جهود كبيرة بذلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة لتعزيز العلاقات بين فلسطينيي الـ 48 واليهود داخل الخط الأخضر، وجعل موضوع التعايش في مركز اجندة الجمعيات والأحزاب من الطرفين. الا ان التصعيد الأمني تجاه غزة، الذي انفجر في أعقاب الاعتداءات على المسجد الأقصى والإجراءات الإسرائيلية العنيفة التي أثارت مشاعر الفلسطينيين، خصوصا في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، الى جانب مخطط تهجير أهالي حي الشيخ جراح في القدس، أعاد الوضع داخل إسرائيل، وتحديدا لجهة العلاقات بين اليهود وفلسطينيي الـ 48 سنوات الى الوراء وجعل المدن المختلطة وأبرزها حيفا، وعكا واللد في مهب عاصفة ترسم خريطة طريق جديدة للتعايش بين سكان هذه البلدات.
منذ تصاعد الأحداث في الأقصى والشيخ جراح، وقبل انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة انطلقت تظاهرات الاحتجاج على السياسة الإسرائيلية في بلدات فلسطينيي الـ 48 لتطلق صرخة عالية في وجه هذه السياسة في مقابل التضامن مع فلسطيني القدس والضفة.
وما ان احتدم الوضع الأمني وتحول الى قصف صاروخي متبادل بين غزة وإسرائيل حتى التهبت الأوضاع داخل بلدات الـ 48 لتنطلق تظاهرات واحتجاجات في مختلفة المناطق تصاعدت كل يوم الى أن وصلت إلى ذروتها في المدن المختلطة، وكانت الشعلة الأولى في اللد.
اللد، البلدة الفلسطينية التي تواجه منذ سنوات سياسة تمييز وقهر من قبل المؤسسة الإسرائيلية، شهدت هبة غضب كبيرة لم تقتصر على الاحتجاج على غزة والاقصى او الشيخ جراح، بل اشتعلت في وجه سياسة اليمين الإسرائيلي ضد المجتمع الفلسطيني، عموما، واللد بشكل خاص.
يعاني سكان اللد العرب الفقر والاكتظاظ السكاني ويظهر الفرق بينهم وبين اليهود من سكان المدينة بشكل واضح سواء في أوضاع احيائهم او مدارسهم ومؤسساتهم الاجتماعية. وهذا الوضع أدى الى تراكم كراهية بين الطرفين.
عند اشتعال الأوضاع في القدس وغزة طافت شوارع اللد تظاهرات عربية حاشدة وأطلق الناشطون فيها صرخات الاحتجاج. وعلى الرغم من وجود عناصر كبيرة من الشرطة، التي بذلك جهدا كبيرا لتضييق الخناق عليهم ومضايقتهم، الا أن ما ضاعف من عنف المشهد كان عناصر من اليمين الإسرائيلي والمستوطنين الذين هاجموا المتظاهرين العرب تحت حراسة الشرطة، ووقعت صدامات أدت الى مقتل الشاب موسى حسونة (31 عاما) بنيران مستوطن واصابة اخرين.
كانت تلك هي الشعلة التي وصلت نيرانها الى مختلف بلدات فلسطينيي الــ 48، لتنطلق التظاهرات وأعمال الاحتجاج في كافة البلدات العربية.
الشرطة الإسرائيلية، التي عكست سياسة المؤسسة الإسرائيلية العنصرية تجاه العرب، بدل من ان تمنع المستوطنين من الدخول الى المناطق التي تشهد مسيرات فلسطينية هاجمت المتظاهرين العرب واعتدت عليهم واعتقلت العشرات منهم. في المقابل تعاملت بيد من حرير مع المستوطنين ولم يُسمع عن اعتقال يهودي او مستوطن، وحتى من اعتقل بتهمة قتل حسونة، وهو اليهودي الوحيد المعتقل في مقابل أكثر من مئتي شاب من فلسطينيي 48، طالب مسؤولون إسرائيليون بإطلاق سراحه.
تراكم كبت وانفجار شبابي
الزخم الكبير للتظاهرات اليومية والمشاركة الجماهيرية الواسعة للشباب، كانت مفاجئة وغير متوقعة، لكنها عكست الوضعية التي يعيشها الشباب الفلسطيني داخل إسرائيل. لم تكن التظاهرات مجرد إطلاق صرخة تضامنية مع الأقصى والشيخ جراح وغزة انما انفجار شبابي سببه سياسة التمييز والعنصرية المتراكمة منذ قيام إسرائيل. فهم يعانون التمييز في التعليم والجامعات وانعدام المساواة المدنية، البطالة بينهم الأعلى في إسرائيل وفرص العمل المتوفرة لهم قليلة جدا.
مجمل فلسطينيي الـ 48 الذين شاركوا بشكل واسع في اعمال الاحتجاج فان غضبهم لم يقتصر فقط على سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينين في الضفة والقدس انما أيضاً احتجاجا على سياستها تجاههم وتعزيز العنصرية والتمييز، ومنح الحرية المطلقة للمستوطنين واليمين الإسرائيلي في الاعتداء عليهم وتخريب أملاكهم وأماكنهم المقدسة، في مقابل سياسة القمع والتنكيل والتي انعكست بشكل كبير من قبل الشرطة الإسرائيلية في التظاهرات التي تجري حاليا احتجاجا على أحداث غزة والاقصى.
في أعقاب ما ظهر من عنصرية وعنف من قبل الأمن الاسرائيلي تجاه فلسطينيي الـ 48 أُطلقت صرخة تطالب بتشكيل لجنة تحقيق بتصرفات الشرطة ومنحها الضوء الأخضر للمستوطنين للاعتداء على العرب وتحملها مسؤولية تعزيز وتعميق الكراهية والتمييز بين اليهود والعرب.
فقد قامت الشرطة بملاحقة الشباب والمتظاهرين في البلدات وكذلك في الجامعات، حيث تعرض الطلاب العرب لاعتداءات ومضايقات من قبل الطلاب اليهود دون ان تحرك الشرطة ساكنا، بل قامت هي الأخرى بملاحقة الطلاب العرب.
الشرطة هي جزء من المشكلة، اذ لا يمكن فصل الأحداث الاخيرة عن احتجاج الشباب العرب على عجز الشرطة في كل ما يتعلق بجرائم العنف في المجتمع العربي، وهو ما ولد عدم ثقة بها، بل اعتبرت جزءا من المشكلة.
الغضب على الشرطة تنامى في أوساط الشباب العربي خلال التظاهرات الأخيرة، فما يحدث في القدس يتناغم بشكل مباشر مع ما يحدث في يافا وحيفا. هناك مخطط لإخلاء المنطقة من سكانها الفلسطينيين وفي البلدات العربية تمارس الشرطة سياسة طرد منهجي عبر أوامر هدم البيوت وتضييق الخناق على الشباب.
أنظمة طوارئ
المؤسسة الإسرائيلية، وبدل أن تتخذ إجراءات تساهم في تهدئة الوضع وتحد من الكراهية بين المجتمعين منحت الضوء الأخضر للمزيد من القمع والاعتداءات والاعتقالات فيما تركت اليمين والمستوطنين أحرارا يتجولون في البلدات العربية ويقدمون على ممارسات عنصرية.
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل أوعز رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للشرطة للعمل بموجب أنظمة طوارئ خاصة، وأعلن أنه منحها صلاحيات واسعة وسيمنحها المزيد من الصلاحيات للعمل على “إعادة سيطرة الحكومة على المدن”، ملمحا إلى إمكان نشر قوات عسكرية في المدن، وقال: “لقد رأينا مثيري شغب عرب يحرقون الكنس ويضرمون النار في السيارات ويهاجمون رجال الشرطة ويلحقون الأذى بالمدنيين المسالمين والأبرياء وهذا أمر لا يمكننا قبوله، إنها فوضى. لا شيء يبرر ذلك”.
حديث نتنياهو كان كافيا لأن يشعل غضب الشباب العرب، لينطلقوا من جديد في ساعات المساء في تظاهرات ربما تكون أكثر شدة تؤدي الى تصعيد داخلي لم يحسب أحد حسابه.
Social Links: