق هذه بدورها موجة من الآثار، وفق ميكانيزم موجة التأثيرات التي يحدثها الاستثمار الجديد.
إضافة لجذب الاستثمارات والتكنولوجيا والخبرة والتدريب ونقل الخبرة ونتائجها الاقتصادية فإن جذب الاستثمارات له منعكسات سياسية إيجابية، فالاستثمارات تعمل لحماية مصالحها لذا ستروج لسورية، وستدافع عنها في المحافل الدولية، خاصة وأن الشركات اليوم لها تأثير فعال في صنع القرار السياسي على أعلى مستويات العالم.
نعم هذه الاستراتيجية لم تلق أي اهتمام من قبل السلطة السورية بجميع مستوياتها، وقد عدنا في شركة بتروفاك بإعادة صياغتها وتحسينها، وأخذها معه الرئيس التنفيذي لمجموعة بتروفاك في العالم أيمن الأصفري للقاء بشار الأسد سنة 2006 ليطرحها معه ثانية، ولكنه لم يطرحها بسبب أجواء ذاك اللقاء، وهذا ما سأتحدث عنه حين أتحدث عن أيمن الأصفري كمدير لمجموعة بتروفاك.
Social Links: