حمزة خضر_العربي الجديد
يستغل محتالون قلة خبرة مشتري العقارات في تركيا، وجهلهم بالقوانين المنظمة للتملك والأسعار العادلة، للنصب عليهم عبر وسائل احتيال متنوعة، يكشفها متخصصون لـ”العربي الجديد”، بالإضافة إلى تحديد خطوات الاستثمار الآمن.
– اشترى المستثمر السعودي بندر سعد في عام 2016 شقة في مرحلة التخطيط (ما قبل تشييد البناء)، ضمن مشروع AKS HALIC LIFE التابع لشركة إنشاءات تركية خاصة، بمدينة طرابزون الواقعة في الشمال الشرقي، في مقابل 55 ألف دولار دفعها نقداً، على أن يستلم وحدته العقارية في العام التالي.
انقضت المدة المتفق عليها مع الشركة، والمشروع ما زال على الورق، من دون بناء، كما يقول، مضيفا بغضب: “سافرت في عام 2018 إلى تركيا لاستلام شقتي واكتشفت أن المشروع لم ينفذ بعد”.
وقتها عرضت عليه الشركة تسليمه شقة في مشروع آخر على أن يدفع فارق السعر، لكنه رفض دفع أي مبلغ اضافي وإجراء تبديل لشقته بأخرى، لا تصلح للسكن وجودتها أقل، كما يصفها، بينما وافق المستثمر السوري شفيق الكناني على الانتقال إلى مشروع آخر تابع للشركة ذاتها، مع دفع فارق سعر بقيمة 30 ألف دولار، قائلا: “بعد قبولي للعرض ظهرت مشكلة بين شركة الإنشاءات AKS GRUP İNŞAAT ومستثمر مساهم، ووصل الأمر إلى القضاء وتم الحجز على أموال الشركة، ما دفعني و40 شخصاً آخرين إلى مقاضاتها، لكن لم يتم الفصل في الدعوى حتى الآن”.
بلغ عدد الوحدات السكنية المباعة لأجانب 268.487 عقاراً
ما عاناه سعد والكناني وآخرون يوثق التحقيق تجاربهم، يعد نوعا من طرق الاحتيال العقاري، ترجع أسبابها إلى استغلال قلة خبرة المشترين ومعرفتهم بثغرات التلاعب بسوق العقارات، والقوانين المنظمة للبيع والشراء، والأسعار العادلة، وهو ما يجري عبر عدة طرق، يكشفها متخصصون لـ”العربي الجديد”، بالإضافة إلى تحديد خطوات الاستثمار الآمن، في ظل الإقبال على السوق التركي، إذ بلغ عدد الوحدات السكنية المباعة لأجانب 268.487 عقارا، ويتملكها 293.202 شخص، بالإضافة إلى 32.264 قطعة أرض، وفق البيانات الحكومية المنشورة، حتى 6 يوليو/ تموز 2021، على موقع Your Key Turkey، التابع لوزارة البيئة والتخطيط العمراني.
فخاخ الشركات الوسيطة
وقع المستثمر الأردني خالد طحايني ضحية احتيال بعد شراء عقاره عبر شركة وسيطة، إذ تملك وحدة سكنية في مجمع بمنطقة بيليك دوزو (Beylikdüzü) الواقعة بضواحي إسطنبول الأوروبية، ودفع 100 ألف دولار أميركي، لكنه اكتشف أن سعر الشقة الحقيقي 70 ألف دولار، بعدما شاهد إعلانا عن بيع شقق في مبنى مجاور، ليكتشف أن وحداته أفضل وسعرها أقل، كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا أنه هاتف صاحب شقة بالمبنى المجاور، وعرف من خلال الحديث معه، بأن الشركة التي باعت له وحدته، تواصلت معه وعرضت توفير زبون عربي مع دفع مبلغ 100 ألف دولار، على أن يمنح المالك الشركة 30 ألف دولار، وهو ما سبق ووقع معه، الأمر الذي دفع طحايني للتقدم بشكوى ضد السمسار مالك الشركة الوسيطة لدى المدعي العام في حي بيوك شكمجة (Büyükçekmece) برقم (36337/2019).
تواصل معد التحقيق مع الشركة التي باعت طحايني وحدته، لمعرفة سبب فارق الأسعار الكبير، ورد عليه أحد العاملين، عرف نفسه باسم أحمد السوري (رفض الكشف عن اسمه الحقيقي)، قائلا لـ”العربي الجديد”: “طحايني دفع قيمة الشقة كاملة، والشكوى التي قدمها ضد الشركة سقطت لعدم وجود أي دليل يدينها”، وهو ما ينفيه طارق زيريك، محامي طحايني، قائلا لـ”العربي الجديد: “الشكوى ما زالت قائمة لدى المدعي العام”.
ولدى المحامي السوري مجد طباع، وهو صاحب مكتب محاماة في إسطنبول، وجهة نظر تقوم على خبرته في مثل هذه الشكاوى، كما يقول، إذ لا تتحمل الشركات الوسيطة مسؤولية قضائية في حال ثبت جهلها بعملية الاحتيال التي وقعت على المستثمر، موضحا أنه في حال ثبت تورطهم في الاحتيال يترتب عليهم ما يقع بحق شركة الإنشاءات من تبعات قانونية، والتي تنظمها المادة 157 من القانون الجنائي التركي رقم 5237 لسنة 2004، إذ تنص على أنه “من يخدع شخصا بأفعال احتيالية لنفسه أو لصالح غيره يعاقب بالسجن من سنة إلى 5 سنوات وغرامة قضائية تصل إلى خمسة آلاف يوم”، يتم احتساب اليوم الواحد بسعر ما بين 20 إلى 100 ليرة تركية (الدولار يساوي 8.60 ليرات) عن اليوم، وفق طباع، والذي تتفق معه في الرأي المحامية التركية شولي ساريلار، والتي تترافع عن أربعة ضحايا احتيال عقاري منذ عام 2019 ضمن عملها في شركة Sarilar şahinkaya للمحاماة.
وأشار كل من طباع وساريلار إلى أن الاحتيال العقاري يندرج كذلك ضمن قانون SPKn رقم 6362 الصادر عن مجلس أسواق رأس المال، وضمن الفقرة الأولى من المادة (107/1)، والفقرة الثانية (107/2)، إذ إن الأعمال التي تستند إلى معلومات قد تؤثر على أسعار وقيمة سوق رأس المال وقرارات المستثمرين تخضع لعقوبات جزائية.
قرر المستثمر السوري، بدر الدين السبسبي، استئجار مساحة تجارية في منطقة Bahçeşehir التابعة لإسطنبول مقابل ثمانية آلاف دولار شهرياً يدفعها لمجمع Crown Deluxe، وبالفعل تكلف 600 ألف دولار من أجل تأسيس معهد تعليم لغات، ومركز تجاري صغير، ومنحته إدارة المجمع أوراقا من البلدية سمحت له ببدء العمل إلى حين استخراج الرخص.
ولكن السبسبي اكتشف بعد دفع هذه المبالغ أن المساحة لم تكن ملكا للمجمع، بل تعود إلى مواطن تركي أتى مطالباً باستلامها عبر قرار من المحكمة، واستطاع وضع يده على نصف المركز التجاري. وتأكد السبسبي من خلال سجلات البلدية بأن هذه المحال لا تملك سند ملكية خاصاً بها، ولكن ملحقة بمكاتب مباعة ضمن المجمع، الأمر الذي يمنعه أيضاً من استصدار تراخيص المحال، بسبب كونها مستودعات تابعة لملاك المكاتب المباعة ضمن المجمع، وتملك كلها سند ملكية واحداً.
يصف بدر الدين ما هو فيه الآن بالدوامة، إذ إن المستثمر أقام دعوى ضده للحصول على الإيجارات السابقة التي سبق أن منحها لإدارة المجمع، ورفع قضية على إدارة المجمع كونها قامت بتأجير المساحة المحددة من دون علمه، والسبسبي قام بدوره برفع دعوة قضائية لدى المحكمة التنفيذية في Büyükçekmece تحمل رقم 2020//24819، يطالب باسترداد أمواله وتعويضه عن الخسائر.
يرى المسوق العقاري عصام طعمة، بعد خبرة على مدار سبع سنوات، أن السوق العقاري التركي يعاني من ضغوط اقتصادية بسبب التغير الدائم في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، ويؤكد أن بعض المشاكل تحدث بشكل غير متوقع، مثل أي مكان في العالم، ضاربا المثل بشراء زبون لشقة عبر الشركة التي يعمل بها في عام 2019، ودفع قيمتها كاملة، على أن تسلمه شركة الإنشاءات سند التمليك بعد ثلاثة أشهر، ومع اقتراب وقت التسليم وضع البنك يده على الشقة بسبب قرض استحق دفعه على شركة الإنشاءات، وتابع :”بعض المستثمرين يقعون في الاحتيال كونهم لا يبحثون جيدا وهذه مسؤولية أساسية وهامة”.
ويشكل تأثير تراجع سعر الليرة مقابل الدولار، عامل ضغط على سوق العقارات، بحسب أحمد سلامة، أحد مؤسسي وملّاك شركة Fatih Grup الخاصة بالإنشاءات والتطوير العقاري، لافتاً إلى أن أبرز ما ترتب على ذلك هو رفع الأسعار، ويقول لـ”العربي الجديد” إن سعر الحديد ارتفع 30%، والأسمنت 35%، بينما باقي الخامات من الأخشاب والنوافذ والتمديدات الصحية وما شابه 50% منذ بداية العام الجاري 2021.
وتعتمد شركات الإنشاءات على القروض العقارية المقدمة من البنوك بضمان أرضية المشروع أو رخصة الإنشاءات، إذ تمول البنوك 60% من قيمة المشروع، مع فوائد عالية ومركبة على مدار سنوات المشروع، وفق سلامة، مؤكدا أن الشركات تحصل على تلك الأموال وتبدأ بالبناء وبيع المنازل على المخططات لدفع القروض إلى البنك، وتابع مضيفا لـ”العربي الجديد”:” يمكن أن ترى أن الأمر طبيعي، ولكن خلال فترة البناء تزيد تكلفة الإكساء (التشطيب) والمواد الخام”.
ما يجب على المستثمر الحذر منه
يعد البيع المتكرر لعقار واحد لأكثر من شخص من أخطر أنواع الاحتيال العقاري، حسب تأكيد فاتح إرجوفين، رئيس مجلس إدارة شركة Inhouse Global (خاصة تقدم استشارات عقارية)، والذي يشرح هذا النوع، قائلا: “تقوم بعض الشركات ببيع العقار لزبون، ومن ثم تقوم ببيعه مرة ثانية إلى زبون آخر لعدم تسجيل العقار لدى كاتب العدل Noter (جهة معتمدة مهمتها تصديق الوثائق)”.
بالإضافة إلى ما سبق، يقوم البعض بإضافة مساحة مواقف السيارات والمصاعد والمسابح والأراضي الخضراء إلى إجمالي مساحة الوحدات العقارية، على سبيل المثال قد يتم بيع شقة على أساس أنها 200 متر مربع، وعندما يذهب المشتري لمعاينة الوحدة يجدها أصغر من ذلك بكثير، في حين أنه بحسب القانون، كما يضيف إرجوفين “يجب ألا تتجاوز الاختلافات بين المساحة الفعلية والمعروضة للبيع ما بين 15% و20%”.
ومن صور الاحتيال الأخرى عدم حصول المستثمرين على سندات ملكية، كما وقع مع الجزائري محمد بن عيسى، الذي اشترى شقة من شركة عقارية يملكها المستثمر إيمري يلماز في إسطنبول عام 2016 بمبلغ 70 ألف يورو، دون حصوله على سند ملكية، ويقول: “بعد شراء الشقة، وقع انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016 الفاشل، لذا أخبرني يلماز بأنه لا يستطيع استخراج سند الملكية بسبب الأوضاع الراهنة”.
بقي محمد على تواصل دائم مع يلماز يطالبه بتثبيت ملكية الشقة، إلا أنه دائماً ما كان يتذرع بالتخبط الذي تعيشه البلاد، ما دفع محمد ليطلب من صديق تركي أن يتصل به مع تسجيل المكالمة، (حصل معد التحقيق على التسجيل)، إذ دافع يلماز عن موقفه بالقول: “محمد دفع مبلغ 50 ألف ليرة تركية كعربون للشقة، على أن يدفع كامل المبلغ خلال 15 يوما، لكنه دفع المبلغ على أقساط، وهذا مخالف للاتفاق”.
وأضاف يلماز: “في تلك الأثناء احتجت لبعض المال، ومحمد أخل بالعقد الموقع بيننا من حيث طريقة دفع المبالغ المستحقة عليه، ومع ذلك قمت بحماية أمواله ولم ألغ عقد البيع، ولكن قمت بسحب قرض، راهناً الشقة للبنك، إذ كنت أعيش في أزمة مالية”.
لاحقا أغلق يلماز هاتفه وغيّر عنوان مكتبه العقاري، حسبما يقول بن عيسى، الذي تقدم بشكوى لدى المدعي العام بمنطقة بيليك دوزو في عام 2017، وفق تأكيده.
يشرح محمود العثمان، المتخصص بالتسويق في شركة Gül İnşaat، الفرق بين أنواع سند الملكية، موضحا أن الأول “Kat Ittifak” والذي يصدر بعد استخراج رخصة البناء، يحمل تفصيلات البناء، لكن لا يتضمن تفاصيل الإكساء، لذا عند توقف عملية التشطيب لا يمكن للمستثمر أن يطالب الشركة باستكمالها.
وينصح العثمان بأن يتعامل المستثمر مع شركات موثوقة، أو شراء العقارات ذات سند الملكية “kat mülkiyeti”، ويضيف “يتوجب على المستثمر تسجيل عقد الشراء لدى كاتب العدل Noter منعاً لأي عمليات بيع متكررة”. وهو ما يؤيده المحامي طباع، موضحا أن سبب تزايد عمليات الاحتيال العقاري يعود إلى جهل المستثمرين بالقوانين التركية، مؤكدا أن بعض الشركات تضع ثغرات في العقود، وهو ما يتطلب مواجهتها عبر المترجم المحلف قبل عملية التصديق عليها. قائلا: “على المستثمر الاستعانة بمحامين مختصين في شؤون الاستثمار العقاري، بالإضافة إلى مترجم محلف”.
توافقه المحامية ساريلار، وتضيف في إفادتها لـ”العربي الجديد”: “يجب على المستثمر الحصول على تقرير تقييم عقاري Değerleme Raporu من مكاتب تابعة لدائرة الطابو العامة في كل ولاية تركية، لمعرفة سعر العقار قبل شرائه”.
“ولا يعترف القانون بعمليات البيع غير المصدقة عبر كاتب العدل، ويعتبر ذلك عقدًا أوليًا من الناحية القانونية، ويجب أن يتم العقد الرئيسي (معاملة البيع) لنقل ملكية العقار في مكتب مديرية السجل العقاري”، وفقا لرد مكتوب من مديرية الطابو العامة، تلقته “العربي الجديد”، والتي تؤكد على أن عمليات البيع والشراء الخاصة بالأجانب لا يمكن أن تتم دون الحصول على تقرير التقييم العقاري الصادر قراره في الرابع من مارس/ آذار 2019، والذي يمنع المبالغة في الأسعار، وصدر قرار العمل به لتقليل شكاوى المستثمرين.
تراجع الليرة أمام الدولار رفع أسعار مواد البناء بشكل كبير
وفي يونيو/ حزيران 2019 أطلقت الحكومة التركية بوابة Your Key Turkey لخدمة المستثمرين العقاريين، ويمكن عبرها التأكد من طرق تملك العقارات بشكل آمن، إذ يمكن الوصول إلى المعلومات المكانية من خلال نظام الاستعلام عن الأرض، ومعلومات حول المنطقة التي سيتم الاستثمار فيها، مع إمكانية طرح الأسئلة والمشاكل عند الضرورة عن طريق قسم التواصل، بحسب رد دائرة الطابو، والذي لفت إلى أن البوابة مدعومة بعدة لغات، منها العربية، لتسهيل وصول المعلومة إلى المستثمر ومنع وقوع ضحايا للمعلومات الزائفة والاحتيال.
Social Links: