أحمد بغدادي – تلفزيون سوريا:
في ذكرى وفاة الفنان الكبير “خالد تاجا” في 4 نيسان 2012 عن عمر يناهز الـ73؛ لم يذكر إعلام النظام ذكرى وفاته بعبارة واحدة. وبدورها نشرت بعض المواقع الإلكترونية عبارات عزاء ومحبة للفنان الراحل، إضافةً إلى منشورات في ذكرى وفاته لبعض الفنانين السوريين المعارضين للنظام وشخصيات معروفة في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولد خالد تاجا في دمشق في حي ركن الدين عام 1939، وترعرع عاشقاً لإنجاز شيء مهم في حياته. وكان طموحه في سنّ العاشرة أن يتميّز عن أترابه، ويغير حياته العادية، فأصبح من مرتادي مسارح دمشق، التي أثّرت على مسيرته الفنية فيما بعد.
* على خشبة المسرح وفي السينما
ابتدأ خالد تاجا مشواره الفني عن طريق المسرح الطلابي، حيث شارك في مسرحيات عديدة عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية. وعقب ذلك، انضم تاجا إلى فرقة المسرح الحر، في عام 1956 مع توفيق العطري وهو أحد رواد الحركة المسرحية السورية في عشرينيات القرن العشرين. ومن أعضاء الفرقة كان هناك فنانون وأدباء مثل “عبد اللطيف فتحي، وأنور البابا، وحكمت محسن، والممثل والمخرج الليبي صبري عياد.” وانتقل أيضاً إلى الكتابة والإخراج المسرحيين.
في عام 1966 أنتجت المؤسسة العامة للسينما في دمشق فيلماً اسمه “سائق الشاحنة”من بطولة خالد تاجا، بعد أن وقع عليه الاختيار قبل عام آنذاك من قبل مخرج الفيلم اليوغسلافي “بوشكو فوتونوفيتش “.
بعد حصوله على دور البطولة في هذا الفيلم الذي كان بمثابة نقلة تاريخية في حياته، شارك في أفلام سينمائية عديدة، كان أشهرها فيلم “الفهد” عام 1972، للمخرج نبيل المالح والكاتب حيدر حيدر، وبطولة أديب قدورة والفنانة إغراء. وقبله مثّلَ في فيلم “رجال تحت الشمس” 1970عن رواية للكاتب الفلسطيني الشهير غسان كنفاني، وإخراج مروان مؤذن، ومحمد شاهين، ونيبل المالح. علاوة على مشاركته في الفيلم السوري المصري الشهير “أيام في لندن 1976″، من إخراج سمير الغصيني، إلى جانب الممثل المبدع يوسف شعبان والمطربة سميرة توفيق، وكوكبة من الممثلين السوريين والمصريين.
الفجيعة في حياة خالد تاجا
طالما كان الفنان خالد تاجا ذا موقف واضح ومعارض تجاه نظام الأسد، وازدادت معارضته للنظام وباتت أشد بعدما قتل جندي من “سرايا الدفاع” التي يترأسها “رفعت الأسد” زوجته المطربة السورية “سحر مقلي”. حيث كانت الأخيرة تقيم حفلاً في أحد ملاهي فندق “سميراميس” عام 1981 بدمشق، عندما أقدم هذا العسكري السكران بإلقاء قنبلة يدوية على المسرح بعد أن رفضت المطربة (زوجة خالد تاجا) أن تلبي طلبه بالغناء كما يريد، مما أدى إلى مقتلها على الفور، إضافة إلى مقتل 30 مدنياً وجرح كثير من عازفي الفرقة الموسيقية!
برّر النظام وقتها الجريمة بذريعة سخيفة، كي يحمي العنصر التابع لرفعت الأسد، بل إنه شَهّرَ بالفنانة، حيث نشرت الصحف أن الحادثة وقعت في إطار “حالة عشق”، وتعنون الخبر بــ “غرام وانتقام”- أي أنّ الضحية قتلها معشوقها بدافع الانتقام!
كانت هذه الحادثة في حياة الفنان خالد تاجا منعطفاً مأساوياً، لدرجة أنه اعتزل الفن لفترة طويلة، بالتزامن مع إصابته بسرطان الرئة. وفي عام 1988 وبتشجيع من فنانين أصدقاء ليعود إلى ساحة الفن، منحه زميله الفنان طلحت حمدي دوراً في مسلسل “الدنيا مضحك مبكي”؛ من تأليف القصاص الشعبي “حكمت محسن، وإخراج طلحت حمدي.
وعن تجربة الزواج بعد مقتل زوجته”سحر مقلي”، ارتبط الفنان خالد تاجا مرتين؛ إحداهما بالفنانة نائلة الأطرش، وكلا الزواجين لم يستمر.. إلى أن تزوج بامرأة هولندية، لينفصلا بعد فترة، ثم سافرت لاحقاً، حيث كانت حاملا منه، لتنجب عقبها ابنتهما “ليزا”، التي لم يرها الراحل تاجا مطلقاً.
الرصيد الفني “أعمال درامية وجوائز”
كانت مسيرة خالد تاجا غنية بالأعمال الفنية والدرامية. حيث شارك في أكثر من 130 مسلسلاً، أبرزها التغريبة الفلسطينية، وإخوة التراب، وهجرة القلوب إلى القلوب، والزير سالم، وأيام شامية، وجريمة في الذاكرة، والثريا؛ وأعمال أخرى، حُفرت في ذاكرة السوريين والعرب، ولم تزل حتى الآن لها صدى ويعاد عرضها في قنوات محلية وعربية كثيرة. ونال جوائز عديدة، منها، الجائزة الذهبية لأفضل ممثل في مهرجان القاهرة الحادي عشر. كما اعتُبر أحد أفضل خمسين ممثلاً في العالم عام 2004 بحسب ما نشرته مجلة التايم الأميركية. وفي أبو ظبي، حصل على درع تكريمية عام 2005، عن دوره المميز في مسلسل التغريبة الفلسطينية. وجائزة لجنة التحكيم للدراما السورية “أدونيا” عام 2005. إضافة إلى جوائز ودروع من جهات عديدة.
الفنان خالد تاجا والثورة السورية
اشتهر خالد تاجا بموقفه المعارض للنظام قبل الثورة، لكن خلالها، برز صوته كأحد الفنانين المشهورين الذين عارضوا النظام على وحشيته وقمعه للمتظاهرين. خرج في تظاهرة تطالب بالحرية مع مجموعة من الفنانين والمثقفين في تاريخ 13 تموز 2011 داخل منطقة الميدان بدمشق؛ وكان برفقته من الفنانين المعروفين، “مي سكاف، فارس الحلو، إياد شربجي، محمد آل رشي، والكاتبة يم مشهدي، والمخرج نبيل المالح، بالإضافة إلى ممثلين آخرين. اعتقلت وقتذاك أجهزة الأمن عدداً منهم. أبرزهم مي سكاف والأخوين ملص. وفرّقت التجمع بالقوة والضرب.
في مقابلة خاصة بمنزله الكائن في مشروع دمر، أجراها تلفزيون “أورينت” عام 2009، بشّر تاجا باندلاع الثورة السورية، وكان حاداً في كلامه وشديد الانتقاد ضد النظام، والأنظمة العربية. إذ قال إن “العدو الأخطر موجود في الداخل، وليس خارج البلاد”؛ مشيراً إلى أجهزة النظام المخابراتية، وإلى الأنظمة العربية الدكتاتورية.
موت تحت التعذيب أم وفاة بالسرطان؟
في 4 نيسان 2012 توفي الفنان الكبير خالد تاجا، في مشفى الشامي بدمشق، بحسب وسائل إعلام النظام. إلا أن عنصر أمن وقع أسيراً لدى “الجيش الحر” عام 2013، اسمه “عيسى حسن محمد”، قال في تصوير فيديو ظهر عبره، إنه رأى الفنان خالد تاجا في الفرع 248 “أمن عسكري” يتعرض للتعذيب والإهانة، عندما كان يخدم فيه عام 2012، قبل أن يُرسل بعدها بمهمة إلى حلب ويؤسر هناك. وذكر أنه كان يسمع صراخ الفنان خالد تاجا خلال جلسات التحقيق. ويضيف أن الفنان كان يقول للمحقق “أنا شخص محترم وممثل لماذا تعاملونني بهمجية ووحشية؟!”، إلا أن المحقق كان يتجاهل كلامه ويواصل ضربه وشتمه. وفي ذات السياق، قال عنصر الأمن، إن المحقق صرخ بالجنود والعناصر بأن يجلبوا سيارة إسعاف، بعد جلسة تحقيق مع الفنان لمدة ساعتين، لنقله إلى المشفى، ظنّاً منهم أنه دخل في غيبوبة من جرّاء التعذيب، إلا أنهم علموا بعد أيام أنه فارق الحياة!
ويذكر العنصر ذاته في التسجيل، أن فنانين آخرين كانوا في الفرع، منهم حسن دكاك، وسامر المصري، ومحمد أوسو.
لم يحترم نظام الأسد حقوق الإنسان ولا القوانين الدولية بتاتاً. عبر أربعة عقود ونيف كان يعمل على تجهيل المجتمع السوري وقمعه، ووضع أقفال على أفواه من ينطقون بالحريات، واعتقال من يخطر في باله انتقاد أي شيء يخصه، حتى على مستوى جدال مواطن مع أستاذ مدرسة منتسب لحزب البعث!؛ وما شاهدناه في حقبة الثمانينيات، بعد مجازر مدينة حماة الشهيرة، حيث تأنّق النظام بربطة عنق الإجرام، مدعياً أنه يكافح مجموعات إرهابية، ليس إلا “غيضاً من فيض”، وهذا ما مثّله الوريث (بشار)، من خلال إجرامه الحقيقي في عام 2011، ليظهر أفعاله الدموية، حاصداً مئات الألوف من القتلى الأبرياء، مع تهجير نصف سكان سوريا، وتدمير المدن دماراً شبيهاً بنتائج الحرب العالمية!؛ لذا، لن يتوانى نظام كهذا، مافيوي عن قتل أي مواطن سوري، حتى لو كان شهيراً أو مرموقاً في المجتمع. فالعدالة والمحاسبة المنشودتان، مصفوعتان بالفيتو “الروسي والصيني”، وقابعتان في أدراج مسؤولي البيت الأبيض حتى إشعارٍ آخر.
Social Links: