حسن فحص – المدن:
لا يخفى على اي مراقب او متابع للجدل الدائرة في ايران حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي دخلت مرحلة حاسمة مع اقتراب موعد البدء بتقديم الترشيحات (بعد نحو 20 يوما)، لا يخفى ان الهم الاول والهاجس الاكبر الذي يهيمن على اهتمامات كل مواقع القرار والقوى السياسية هو مسألة المشاركة الشعبية في عملية الاقتراع، وعدم تكرار التجربة الاخيرة التي رافقت الانتخابات البرلمانية التي شهدت عزوفا شعبيا واضحا وكبيرا عن المشاركة، ما جعلها اكثر الانتخابات جدلا واكثرها اثارة للتساؤل حول حجم العمق الشعبي الذي يمثله النواب المنتخبون، حيث تدنت نسبة المشاركة الى مستويات لم تشهدها اي عملية انتخابية في ايران منذ اربعة عقود من تاريخ الثورة والنظام، ولم تتجاوز في اكثر التقديرات تفاؤلا نسبة الثلاثين في المئة (30%)، ما سمح للمعسكر المحافظ بكل اجنحته ان يفرض هيمنته على كل المقاعد النيابية مستفيدا من سلاح مجلس صيانة الدستور الذي تكلف بازاحة اي مرشح من المعسكر الاصلاحي قد يشكل خطرا على المرشح المحافظ، بالاضافة الى استغلال النقمة الشعبية والخيبة الناتجة عن الادارة السيئة والفاشلة لحكومة الرئيس حسن روحاني في تعاملها مع الازمات التي واجهتها البلاد ان كان على المستوى الصحي وجائحة كورونا، او المسألة الاقتصادية وفشلها في معالجة ازمة انهيار العملة وتراجع القدرات الاقتصادية لشرائح واسعة وكبيرة من الشعب الذي عجز عن تأمين الاحتياجات الحياتية الاساسية التي اختفت من الاسواق وارتفاع اسعارها ان وجدت والتي لا تتناسب باي شكل مع القدرات المالية لغالبية الايرانيين الذين هبط اكثرهم الى ما دون خط الفقر.
ومن بين كل المستويات السياسية الايرانية، يبدو ان المرشد الاعلى للنظام، الجهة الاكثر اهتماما وتركيزا وانشغالا بموضوع المشاركة الشعبية في عملية الاقتراع في الانتخابات المقبلة، وهو يسعى لعدم تكرار التجربة التي حصلت في الانتخابات البرلمانية والتي وضعت شرعية تمثيل البرلمان السياسية والشعبية في دائرة التشكيك. وهو مسعى يقع في النقطة المقابلة والمتعارضة مع رغبة المعسكر المحافظ الذي يفضل خوض السباق الانتخابي في ظل عزوف شعبي وعدم مشاركة تضمن له تحقيق الانتصار والوصول الى الاهداف التي يسعى لها باستعادة السيطرة على السلطة التنفيذية واستكمال دائرة التحكم بجميع مراكز القرار الى جانب السلطتين التشريعية والقضائية.
فمع دخول السباق الانتخابي اشهره الاخيرة، لم تغب عن الخطابات والمواقف الصادرة عن المرشد الاعلى من الاشارة الواضحة لضرورة المشاركة الشعبية الواسعة وما تشكله من رافعة اساسية للنظام وتسمح بوصول حكومة تمثيلية تلبي تطلعات الشعب وتعمل على حل ازماته المعيشية والحياتية، فضلا عما تمنحه المشاركة الواسعة من هامش للسلطة التنفيذية في الدفاع عن برامجها وسياساتها.
ولعل الهاجس الاساس الذي يشغل تفكير واهتمام المرشد الاعلى، مسألة شرعية النظام، الذي يعتبر المشاركة الواسعة في الانتخابات المختلفة، المدخل الاساس لاثبات شرعية الشعبية والتمثيلية، وورقة يرفعها بوجه كل الضغوط وسياسات التشكيك بشرعية التي تمارسها الاطراف الخارخية، خاصة الادارة الامريكية التي يتهمها بالعمل على تقويض النظام والسعي لتغييره نتيجة سياساته القمعية وعدم تمتعه بالقاعدة الشعبية واتساع دائرة النقمة ضده. وهي شرعية لا علاقة لها بالشرعية الدينية او الايديولوجية التي لا ترى اي دور للشعب في منحها الشرعية المطلوبة للاستمرار والبقاء، لانها تقع خارج ارادة الجماعة ولا تعنيها العملية الديمقراطية او صندوقة الاقتراع.
في ظل هذه الهواجس، يبدو ان المرشد الاعلى وكل اركان النظام، باتوا على قناعة كبيرة بان مفتاح المشاركة الواسعة والصفوف الشعبية الطويلة على صناديق الاقتراع تقع في يد المعسكر الاصلاحي على الرغم مما تعرضت له قواعده الشعبية من زعزعة واهتزاز وتهافت باتت بحاجة الى عملية ترميم معقدة ومتعددة المستويات. وان الوصول الى تحقيق هدف المشاركة الشعبية الواسعة لا بد ان يمر عبر تسوية مع هذا المعسكر واقناعه بالعمل على اشعال محركاته السياسية لاعادة بناء الثقة مع الشارع الايراني ودفعه للذهاب الى صنادق الاقتراع.
وفي هذا السياق، يرى متابعون ايرانيون للمشهد الانتخابي، والهجوم الواسع لقيادات في مؤسسة حرس الثورة العسكرية واعلان ترشحها او نيتها الترشح للسباق الرئاسي عاملا اساسيا ومفصليا في تحريض المعسكر الاصلاحي لتحشيد جهوده في اعادة بناء قنوات تواصله مع القواعد الشعبية، والتفكير بآلية مختلفة في خوض المعركة الرئاسية تضمن له ان يكون منافسا حقيقيا وقد يشكل خرقا لكل خطط وهندسات المعسكر المنافس المحافظ. ولا يستبعد هؤلاء المراقبون ان تكون مسألة المخاوف المتزايدة من وجود توجه لعسكرة الحكومة بوصول مرشح من المؤسسة العسكرية احد ابرز المحاور التي تضمنتها الرسالة التي وجهها الرئيس محمد خاتمي الى المرشد الاعلى قبل اسابيع ولم يكشف عن مضمونها. وبالتالي فان هذه المخاوف قد تشكل المحفز الكبير للمعسكر الاصلاحي بترجمة الخطوات التي بدأها لتشكيل لجنة عليا للانتخابات الى خطوات عملية في التوافق على مرشح يمثل الحد الادنى من طموحاته السياسية والاصلاحية ولا يشكل استفزازا للمرشد ولجهات واسعة ووازنة في المعسكر المحافظ.
ان وصول مرشح يتبناه الاصلاحيون ويقبل به المرشد الاعلى وطيف واسع من المحافظين، يضمن من ناحية رفع مستوى المشاركة الشعبية التي تعتبر حاجة للنظام لتأكيد شرعيته الشعبية والتمثيلية، ومن ناحية اخرى ستحسب نجاحا لسياسة المرشد الذي استطاع الاستثمار في خوف الاصلاحيين من عسكرة الحكومة والتوصل الى تسوية معهم تأخذ بعين الاعتبار مصالح الطرفين، ويكون معها قادرا – وهو قادر- على كبح طموحات جنرالات الحرس بالسيطرة على السلطة التنفيذية، وابعاد ايران عن الدخول في ازمة جديد تضاف الى ما تعانيه من ازمات هي احوج الى البحث عن حلول لها في المرحلة المقبلة.
Social Links: