المال والإعلام.. قوة اللوبي اليهودي في أميركا، فماذا عن العرب

المال والإعلام.. قوة اللوبي اليهودي في أميركا، فماذا عن العرب

محمد حمامصي _العرب

غياب دبلوماسية عربية قادرة على التأثير داخل الولايات المتحدة.

نحن هنا.. ماذا عنكم؟

هل يتغلغل اللوبي اليهودي في مراكز صنع القرار داخل الإدارات الأميركية ويشارك في اتخاذ القرارات الاستراتيجية لأكبر دولة في العالم؟ سؤال يسعى الباحث والكاتب الأردني وليد عبدالحي للإجابة عنه في دراسة جديدة تتناول حجم تأثير اللوبي اليهودي على القرارات الأميركية والمبالغة والاستهانة الحاصلة بشأن قوته داخل الولايات المتحدة.

تلعب جماعات المصالح أو الضغط أو ما اشتهر باللوبيات دورا مؤثرا في قرارات الإدارة الأميركية، وهو الأمر الذي يتجلى بوضوح في قضايا المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما، حيث يلقي اللوبي اليهودي بثقله في كل ما يخص تلك القضايا انطلاقا من دعمه لإسرائيل وتأكيد تفوقها على كل دول المنطقة.

وتعالج دراسة صادرة عن مركز الزيتونة للدراسات في بيروت للباحث والكاتب الأردني وليد عبدالحي طبيعة اللوبي اليهودي ودوره في القرار الأميركي ومؤشرات القوة، وحجم تمثيل اليهود في هيئات صنع القرار الاستراتيجي الأميركي.

كما تعالج الدراسة التي حملت عنوان “وزن اللوبي اليهودي في القرار الاستراتيجي الأميركي بين المبالغة والاستهانة” والصادرة في يوليو الجاري، الغياب العربي وعدم تبني دبلوماسية المقايضة بين المصالح، بالإضافة إلى موقف القرار الأميركي عند تضارب المصالح مع إسرائيل.

ويرى عبدالحي أن من المؤشرات ذات الدلالة في الدراسة الجديدة هو مدى تعبير اللوبي اليهودي عن رؤية موحدة في القضايا السياسية ذات الصلة بالعلاقة الأميركية – الإسرائيلية.

ويضيف أن أغلب الدراسات المعاصرة تشير إلى عدد من الملاحظات أولها أن هناك تزايدا في التباين في التوجهات السياسية لليهود في الولايات المتحدة في ما بينهم تجاه إسرائيل، وبينهم وبين يهود إسرائيل خصوصا في القضايا الجوهرية للصراع العربي – الإسرائيلي.

ويوضح أن ثاني تلك الملاحظات أن جماعات الضغط المساندة لإسرائيل لا تقتصر على الأعضاء اليهود، بل هناك بين أعضائها مسيحيون من “الإنجيليين”، حيث تقدر إحدى أهم جماعات الضغط المسيحية المؤيدة لإسرائيل تدعى “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” أن عدد أعضائها تجاوز الخمسة ملايين.

ويقول الباحث الأردني إن ثالث الملاحظات تتعلق بوجود يهود أميركيين يعارضون السياسات الإسرائيلية أو ليسوا معنيين بجماعات الضغط اليهودية، مما يعني أن تعبير اللوبي اليهودي أو الإسرائيلي هو تعبير فيه بعض “اللبس”، ويكفي مثلا الإشارة إلى أن 44 في المئة من يهود نيويورك التي تضم أكبر تجمع لليهود في العالم بعد إسرائيل، ليسوا على صلة بأي من المؤسسات الدينية أو غير الدينية اليهودية.

أدوات التأثير

وليد عبدالحي: تأثير اللوبي اليهودي على القرارات الاستراتيجية غير وارد

يتتبع الباحث عبدالحي أبرز أدوات التأثير للوبي اليهودي على القرار الأميركي خاصة الاستراتيجي والتوجه العام للمجتمع الأميركي، حيث يتوقف أولا عند النفوذ المالي.

ويقول إنه “عند مقارنة ما تنفقه جماعات الضغط اليهودية مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية ‘الآبياك’ ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، والمسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل، والمنظمة الصهيونية الأميركية، والمعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وجماعة جي ستريت، وغيرها في الحملات الانتخابية الأميركية يتبين إنفاقها 137 مليون دولار خلال الفترة من 2016 إلى 2020”.

ويوضح أن هذه الأموال ذهبت في عام 2018 إلى دعم 269 مرشحا لمجلس النواب و57 مرشحا لمجلس الشيوخ، لكنه يشير إلى ضرورة عدم المبالغة في التركيز على حجم التدخل المالي لهذا اللوبي، لذلك عند تحديد أعلى 50 لوبيّا في الولايات المتحدة لدعم المرشحين، يلاحظ أن ترتيب اللوبي اليهودي هو في المرتبة 30، وأن حجم الإنفاق لديه تزايد في فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

ويعد النفوذ الإعلامي أداة ثانية في عمل اللوبي اليهودي على التأثير داخل الولايات المتحدة، وذلك عبر تطويع الرسائل الإعلامية لتبرير السياسات الإسرائيلية والتأثير على الرأي العام الأميركي من خلال الترويج لأفكار معينة تخدم مصالح إسرائيل، أو اتهام من يتخذ موقفا ناقدا للسياسات الإسرائيلية بأنه معاد للسامية.

وتظهر نماذج التأثير في وسائل الإعلام من خلال الضغط عليها بشكل مباشر أو غير مباشر لإخفاء الأخبار أو الصور المضرة بإسرائيل والتركيز على نقيضها، فمثلا تبين من تحليل الرسم البياني الذي يتناول عدد القتلى من الفلسطينيين والإسرائيليين في انتفاضة سنة 2000 في صحيفة نيويورك تايمز أن نسبة تغطية أعداد القتلى الفلسطينيين كانت 37 في المئة من عددهم، بينما كانت في الجانب الإسرائيلي في ذات الفترة هي 105 في المئة، أي أن الإشارة إلى العدد تكررت أكثر من العدد ذاته.

كما شهدت افتتاحيات الصحف والبرامج الحوارية في الوسائل الإعلامية ذات الصلة بجماعات الضغط تقديم الآراء التي تبرر السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين أو العرب بشكل عام، إلى جانب تزويد الهيئات الإعلامية بالمعلومات حول مختلف القضايا الخاصة بالصراع العربي ولكن بشكل يخدم السياسات الإسرائيلية، وتنظيم الحملات الإعلامية ضد الهيئات والكتاب الذين يتخذون مواقف ناقدة للسياسات الإسرائيلية.

وكان النفوذ الانتخابي من الأدوات التي استخدمها اللوبي اليهودي للتأثير في نتائج الانتخابات ونسب المشاركة بين اليهود وتوجهات التصويت في الانتخابات الأميركية، ورصد الباحث في دراسته أن نسبة مشاركة اليهود في الانتخابات الرئاسة خلال الفترة من 1948 (أول انتخابات بعد قيام إسرائيل) إلى سنة 2020، بلغت نحو 80 في المئة، وهي أعلى من المعدل العام لمشاركة المجتمع الأميركي.

كما رصدت الدراسة أن أغلب أصوات اليهود في الولايات المتحدة ذهبت إلى المرشح الديمقراطي في نحو 21 انتخابات رئاسية أميركية جرت منذ تأسيس إسرائيل، أي أن غالبية أصوات اليهود ذهبت إلى الحزب الديمقراطي في كل الانتخابات. كما بلغ معدل تصويت اليهود للمرشح الديمقراطي خلال الفترة 1948 – 2020 ما نسبته 71.6 في المئة.

ولا يرى عبدالحي فروقا جوهرية وذات طابع استراتيجي في سياسة الرؤساء الأميركيين من الجمهوريين حيال إسرائيل عند مقارنتهم مع الديمقراطيين، أي أن تأثير التصويت لم يقدم دليلا على علاقة واضحة بين توجه اليهود في التصويت ونمط السياسة للرئيس المنتخب. فمثلا حصل الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب فقط على 29 في المئة من أصوات اليهود في منافسته مع هيلاري كلينتون إلا أنه كان الأكثر انحيازا قولا وفعلا تجاه إسرائيل.

الدراسة تبحث في شأن تأثير اللوبي اليهودي في القضايا السياسية ذات الصلة بالعلاقة الأميركية – الإسرائيلية

وفي الانتخابات الأخيرة 2020 ذهبت أصوات اليهود إلى جو بايدن الديمقراطي بمعدل 76 في المئة مقابل 24 في المئة لترامب، أي أننا لم نجد معامل ارتباط قوي بين توجهات التصويت لليهود وبين سياسات الرؤساء تجاه العلاقة بإسرائيل بغض النظر عن انتمائهم الحزبي. ونفس الأمر ينسحب على اتجاهات التصويت اليهودي للكونغرس.

ويقول الباحث الأردني إن العديد من الباحثين يشيرون إلى أن اليهود يعملون على زرع رجالهم في دوائر صنع القرار الاستراتيجي الأميركي، ولتحديد مدى دقة هذا التصور لا بد من الإشارة إلى أن نسبة اليهود السكانية هي 2.1 في المئة من مجموع سكان الولايات المتحدة، لكن عند مقارنة هذه النسبة بنسب تمثيلهم داخل هيئات صنع القرار يظهر أولا أنه لم يتمكن أي يهودي من الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة، بينما شكل الرؤساء البروتستانت 78 في المئة من مجموع الرؤساء الـ46، رغم أن نسبتهم السكانية هي 51.3 في المئة، وتولى كاثوليكيان فقط هما جون كينيدي وجو بايدن الرئاسة رغم أن نسبتهم السكانية 23.9 في المئة.

ويرى الباحث عبدالحي أنه من الضروري التنبيه إلى موضوع الفروق في عدد الأصوات بين المرشحين للرئاسة لإدراك أهمية الصوت اليهودي، حيث يتبين من خلال تحليل نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية خلال الفترة 1948 – 2020 وعددها 21 انتخابات رئاسية أن معدل فوز الرئيس بنسبة 50 في المئة فما دون من الأصوات كان 13 مرة من أصل 21 انتخابات رئاسية، أي بنسبة 61.90 في المئة. وأن معدل فوز الرئيس بنسبة فوق 50 في المئة إلى 55 في المئة من الأصوات كان 5 مرات. وفاز الرئيس بأكثر من 55 في المئة من الأصوات ثلاث مرات فقط، ذلك يعني أن الفارق بين الفائز والخاسر غالبا ما يكون هامشا ضيقا للغاية، وهو ما يسمح للمشاركة اليهودية العالية بالتأثير في النتائج والترجيح في عدد الأصوات، وعليه فكلما كان الهامش ضيقا كانت نسبة تأثير اليهود أعلى على نتائج الانتخابات.

ويلفت عبدالحي إلى أن تمثيل اليهود في الكونغرس يتجاوز نسبتهم السكانية، فمثلا يتبين أنهم منذ الكونغرس رقم 105 (1997 – 1999) وحتى الكونغرس 117 (2021 – 2023) يتراوح ما بين 36 و38 عضوا. وفيما يخص تمثيلهم في رؤساء أو محافظي الولايات فإن عدد رؤساء الولايات اليهود خلال الفترة 1950 – 2020 هو 17 رئيسا، وهو ما يجعل نسبة تمثيلهم في رؤساء الولايات أقل من نسبتهم السكانية، خلافا لما هو عليه الحال في نسبة تمثيلهم في الكونغرس.

دبلوماسية المقايضة

رؤية موحدة في القضايا السياسية

وحول الغياب العربي وعدم تبني دبلوماسية المقايضة بين المصالح، يرى عبدالحي أنه “عند المقارنة بين المصالح الأميركية لدى العرب والمصالح الأميركية لدى إسرائيل، فإن الفارق كبير لصالح الطرف العربي، سواء كمراكز للقواعد العسكرية الأميركية، أو حجم مبيعات السلاح، أو كسوق تجارية”.

وبلغ حجم التبادل العربي – الأميركي عام 2020 نحو 45.66 مليار دولار، وفي سنة 2019 كانت القيمة 62.68 مليار دولار، وفي المقابل كان التبادل التجاري مع إسرائيل بحجم 10.19 مليار دولار و14.40 مليار دولار على التوالي، أي أن حجم التبادل التجاري العربي – الأميركي يساوي نحو أربعة أضعاف التجارة الأميركية مع إسرائيل.

ويعتبر الباحث الأردني أن “هذه المزايا لا تستخدم في المقايضة بين مصالح الولايات المتحدة عند العرب ومصالحها مع إسرائيل”، حيث يكفي الإشارة إلى الكيفية التي قايض بها ماو تسي تونغ الإدارة الأميركية لطرد تايوان من الأمم المتحدة عام 1971 مقابل تغيير موقفه من الحرب الفيتنامية، وهو ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: لو أن العرب وضعوا الولايات المتحدة بين خيارين إما مصالحها عند العرب أو مصالحها عند إسرائيل، فهل يتمكن اللوبي اليهودي من دفع القرار الأميركي باتجاه غير براغماتي؟ لا نعتقد ذلك.

الدراسة تعالج طبيعة اللوبي اليهودي ودوره في القرار الأميركي ومؤشرات القوة، وحجم تمثيل اليهود في هيئات صنع القرار الاستراتيجي الأميركي

ويخلص عبدالحي من تحليلاته إلى أن الاستهانة بدور اللوبي اليهودي في التأثير على القرارات الأميركية غير الاستراتيجية أمر مضلل ولا يساعد على فهم ملابسات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، كما أن المبالغة في اعتبار اللوبي اليهودي متحكما في القرار الاستراتيجي الأميركي يقود إلى النتيجة ذاتها التي تتركها الاستهانة.

ويقول إن السياسة الأميركية في كل مناطق العالم هي ذاتها من حيث الجوهر سواء في الشرق الأوسط أو غيره من الأقاليم الجيوستراتيجية في العالم، وسواء أكان هناك لوبي يهودي أم لم يكن فإن جوهر القرارات الاستراتيجية الأميركية المعبر عن المصالح العليا سيكون هو ذاته، أما القرارات الخاصة بالمصالح الدنيا فقد تكون أكثر قابلية للتكييف من قبل اللوبي اليهودي.

ويؤكد أن تطابق السياسات الأميركية – الإسرائيلية بحكم الطبيعة التي تجمع الطرفين كدولتي استعمار استيطاني، إلى جانب التداخل في التراث الديني لاسيما مع الغالبية البروتستانتية في المجتمع الأميركي، هو ما يجعل البعض يبالغ في دور اللوبي، لكن الخبرة التاريخية تشير إلى أن تضارب المصالح الاستراتيجية العليا ينتهي في القرار الأميركي لصالح أولوية المصالح الأميركية على الإسرائيلية.

وينتهي إلى أن غياب المقايضة العربية للولايات المتحدة بمصالحها الهائلة في العالم العربي يضمن لها مصالحها لدى العرب ولدى إسرائيل، مما يوسع هامش المناورة للوبي اليهودي، ومن الضروري للباحثين العرب العودة إلى المقايضة الصينية – الأميركية في علاقات واشنطن مع تايوان.

  • Social Links:

Leave a Reply