بسام مقداد – المدن:
أعلنت أجهزة الأمن الروسية ، منذ أيام ، عن إحباط عملية إرهابية في القرم وتوقيف إسلاميين إثنين من هيئة تحرير الشام كانا يخططان لتفجير إحدى المؤسسات التعليمية ، ومن ثم الفرار ، عبر أوكرانيا ، إلى سوريا . وذيلت نوفوستي نص النبأ بالحديث عن إحباط خمسة أعمال إرهابية “كبيرة” منذ مطلع السنة الجارية فقط ، كان يخطط للقيام بها في القفقاز وجنوب روسيا ، وفي منطقة كالينينغراد (كينسبورغ الألمانية سابقاً) ، أقصى الغرب الروسي وسط أوروبا . لكن اللافت ، أن “الحرة” الناطقة بالروسية ، وعلى العكس من جميع الإعلامية الروسية لم تأت على ذكر عملية القرم هذه ، وهي التي تغطي اليوميات الروسية بتفاصيلها عادة.
لكثرة ما يتردد إعلان الأجهزة الأمنية الروسية عن إحباط عمليات إرهابية في أنحاء روسيا ، أصبح من الصعب التمييز بين الحقيقي منها والدعائي . وجعلت هذه الكثرة من المشروع التساؤل عن السبب في فشل الأجهزة الأمنية في إحباط بعضها ، خاصة تلك العمليات الكبيرة في الحواضر الروسية الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبورغ ، التي أودت بعشرات القتلى والجرحى . ولم يعد من المستغرب التساؤل أيضاً عما إذا كانت الأجهزة الأمنية تغض الطرف عن بعض هذه العمليات ، أو تنشر سيناريوهات مختلقة لبعض العمليات الفعلية ، التي فشلت في إحباطها ، كما في في مدينة ماغنيتغورسك في الأورال العام 2019 ، التي أسفرت عن “ألاف الضحايا” حسب صحيفة “Novaya” في ذلك الوقت . ولم ينس الروس أن بوتين ، مهد لوصوله إلى الرئاسة بتقديم صورة الرجل الحازم في تفجير حرب الشيشان الثانية ، عبر استغلال عمليات تفجير أبنية سكنية في مدن روسية اتهُمت الأجهزة الأمنية بارتكابها . وقد دفع هذا الأمر إذاعة “الحرة” الناطقة بالروسية ، إلى تنظيم ندوة منذ سنوات تحت عنوان “هل العمليات الإرهابية حتمية في عهد بوتين؟” .
منذ مطلع عهد بوتين ، تكاد تكون العمليات الإرهابية ، التي نفذها الإرهابيون ، أو التي أحبطت ، من اليوميات الروسية . وقد أودت ، مع حرب الشيشان الثانية والحرب مع جورجيا وأوكرانيا ، بأكثر من 150 ألف ضحية ، حسب موقع قناة التلفزة الأوكراني “5,UA” خريف العام الماضي . لم يتطرق الموقع إلى المقتلة السورية ، وقال ، بأن الرقم أعلاه لا يعكس الحجم الحقيقي للمأساة ، ولا يتضمن من طاولتهم من الجرحى والمعاقين ، ومن بقي دون أهله وذويه وبلا مأوى .
يقول الموقع ، أن تفجير الأبنية السكنية في موسكو ومدينة بويانسك في أيلول العام 1999 ، استغله بوتين حجة للغزو الروسي للشيشان . وقد تحدث عن هذه العمليات كتاب “FSB (KGB سابقا) يفجر موسكو” للضابط االسابق في الجهاز عينه ألكسندر ليتفينينكو (سممته االأجهزة الروسية في لندن 2006) ومؤرخ فر من الملاحقات إلى الولايات المتحدة .
صورة الرجل الحازم يحرص عليها بوتين في التعامل مع العمليات الإرهابية ، لاسيما تلك ، التي يحتجز فيها الإرهابيون رهائن ، ويرفض رفضاً قاطعاً التفاوض معهم على شروطهم لإطلاق الرهائن وإنقاذ حياتهم . وهذا ما حصل في مجزرة بيسلان في أسيتيا الشمالية ، في اليوم المدرسي الأول للعام 2004 ، حين احتل شيشانيون المدرسة واحتجزوا المدرسين والأطفال رهائن ، ورفض بوتين التفاوض معهم لانقاذ حياة الرهائن ، بل اقتحمت قواته المدرسة ، وقتل نتيجة الإقتحام 333 طفلاً ومدرساً وجرح أكثر من 800 شخص ، تحول بعضهم إلى معاقين .
وبشهادة أحياء بقوا من الرهائن ، عرض الإرهابيون إطلاق سراح الرهائن على دفعات من 150 شخصاً ، إذا حضر للتفاوض معهم رئيس أسيتيا ومسؤولين آخرين من القفقاز وطبيب أطفال . لكن الكرملين رفض السماح بالمفاوضات ، وهددت وزارة الداخلية الرئيس الأسيتي بالإعتقال ، إذا حاول دخول المدرسة للتفاوض مع الإرهابيين . ومرر الإرهابيون الشيشانيون رسالة إلى بوتين عبر الرئيس الأسيتي ، تعهدوا فيها بوقف الأعمال العسكرية ضد روسيا ، ودخول الشيشان رابطة الجمهوريات السوفياتية السابقة ، والبقاء في منطقة الروبل . لكن كل ذلك لم يحل دون إصرار الكرملين على موقفه ، وكانت مجزرة بيسلان .
ذوو ضحايا بيسلان وأمهات الأطفال ، لا يزالون حتى الآن يطالبون بمحاكمة المسؤولين عن المجزرة ، وتخرج الأمهات في ذكرى المجزرة وهن يرتدين قمصاناً كتب عليها “بوتين جلاد بيسلان” . يتجاهل الكرملين التوقف عند ذكرى المجزرة ، مما حدا بموقع “Forbes” بنسخته الروسية أن يكتب في الذكرى 15 للمجزرة نصاً بعنوان “المأساة المزعجة : لماذا لم تدخل بيسلان في تاريخ روسيا الرسمي” . يقول الموقع ، أنه بعد 15 عاماً على المجزرة ، نسي غالبية الروس معاني وتفاصيل تلك الأحداث ، أو أنها بقيت مجهولة بالنسبة لهم . وتساهم السلطة مساهمة وازنة في هذا الأمر ، إذ بنظرها لا يحق “سوى للإنتصارات أن تبقى في التاريخ الروسي” .
مركز “ليفادا” الروسي لدراسة الراي العام ، الذي يتمتع بمصداقية رفيعة في الغرب وفي روسيا ، على الرغم من إدراجه في قائمة السلطة “عميل أجنبي” ، نشر في 8 من الجاري تقريره الشهري عن آذار/مارس بعنوان “ميزان إنجازات وإخفاقات بوتين” . إلى جانب الأسئلة التقليدية عن موقف السكان من نشاط الرئيس خلال وجوده في السلطة ، أضاف المركز سؤالين تمحور الأول حول إنجازات بوتين ، والثاني حول إخفاقاته. يقول التقرير ، أنه يمكن فرز 5 أو 6 حقول تفوقت فيها الإنجازات على الإخفاقات ، و3 حقول من نشاط الرئيس اعتبرها الناس فاشلة ( محاربة الأوليغارشيين ، رفع مستوى رفاهية السكان ، محاربة الفساد) .
يشير المركز إلى أن جميع حقول الحياة الإجتماعية الواردة في المشروع ، نسبها الرأي العام إلى صلاحيات الرئيس ، وهو ما يحدث فقط في الأنظمة ، التي تلغي التقسيم بين السلطات ، وتلغي إستقلالية الإدارات المحلية والمجتمع المدني ، وتهيمن على الإقتصاد الإدارات المركزية وشركات الدولة .
في قائمة الميزان بين الإنجازات والإخفاقات ، جاء حقل “القضاء على خطر الإرهاب في البلاد” في المرتبة الثالثة في تفوق إنجازات بوتين على إخفاقاته بمقدار 26 نقطة ، بينما تصدر حقل “رفع القدرة القتالية وإصلاح الجيش” المرتبة الأولى في تفوق الإنجازات على الإخفاقات بمقدار 34 نقطة ، وتبعه بند ” حل القضية الشيشانية” بمقدار 29 نقطة .
يقول تقرير المركز ، أن مثل هذه الأسئلة في الإستطلاعات يطرحها المركز منذ نهاية رئاسة بوتين الأولى العام 2004 ، مما يسمح بمتابعة تطور الرأي العام حيال فعالية السياسة التي ينتهجها رأس الدولة. ويعتبر الروس ، حسب الإستطلاع ، أن نجاح بوتين بشأن القوات المسلحة ورفع هيبتها ، تتصدر جميع إنجازاته ، ويعتبرون ، أن إستعراض القوة العسكرية أمام الرأي العالمي “تعوض عن الفقر الراهن” .
يُستنتج من الإستطلاع الراهن وما سبقه ، أن الروس يربطون بين حل القضية الشيشانية والقضاء على خطر الأعمال الإرهابية . ويرون أن “وجود قاديروف أفضل من حرب لا تنتهي” تخلق تهديداً مستمراً بنقل الإرهاب من القفقاز إلى مناطق روسيا الداخلية . ويرى التقرير ، أن غالبية الروس لا تدرك “ولا تريد أن تدرك” ، أن الإرهاب هو نتيجة مباشرة لسياسة الرئيس السابق بوريس يلتسين ، ومن بعده بوتين، في القفقاز .
Social Links: