عدنان عبد الرزاق – العربي الجديد:
تتراجع مساعدات دعم السوريين بالتوازي مع تراجع طرح الحلول لأطول حرب على شعب طالب بالحرية، ربما شهدها العصر الحديث. فمن 10 مليارات دولار، كانت الأمل على مؤتمر المانحين والأمم المتحدة، ببروكسل هذا العام، تراجع الالتزام بتقديم، الالتزام وليس التنفيذ، إلى 6,4 مليارات دولار، للسوريين داخل وخارج البلاد.
لتتوزع الأموال على الورق، التي منّت بها 50 دولة و30 منظمة دولية فيما وصفت بالعاصمة البلجيكية المضيفة، بأكبر حملة سنوية لمساعدة المتضررين من الحرب، على 4,4 مليارات دولار للعام 2021 ومليارين للعام 2022 والسنوات التالية، لتكون المساعدات السنوية بتراجع مستمر قياساً بالسنوات السابقة، خاصة قبل عامين وقت ضجت الدول المضيفة وهدد بعضها بترحيل السوريين، فحثت الدوحة الدول على الالتزام واستضافت كبار المانحين.
بمنأى عن هذه الأرقام النظرية والهائلة، ثمة أسئلة تتوثب على شفاه السوريين، ربما أولها وأهمها، لماذا يتم منح الحصة الأوفر من المساعدات الدولية لنظام بشار الأسد، رغم أنه أس المشكلة وأساس معاناة وعوز السوريين، وهل بالفعل يوزع الأسد أموال المانحين على المحتاجين، أم يستخدمها لقتل وتشريد البقية ليحوّل كامل سكان البلاد، كما اليوم، إلى محتاجين؟!.
ومن أسئلة السوريين بمناطق المعارضة أيضاً، لماذا تشبّك الدول والمنظمات مع جمعيات ومنظمات “فصلتّها هي بمقاسات محددة” ليتم عبرها، وعبرها فقط، توزيع اكسير البقاء للسوريين.
بمعنى، يقول سوريون من رحم المعاناة، سواء بالداخل أو بمخيمات الحدود، أن عشرات المنظمات الدولية بحلل وهيئات سورية، تحصل على نصيب الأسد مما يفيض عمّا يأخذه نظام الأسد، لكنها تبني عبر الأموال، شبكات علاقات وتوسّع مواقعها وتجدد أثاث مكاتب مسؤوليها وتزيد عديد موظفيها، بل ويقدم سوريون شهادات عن منتفعين من أموال المساعدات، حولتهم الحرب إلى تجار وأصحاب ممتلكات بدول جوار سورية.
وأما السؤال الذي تغّص به حلوق السوريين، فهو استفادة الدول المستضيفة للاجئين من أموال المانحين، فتشغّل بعض عاطليها وتمنن السوريين ببعض الفتات، بعد أن تاجرت بجميع المحافل والمؤتمرات، باستضافة السوريين وتحميلهم وزر فقرها وبطالتها وتهديم بناها وهياكلها. وربما بسيمفونية لبنان كل عام، مثال كاف لا يحتاج عناء الدليل والإثبات.
وأما السؤال المستغرب لدرجة الدهشة فهو، لماذا تؤثر الدول المانحة “القوية والديمقراطية عملياً” على إبقاء السوريين بموقع المتسولين، ولا تبحث بحل لأزمتهم والأخذ بيدهم إلى شاطئ الحرية والعدالة بتوزيع الدخل وتداول السلطة؟!
أليس من العجيب أن تضع الدول المانحة، خطط مساعدة وأموال حتى عام 2024 وكأنها تقول للسوريين، استمروا بالهجرة من وطنكم والبحث عن خلاصكم الفردي، فلا أمل لكم، على الأقل حتى أربعة أعوام مقبلة؟!.
قصارى القول: أثناء الحديث عن الدول المستضيفة للسوريين، تتصدر تركيا المشهد على الدوام، فهي من تستضيف زهاء 3.6 ملايين من أصل 12 مليون سوري فروا من الموت والاعتقال، إلى دول الجوار والعالم بأسره.
لذا من مقاربة آنية بتركيا اليوم، قد نعطي لمحة عن مجمل المشهد، رغم الإقرار منطلقاً ونهاية، أن ما قدمته تركيا للسوريين وما تحملته جراء استقبالهم، وعلى الصعد جميعها، قلما تحمّله سواها.
فاليوم وبعد إعلان الاتحاد الأوروبي، عن تخصيص 3 مليارات يورو لدعم السوريين في تركيا حتى 2024. ثمة أسئلة تزج بنفسها.
أولها لماذا حتى عام 2024، هل ثمة ما في أفق تلك الدول حتى ذلك التاريخ، كتوطين السوريين خارج بلادهم مثلاً، أو أن التاريخ الأقرب لحل قضيتهم يتطلب أربعة أعوام أخرى من التفقير والإذلال والمعاناة؟!.
وأما السؤال المهم، لماذا تتاجر المعارضة التركية باللاجئين السوريين وتزيّف الحقائق على أن مساعداتهم عبر الهلال الأحمر، تأتي من الخزينة التركية وتقتطع من نصيب الأتراك.
هذا إن لم نتماد بالأسئلة ونعرّج للتحريض وحملات العنصرية المستمرة من المعارضة، لتأليب الشعب التركي على ضيوفه والغمز أن السوريين سبب الفقر وارتفاع نسبة البطالة.
ليأتي السؤال الأهم، إذ وبالتزامن مع إعلان المساعدات الأوروبية، أعلنت منظمة “اليونسيف” ومديرية التربية مدى الحياة بتركيا، عن إنهاء عقود 12 ألف معلم سوري بتركيا، ما يعني تحويلهم إلى عاطلين عن العمل وأسرهم إلى معانين جدد يضافون إلى قوائم وجع السوريين. علماً أن أجور المعلمين هي الحد الأدنى للأجور بتركيا “2020 ليرة” وتأتي كاملة من المساعدات الدولية؟!.
نهاية القول: ليس للسوريين، جلّ السوريين أي مطامع بأموال الشمال الديمقراطي والمتحضر ولا بنعيم جغرافيا دول الجوار وأوروبا، بل الآمال بعدم الالتهاء بنتائج وعقابيل الأزمة والتغاضي عن سببها ومسببها.
بمعنى، لتبحث تلك الدول الغنية والقوية بحل للسوريين، ينهون عبره حكم الأسد الوراثي الاستبدادي بسورية، لتعود سورية، المؤسسة للأمم المتحدة في خمسينيات القرن الماضي، فاعلة بالمشهد الإقليمي ورافدة للكفاءات والأموال والسلع.
لأن استمرار المانحين وأصحاب القرار الدولي بالبحث بترقيع فقر السوريين ورتق عورة المستضيفين، يضعهم بموقع المتهم بالحفاظ على نظام حول سورية الغنية لأفقر دولة وشعبها الكريم إلى متسولين على أبواب اللئام.
Social Links: