الجهاد وحركات التحرر الوطني

عبد الله حنا

تكرر فعل الجهاد في القرآن الكريم سبعة وعشرين مرة ، ومرتين بمعنى السعي والمحاولة ، واسم الجهاد أربع مرات ، والمجاهدين اربع مرات . والمعنى الأساسي للجهاد في هذه النصوص هو القتال مع ما يلحق به من معاني التضحية بالأموال ومقتضيات السعادة الشخصية من اجل الهدف الأسمى للمسلم . والجهاد هو الفرض الخامس في تسلسل الفرائض الخمسة ، وهو فرض كفاية .
وفّر مفهوم الجهاد الأساس الإيديولوجي لاستمرار الفتوحات طيلة القرن الأول وبداية الثاني . وقد سُميت البلاد المفتوحة باسم ” دار الإسلام ” مقابل ” دار الحرب ” للبلاد الواقعة خارج دار الإسلام .
وبعد عصر الفتوحات أخذت وظيفة الجهاد تتغير من الهجوم إلى الدفاع ، أو الإثنين معا . وتجلى ذلك في التصدي للبيزنطيين في المشرق والافرنج في المغرب . وفي مرحلة لاحقة واصل الجهاد أداء وظيفته الدفاعية ضد غزوات الفرنجة ( الصليبيين ) ، وأوقف التوسع المغولي باتجاه مصر والشام .
*
ومع الغزو الاستعماري الأوروبي بدأت راية الجهاد تتناغم مع التصدي للغزو الإستعماري ، وتكتسب أكثر فأكثر صيغة التحرر الوطني . ومع صعود حركات التحرر الوطني في القرن العشرين اختفى مفهوم الجهاد أو كاد ، ولكن راية الجهاد بقيت ترفد النضال الوطني في قلوب الثائرين العامرة بالإيمان .
*
ونرى أن مفهوم الجهاد مرّ بالمراحل التالية :
– مرحلة الفتوحات العربية الإسلامية في القرن الأول الهجري ومستهل القرن الثاني .
– مرحلة الجهاد للدفاع عن دار الإسلام ضد الغزوات الخارجية .
– مرحلة الفتوحات العثمانية في ” دار الحرب ” أوروبا ودار الإسلام ( بلاد الشام ومصر والعراق وغيرها ) .
*
وهنا نطرح الإسئلة التالية : ما مدى استغلال السلاطين العثمانيين للجهاد للتوسع في أوروبا ؟ .. وهل فتح بلاد إسلامية جهادا ؟ .. هل النجاحات الساحقة للأتراك في آسيا وأوروبا مديونة لروح الجهاد ، أم للغريزة القتالية لشعب بدوي متمرس في الحرب ؟ .. وأين يكمن دور الإنكشارية في هذه الفتوحات ، وهل هم جهاديون ؟ ..
*
– مرحلة الجهاد ، الذي اكتسب صفة وطنية في النضال ضد الغزو الاستعماري في النصف الأول من القرن العشرين .
– مرحلة الجهاد بصيغته السلفية ، الذي بدأ في الظهور أواخر القرن العشرين واحتلّ الساحة مع تراجع وانكفاء حركات التحرر الوطني ، ولا يزال سيد الموقف إلى حد بعيد .
– والجهادية السلفية بفروعها المختلفة ، أزاحت النضال الوطني ، وطمست شعار الدين لله والوطن للجميع . وهي تسير بالبلاد في عالم المجهول …..
– متى ستظهر مرحلة جديدة ؟ .. تدفع في الوعي الوطني أو يدفع بها نحو دروب تنويرية نهضوية جديدة .