خارج النص/حيونة الإنسان
“المسألة هي أنني أرى أن عالم القمع المنظم منه والعشوائي الذي يعيشه إنسان هذا العصر هو عالم لايصلح للإنسان ولا لنمو إنسانيته،بل هو عالم يعمل على “حيونة الإنسان”ومن هنا كان العنوان ولعل الاشتقاق الأفضل للكلمة هو”تحوين الإنسان”ولكني خشيت ألا
تكون الكلمة مفهومة بسهولة،إن تصورنا للإنسان الذي يجب أن نكونه أمر ليس مستحيل التحقق حتى وهو صادر عن تصور أدبي أو فني ولكن هذا التصور يجعلنا حين نرى واقعنا الذي نعيشه نتلمس حجم خسائرنا في مسيرتنا الإنسانية وهي خسائر متراكمة ومستمرة طالما أن عالم القمع والإذلال والاستغلال قائم ومستمر
وستنتهي بنا إلى أن نصبح مخلوقات من نوع آخر كان اسمه”الإنسان”أو كان يطمح إلى أن يكون إنسانا ومن دون أن يعني هذا بالضرورة تغيرا في شكله،إن التغير الأكثر خطورة هو الذي جرى في بنيته العقلية والنفسية”
كانت هذه الكلمات للمفكر السوري الكبير ممدوح عدوان تقديما لكتابه القيم”حيونة الإنسان”
الذي يجعلنا نقف عنده لما يحمله من تنبؤات تحولت إلى حقائق واقعية حصلت وكانت دليلا على وحشية الإنسان الكامنة في أعماقه،يأخذنا عدوان من خلال نظرته كأديب وكاتب لا من نظرته كباحث فهو يكتب بقلم الروائي صاحب النظرة الأدبية لا الباحث ونظرته المنهجية ويحاول نقلنا إلى عالمه الخاص الذي يوضح من خلال كتابه حجم خسارتنا على الصعيد البشري وكم تغلبت المصلحية والماديات الدنيوية على الإنسان الذي فينا،لاشك بأن”حيونة الإنسان”ككتاب ناقش مسألة حساسة وفتح الباب أمام حوارات عميقة وتساؤلات عن ماهية النفس البشرية وقصة الإنسان الذي يسكنه الوحش،والوحش الذي روضته الطبيعة عبر التقدم الزماني على المدى الطويل ولكن ذاك الوحش مازال يسكن في الإنسان ويتغلب عليه في كل منعطف”تاريخي”أو”حضاري تمر به الشعوب أو المجموعات أو حتى الأشخاص.
ممدوح عدوان يكتب خارج النص فهو يقول بأن التعود هو جزء من طبيعةالنفس البشرية ويعتبر بأن التعود هو شيء من التهديد للإرث الإنساني أو للآدمية المتراكمة على مر العصور وأن تعود الناس على مشاهدة مايجري في الحروب من مذابح ومجازر ومجاعات ومعتقلات وحالات اغتصاب هو أمر خطير يهدد نظرة الإنسان للحدث ولأخيه الإنسان.
يقول ممدوح عدوان:
“أخطر مايتهددنا الآن هو أن نتعود على أنباء المجازر بحيث لاتعود تثيرنا!”
إذا التعود أوبالأحرى حالة”التبلد”التي تصيب النفس من تكرار مشاهد القتل والقسوة التي يقوم بها الطغاة بحق أمثالهم من البشرووجود مجموعة أو أنصار لهذا الطاغية تقوم بالتصفيق له وتمجيده مع أنه ظالم ومتوحش في تصرفاته.
إذا هي حالة”التحوين”
التي يسعى الطاغية إلى أن يوجدها في مؤيديه قبل معارضيه هي نفس الفكرة التي أوردها
“ميكافيللي”في كتابه الشهير”الأمير”
لذلك أراد عدوان الحديث عن مسألة”الحيونة”
بزوايا مختلفة منطلقا من مصطلح”الحظيرة”التي أوجدها ومازالت إلى يومنا هذا مجموعة حكام على مر الأزمات يصنعون حولهم شبكة من المنتفعين يخلقون للحاكم حالة الحظيرة التي يدجنون بها الشعب
مهمتم الأساسية إخضاع وإذلال وتسكيت الشعب والناس عن مطالبهم وحقوقهم وبالطبع هذه الشبكة”العصابة”محميةمن الحاكم وعادة مايكون
غطاءها دينيا أو عرقيا أوطائفيا.
يقول عدوان:
“هناك سبب اقتصادي يبدأ من حاجة الجلاد إلى راتبه وينتهي إلى حاجة شعب إلى نهب شعب آخر
ولايتم سد هذه الحاجة إلا بالقضاء على قدرة هذا الشعب الآخر على المقاومة أو الرغبة فيها وإيصاله إلى حد(السكوت المستكين)وهو يرى السرقة تتم أمام عينيه
بل والانتقال إلى جعل الشعب يرى نفسه لايستحق هذه الثروات التي في بلده وأن من يستحقها هو ذلك الآخر القوي المتجبر وهذا لايتم إلا بإذلال هذا الشعب أو الشخص وتسخيره والاستمرار في جهله(الأمر الذي لايمكن أن يتم إلا بناء على عد هذا الشعب المنهوب أقل من البشر أو إيصاله إلى مستوى يصبح فيه أقل من البشر فعلا”)
إذا العلاقة بين الطاغية والجلادين جوهرها اقتصادي إذا لم نقل إنها مسألة الخوف أو التخويف من الجوع الذي ينتاب الجلادين في حال تقاعسوا أو خسروا الخدمة عند الطاغية ولاشك هذا الشعور درجة من درجات”التحوين”.
“حيونة الإنسان”كتاب صادم يحمل بين سطوره الكثير من المقاربات التي أوجدها المؤلف لقد كان عدوان صاحب نظرة واقعية استشف القادم
وحذر بشكل جلي من وصول مجتمعاتنا إلى مرحلة”الحيونة”لأنها بالأساس”مجتمعات هشة”
تحدث عن خروج الوحش القابع في نفوس البشر
عن حالة الجنون الموجودة في زنازين وأقبية السلطة على امتداد العالم العربي عن التعذيب والقتل والظلامية التي تعشعش في مخيلة أي طاغية ومناصيريه عن أساليب المجرمين القذرة التي تصل إلى حد التجويع وحالات الحصار
الجماعي لتركيع وإجبار الناس على الخضوع
كل ماتحدث عنه الكتاب حصل بالفعل بعد انتفاضة الربيع السوري شاهدنا وكل العالم شاهد كيف حوصرت غوطة دمشق وحمص القديمة وحلب وغيرها شاهدنا كيف ارتكبت المجازر والمذابح
كيف عذب وقتل الآف الناس تحت التعذيب ورماهم الجلاد دون أي رحمة؟!
كل هذه الصور والمشاهد تؤكد لنا على وجود وحشية غير مسبوقة
وجنون بشري مخيف ومرعب جدا
ممدوح عدوان ومن خلال كتابه”حيونة الإنسان”
كان عميقا ومباشرا وواضحا وكتابه من أخطر الكتب التي تحدثت عن الﻻوعي الذي يصيب الإنسان عن حالة الغفلة والإنسياق والضياع عدوان وضعنا أمام حالة”صعبة”إذا صح التعبيرمن التجرد حالة فشلنا في تفاديها ونحن نعيش أبشع مراحلها اليوم (نحن لانتعود باأبي إلا إذا مات فينا شيء)
ممدوح عدوان
من رواية”أعدائي”
Social Links: