ترجمة الرافد
لا تستطيع أن تنطق الآن باسم سورية ، أو أن تلفظ اسم “الربيع العربي” دون أن تنهمر دموعك وتخنقك المرارة ، على سورية، الدولة القديمة العظيمة والأكثر عراقة ،انها واحدة من أجمل دول العالم قاطبة وأكثرها ثقافة ، تم سحق مدنها المعاصرة لبدايات الحضارة العالمية وتقويضها الى الأرض ، كما وتم تدمير أو إتلاف جل المعالم الثقافية ذات الأهمية العالمية فيها وبعد ان استحالت الى خراب يصدع الرؤوس. سورية التي طرز اسمها كل صفحة من صفحات الكتاب المقدس تقريبًا أمست اليوم دولة تلفظ ملايين اللاجئين المشتتين حول العالم ، بل وتحولت في غضون سنوات قليلة إلى أرض لمئات الآلاف من القبور الجديدة .
ان ثورة الشعب السوري على دكتاتورية الأسرة المتوحشة لعائلة الأسد لم تكن من أجل الحرية والديمقراطية لشعب يعيش على ارضه العريقة فحسب بل ومن اجل استرداد كرامته التي هدرتها هذه الدكتاتورية أيضا . ان الديكتاتورية هي المذنبة حقا ،ورعاتها الأجانب هم المسؤولون عن استمرار المأساة السورية الحالية.
لقد سبق لي أن أخبرتك وكتبت بالتفصيل عن أسباب هذه المأساة ، وعن المسار الرائع والصعب الذي سلكه الشعب السوري نحو الحرية . سأشير بهذا الصدد إلى محاضرة ألقيتها منتصف أكتوبر 2015 ، ثم نُشرت كنص في نوفايا جازيتا .
لكن بعد ذلك ، التاريخ ، لم يكن لدي أي فكرة عن الإجراءات المستمرة والتضامن المتبادل بين دولتين تدفعهما الأنانية والمصالح الضيقة قدمتا الدعم لبشار الأسد ، فدفعتا سورية للانغماس في الرعب الذي تعيشه اليوم ،هاتان الدولتان هما إيران وروسيا .
يمكنك أن تسد أذنيك بعناية كما تريد أو أن تصرخ أمام العالم أجمع بأن روسيا ساعدت الشعب السوري في محاربة إرهابيي داعش ؛ وأن المسيحيون يجري إنقاذهم من المتعصبين المسلمين .كما ويمكنك اقتباس أقوال أولئك الذين شيد عليهم نظام الأسد وحشيته ،أو أقوال أساقفة النظام الرسميون . كل هذا لا طائل منه . ان روسيا وإيران تعملان من أجل أهدافهما الجيوسياسية . إيران ستكسب موطئ قدم في جوار إسرائيل ، وروسيا كسبت موطئ قدم شرق المتوسط . ان نظام الأسد الذي اشتعلت فيه النيران خسر كل دعم من الشعب السوري ، بكل طوائفه ومجموعاته العرقية ، دون استثناء المسيحيين والعلويين ، بعد أن سمم السوريين بالسلاح الكيماوي وقتلهم بالقنابل الغبية ، ولم “ينج ” إلا بفضل الحراب الروسية والإيرانية ، وفضل القسوة الهائلة للغزاة الذين احرقوا بقصفهم الجوي المشافي والمدارس في المناطق التي لم تكن تحت سيطرة قوات الأسد أومليشيا حلفائه .
وبالنظر إلى العراق المجاور ، يمكن للمرء أن يتعلم كيف يتم التغلب على عواقب الحرب بصعوبة كبيرة ، وكيف يتم تدريجياً إرساء مبادئ نظام ديمقراطي معقد قائم على حكم ذاتي عرقي وتمثيل للطوائف . من خلال التجربة والخطأ ، بتؤدة وروية ، يولد من جديد عراق ما بعد صدام حسين وداعش .
بالمناسبة ، صدام حسين وداعش توأمان . فهناك شكوك جدية في أن ضباط الأمن التابعين له هم من قاموا ، بعد هزيمة الديكتاتورية على يد الجيش الأنجلو أمريكي ، بإنشاء هذه المنظمة ، التي استقطبت المتشددين من المسلمين غير الملتزمين أيديولوجيا . لهذا السبب ، ورغم كل الاختلافات الطائفية ، وجدت داعش لغة مشتركة مع الأسد وحلفائه ، لكنها لم تجدها مع الأنجلو أميركيين . الذين تخلصوا من الجيش العراقي وداعش في كل من العراق وشرق سورية.
أنا متأكد من أنه عندما ينهار نظام بوتين في موسكو ، فإن نظام الأسد ، حتى مع الاعتماد على إيران ، لن يستمر لأكثر من شهر واحد . والأرجح أن تركيا ستصبح القوة المهيمنة الجديدة في سوريا .وسواء كانت جيدة أو سيئة ، وهذه قصة مختلفة ، الا انها ستكون بالتأكيد أفضل من النظام الحالي ، الذي لم يستطع المجتمع الدولي أن يدينه ، لاستخدام روسيا حق النقض بشكل متكرر فحمته في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة .
لكني أتمنى لسورية مصيرا مختلفا. أتمنى ان تتقدم الدول الديمقراطية لمساعدة هذا البلد العريق على التقاط أنفاسه والتعافي ليعود كما كان مجيدا ، نحن مذنبون ايما ذنب أمام الشعب السوري ، وعلينا أن ندفع له تعويضات كبيرة عما اقترفه نظام بوتين من جرائم ، عن اختبار أسلحة الجيش الروسي على المدنيين الأحياء ، وعن الموت والدمار المترتب على تلك الجرائم ، أنا متأكد من أن عراق اليوم سيصبح مثالاً لسوريا ، وربما مع مرور الوقت ، ستصبح سوريا مثالاً للعراق في بناء الدولة للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط .
إن انسحاب إيران وروسيا من سوريا سيحرر لبنان من الإملاءات الإيرانية ومن تسلط حزب الله ويفتح آفاقاً جديدة لهذا البلد الذي كان “سويسرا الشرق ” ليبني هذا البلد الصغير من طوائفه المتعددة مجتمعا بنكهة وطنية .وهو جوهر الاتفاق الذي تبناه البنان بشكل أو بآخر من عام 1865 إلى السبعينيات .
يعاني الشعب السوري اليوم من وضع مأساوي مريع .وهو رعب تسببت به الدولة الروسية ونفذ بيد الحكومة الروسية الحالية .ولا يسعني إلا أن أطلب المغفرة من الشعب السوري وأتمنى من صميم القلب أن تغادر هذه الأوقات السوداء عنا وعنكم . وكلي أمل أننا سنحتفل بذكرى هذا الربيع في سورية الحرة والديمقراطية وفي روسيا حرة وديمقراطية أيضا .
انه أملٌ قريب !.
Social Links: