كانت حصة سوريا من اللاجئين الفلسطينيين، الذين اخرجوا من أرضهم ووطنهم نتيجة إقامة إسرائيل عام 1948، حوالي 85 ألفا، من أصل حوالي 850 ألف لاجئ في ما عرف بالنكبة، وقد تزايد عددهم بحيث وصل إلى حوالي 500 ألف نسمة في 2011، أغلبيتهم عاشوا في مخيمات ظرفية، في بعض المدن السورية، في حلب وحمص وحماة ودرعا واللاذقية، بيد أن مدينة دمشق؛ العاصمة وريفها، احتضنت العدد الأكبر منهم، 67 بالمئة، خاصة في مخيم اليرموك الذي غدا بمثابة عاصمة للاجئين الفلسطينيين وأحد أهم المراكز الحضرية لهم، فضلا عن كونه من أهم المخيمات التي شهدت حراكا سياسيا أسهم بشكل كبير في نهوض الحركة الوطنية الفلسطينية منذ أواسط الستينات من القرن الماضي وما بعدها.
منذ البداية وقبل مجيء نظام الأسد إلى الحكم، كانت السلطات السورية تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين باعتبارهم “ضيوفا”، على أساس علاقات الأخوة العربية، ومن الناحية القانونية تم التعامل معهم بصفة “إقامة مؤقتة” (مذكور في هويتهم المدنية تذكرة إقامة مؤقتة مجانية)، وقد ساوتهم في الحقوق مع سائر السوريين، لكن من دون أن يصل ذلك إلى حدّ منحهم حق المواطنة، الذي يتضمن الجنسية والحقوق السياسية، وذلك وفقا للقانون 260 لعام 1956؛ على خلاف لبنان الذي انتقص من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، مثل التعلم والعمل والسكن، وأيضا بخلاف الأردن الذي منحهم حقوق المواطنة الكاملة، حتى فك الارتباط بالضفة الغربية عام 1988.
ليس القصد كما تقدم القول بأن الفلسطينيين في هذا البلد كانوا يعيشون في نعيم مقيم، إذ أن أغلبيتهم كانت ومازالت تعيش في مخيمات بائسة، إلى درجة أن الفقراء السوريين وجدوا في مخيمات الفلسطينيين بيئة طبيعية لسكنهم؛ تماما مثلما وجد بعض الفلسطينيين الأغنياء مجالهم في بعض الأحياء الراقية في المدن السورية، علما أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، التابعة للأمم المتحدة، هي التي كانت تقوم بتقديم الخدمات في المخيمات بما في ذلك التعليم والصحة. أيضا، هذا يوضّح أن اللاجئ الفلسطيني في سوريا يعامل مثل السوريين، وضمن ذلك أنه يخضع لما يخضع السوريون له، من كل النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، مع ما يترتب عن ذلك من إجحاف أو ظلم.
بيد أنه منذ مجيء نظام الأسد، سيما بشار الأسد الذي خلف والده، برزت العديد من المداخلات السلطوية التي حدت من مكانة اللاجئين ومن حقوقهم، التي تساويهم بالسوريين، والحديث يدور عن نظام يتعامل فيه مع “مواطنيه”، من دون اعتراف بحقوق المواطنة، ووفقا لمعايير الولاء والطاعة، في ظل شعار معروف “سوريا الأسد إلى الأبد”، ناهيك أن هذا النظام قيد الحركة الوطنية الفلسطينية، وحدّ من حركتها في مجتمعات الفلسطينيين في سوريا، كما حاول التدخل في الشؤون الفلسطينية وإنشاء منظمات تابعة له.
بعد اندلاع الثورة السورية، أو الحراك الشعبي في سوريا، أو الصراع السوري، برزت تصريحات من بعض مسؤولي النظام، مثل بثينة شعبان التي اتهمت فلسطينيين من مخيمي درعا واللاذقية بإثارة الشغب، على اعتبار أن ما يجري مجرد مؤامرة خارجية، كما برز تصريح لرامي مخلوف، وهو ابن خال رئيس النظام، وجهه إلى إسرائيل بقوله “إن عدم الاستقرار في سوريا يعني عدم الاستقرار في إسرائيل”.
في مرحلة تالية، حاول النظام تجنيد الفلسطينيين لصالحه ضد الشعب السوري، وإثارة النعرة بين بعض المخيمات، من خلال أزلامه الذين راحوا يبثون روح الكراهية والعصبية، بين أهالي المخيمات والمناطق المجاورة، وعندما فشل ذلك في مخيم اليرموك مثلا، حاول توظيف القضية الفلسطينية على جاري عهده، من خلال تشجيع الشباب على الذهاب إلى الجولان في ذكرى 5 حزيران 2011، التي يُمنع السوريون من الذهاب إليها، حتى بعد استعادة مدينة القنيطرة في 1973، وذلك لاقتحام الحدود بدعوى “مسيرة العودة”، في محاولة لاستثمار مسيرة العودة، الناجحة، التي كانت جرت في ذكرى يوم النكبة 15 مايو 2011، حيث تمّت التضحية بـ21 شابا فلسطينيا وجرح المئات، وهو ما أثار غضب الفلسطينيين، وأدى إلى اندلاع هبّة شعبية في مخيم اليرموك في اليوم التالي، إبان التشييع، ضد النظام وضد أعوانه في الفصائل الفلسطينية الموالية.
أيضا، لم يكن النظام مرتاحا لمحاولة الفلسطينيين عدم مساندته، أو النأي بمخيماتهم عن الصراع السوري؛ إذ بدأ في منتصف عام 2012 بقصف المخيم من قواعد عسكرية قريبة منه في فترات متقطعة، لا سيما بعد التحول نحو الصراع العسكري، الذي تسبب فيه النظام، بسبب قمعه الوحشي للمتظاهرين السلميين، وارتكابه المجازر في مناطق الحولة والتريمسة وداريا والقابون وبابا عمرو، وكذلك قمعه بالدبابات والرصاص الاعتصام السلمي في ساحتي النواعير في حماة والساعة في حمص، في الأشهر الأولى للثورة.
في مرحلة ثانية قام طيران النظام بقصف مخيم اليرموك يوم 17 ديسمبر 2012؛ الأمر الذي أثار موجة هائلة من الرعب بين أهالي المخيم وجواره، الأمر الذي اضطرهم إلى النزوح، في واقع يثير الريبة والتساؤلات، وفيما بعد فرض حصارا مشددا على المخيم، بعد تشريد معظم سكانه، وتحويله إلى حقل رماية لقناصة ومدفعية النظام، ثم إلى منطقة صراع بين فصائل عسكرية، كما بينها وبين النظام، في واقع لا يعرف أحد فيه كيف دخلت؟ وكيف يدخل تموينها وأسلحتها ومواردها التسليحية والمالية. علما أن كل المؤشرات تؤكد أن النظام ضليع في التلاعب بالفصائل العسكرية، لا سيما مع سوابقه، في مخيم نهر البارد مثلا في العام 2007، مع تنظيم “فتح الإسلام” الموالي له، الذي أعلن إمارة إسلامية، وهذا يشمل فتح المجلس الثوري، وحركة “غرباء الشام” وزعيمها المقتول أبوالقعقاع (محمود قول آغاسي) الذي عمل كداعية إسلامي وكمحرض على عمليات تفجيرية ضد الاحتلال الأميركي للعراق، في حين تبيّن أنه يعمل مع أجهزة المخابرات السورية، دون أن ننسى قصة ميشال سماحة الوزير اللبناني الذي تمّ اكتشاف نقله لمواد متفجرة استلمها من المخابرات السورية لتفجيرها في لبنان.
والمشكلة أن ما يجري يتم تحت غطاء المقاومة والممانعة، وبتهمة القضاء على الإرهاب، علما أن الجميع يعلم أن تنظيم داعش هو ذريعة، وأنه منظمة إرهابية عملت على إرهاب الشعب السوري في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، كما حارب الفصائل المعارضة أكثر بكثير مما قاتل النظام، وكلنا يعلم أن النظام لم يقصف ولا مرة ولا ببرميل واحد، قوافل داعش التي كانت تتحرك بحرية من بادية العراق إلى بادية الشام، وأن قصة داعش تقف وراءها أطراف عديدة، أهمها إيران والقوى الموالية لها في العراق، وكلنا يذكر قصة الهروب من سجن أبوغريب، والاستيلاء على مدينة الموصل مع أسلحة أربع فرق عراقية وأموال البنك المركزي، وهو ما حصل في منطقتي دير الزور والرقة التي انسحب منهما النظام (2013 – 2014).
والسؤال هنا هو هل قتال داعش يستوجب هذا التدمير الشامل لمخيم اليرموك، علما أن كل منطقة المخيم وجوارها كانت ساقطة عسكريا، وكان النظام يتعمد تركها محاصرة، كي يتفرغ لمناطق أخرى، بدلا من الانشغال بها، وتمكين أهلها من العودة إليها، لأنه بذلك يوفر على نفسه عبء رصد قوات كبيرة للسيطرة عليها، كما أن ذلك ينسجم مع هدفه وهدف حليفته إيران، بتغيير الواقع الديموغرافي في دمشق وما حولها.
كما يفيد التذكير هنا بأن النظام السوري لعب دورا كبيرا في تدمير المخيمات، قبل ظهور داعش وأخواته، وقبل اندلاع الصراع السوري، وهذا حصل في مخيمي تل الزعتر والضبية في بيروت في 1976، وفي حروب المخيمات التي خاضتها حركة أمل لصالح النظام السوري في أواسط الثمانينات، وفي تدمير مخيم نهر البارد في الشمال اللبناني في العام 2007.
(نشر في جريدة العرب اللندنية 30/4/2018)
Social Links: