العرب اللندنية :
يعكس استهداف حافلة صينية في باكستان ومقتل 9 أشخاص من ركابها الأربعاء، حالة من تغير مزاج الحركات الجهادية في المنطقة تجاه الصين، فيما يرى مراقبون في الحادثة إشارات لبكين التي قد تكون على سلم أولويات الحركات الجهادية في المنطقة بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان المجاورة.
ورغم أن الحكومة الباكستانية حاولت توصيف الحادثة ضمن خانة “خلل تقني”، إلا أن تحذير سفارة الصين في إسلام أباد بقية العاملين في مشاريعها ومطالبة السلطات بتأمين أماكن استثماراتها يدحض الرواية الرسمية الباكستانية.
ودعا الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية جاو ليجيان إلى إنزال “عقاب شديد” بمنفذي “الهجوم” وإلى “ضمان أمن وسلامة المواطنين الصينيين والمؤسسات والمشاريع” الصينية في هذا البلد.
وجاء في بيان للسفارة الصينية في باكستان الأربعاء، “تعرض مشروع شركة صينية في باكستان لهجوم تسبب بمقتل مواطنين صينيين” داعية كل الشركات الصينية في البلاد إلى تعزيز الإجراءات الأمنية.
ولطالما شكّل أمن الموظفين الصينيين العاملين في مشاريع بنى تحتية مختلفة في باكستان مثل سد داسو على نهر السند الذي بدأ بناؤه في 2017 على أن يستمر لخمس سنوات، مصدر قلق لبكين التي استثمرت مليارات الدولارات في هذا البلد خلال السنوات الأخيرة.
وفي أبريل، تبنّت حركة طالبان باكستان هجومًا انتحاريًا على فندق فخم في كويتا (غرب)، عاصمة إقليم بلوشستان، كان يمكث فيه السفير الصيني الذي لم يُصب بجروح.
وتبنّت الحركة أيضًا مؤخرًا هجمات عدة على نطاق أصغر في المناطق القبلية الباكستانية على الحدود مع أفغانستان، لكن أيضًا في بعض المدن ومن بينها العاصمة إسلام أباد.ومنذ تحقيق طالبان أفغانستان مكاسب ميدانية متسارعة تمهد لسيطرتها على البلاد، توجد مؤشرات على أن متمردي طالبان الباكستانيين تجمّعوا في الأشهر الأخيرة على الحدود مع كابول، حيث يتبنّون بشكل متكرر مواجهات مسلّحة مع قوات الأمن الباكستانية.
ويرى مراقبون في ذلك مؤشرا على تنسيق بين الحركتين اللتين تتشاركان نفس الأيديولوجيا ونفس الأهداف.
والثلاثاء، سعت طالبان أفغانستان إلى طمأنة الصين بشأن استشماراتها في كابول، معربة عن “ترحيبها باستثمارات بكين في إعادة إعمار أفغانستان”، واصفة الصين بالدولة “الصديقة”.
وقال سهيل شاهين، المتحدث السياسي باسم طالبان، خلال مقابلة أجراها مع صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ” الصينية “إذا كان لدى الصين استثمارات في أفغانستان، فإننا نضمن سلامتهم بالطبع”، مضيفا “سلامتهم مهمة جدًا بالنسبة لنا”.
ومع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، قد ينظر إلى الصين على أنها القوة الاستعمارية الجديدة، ولو بأدوات ناعمة، التي يجب محاربتها، ما يجعلها على سلم أولويات الجهاديين ويطرح عليها تحديات كبيرة قد تدفعها إلى التدخل العسكري المباشر رغم أن هذا السيناريو يستبعده محللون، لكنه يظل مطروحا. وبالفعل، تعتبِر تنظيمات جهادية إقليمية عدة الصين عدوها، ومنها الحزب الإسلامي التركستاني، وحركة أوزبكستان الإسلامية، واتحاد الجهاد الإسلامي، وجماعة أنصارالله، وحركة طالبان باكستان، بالإضافة إلى ركوب جماعات إرهابية دولية قوية أيضًا، مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، الموجة المناهضة للصين أيضًا.
وتعتبر حركةُ طالبان الصينَ زعيمة نظام عالمي معادٍ للمسلمين. وأصدر تنظيم داعش، في مجلة النبأ، تعليمات لأتباعه بالاستعداد لحرب طويلة ضد الصين “الوثنية” التي تدعم الحكومات المحلية المستبدة.
وفي عام 2014، وصف زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي الصين بأنها واحدة من الدول التي تقمع المسلمين. وفي عام 2014 أيضًا، أعلنت مجلة (العودة) التي يصدرها تنظيم القاعدة أن الصين عدو، مشيرة إلى تمييزها ضد الأويغور في تركستان الشرقية. وفي عام 2015، وصف تنظيم القاعدة في الهند الصين بأنها “العدو العالمي للأمة”.
ومع تعزيز الصين نفوذها في المنطقة عبر مبادرة الحزام والطريق، يعتقد المحللون أنه سيكون هناك المزيد من الهجمات الإرهابية ضد بكين ومصالحها.
وهناك بالفعل تهديدات من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بمهاجمة العمال الصينيين في شمال أفريقيا، وهناك نشاط إرهابي متنامٍ يستهدف الاستثمارات الصينية في منطقة الساحل.
وتدل مبادرة الحزام والطريق الضخمة في الصين على طموح بكين لتوسيع قوتها ونفوذها. إنها دفعة على نطاق واسع لتعزيز الاتصال بين الصين وبقية العالم.
وتمثل هذه المبادرة رؤية الصين لطريق حرير جديد للقرن الحادي والعشرين وتتكون من شبكة واسعة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط أنابيب الطاقة والموانئ والمطارات ومحطات الطاقة وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية وغير ذلك الكثير. وتتألف مبادرة الحزام والطريق من الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري الذي يمتد عبر أراضي وسواحل العالم الإسلامي.
وتختلف المواقف تجاه الاستثمار الصيني والحزام والطريق حيث يرحب البعض بالمزايا الاقتصادية المحتملة وتطوير البنية التحتية، بينما يرى آخرون المبادرة على أنها توسعية وافتراس.
وتعتمد الصين في تأمين مبادرة الحزام والطريق بشكل مكثّف على القطاع الخاص. إذ تشير البيانات الصادرة في عام 2018، إلى أنه تم الاستعانة بقرابة 20 شركة أمن خاصة تضم 3200 موظف لحماية الاستثمارات.
وأشارت مؤسسة راند إلى أن العديد من هذه الشركات تفتقر إلى التدريب المهني والخبرة في مجال تدابير مكافحة الإرهاب. ولذلك، قد تلجأ الصين إلى دعم حكومات دول إسلامية لحل المشكلات مع المتطرفين.
وتوجد العديد من العوامل التي يمكن أن تزيد خطر الإرهاب ضد الصين أو تحدُّ منه، ولكن العامل الرئيس، المتمثل في نفوذها العالمي المتنامي، سيظل ثابتًا وستتعرض الصين حتمًا للخطر.
Social Links: