مأمون وأحمد ومحمد ليسوا وحدهم ضحايا العنصرية التركية تجاه السوريين!

مأمون وأحمد ومحمد ليسوا وحدهم ضحايا العنصرية التركية تجاه السوريين!

مها غزال – درج:

من الجاني الحقيقي في هذه الحادثة، هل هو الرجل التركي الذي أضرم النار بالمنزل فقط، أم أن هناك جناة آخرين ساهموا في تعزيز الكراهية داخل الرجل التركي، عبر بث خطاب عنصري مقيت لتحقيق أهداف سياسية؟

بصمت، وبلا شجار مسبق أو مشاحنات أو نقاش حاد، خرج رجل تركي من منزله فجر 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، متوجهاً نحو غرفة يسكن فيها ثلاثة شبان سوريين يعملون في ورشة لصناعة الحجر الخاص بالأرصفة، سكب مادة البنزين على جدران الغرفة ثم أضرم فيها النار ليلقى الشبان الثلاثة حتفهم بصمت.

ظل الصمت يلف قضية مقتل كل من مأمون النبهان (23 سنة)، وأحمد العلي (21 سنة)، ومحمد البش (17 سنة)، في منطقة غوزيل باهشي التابعة لولاية إزمير التركية، حتى قرر أحمد النبهان وهو شقيق أحد الشبان، الكشف عن تفاصيل الحادثة خلال رحلة بحثه عن محام يتولى القضية، ووصل الى المركز الخاص بالدفاع عن حقوق اللاجئين والذي إطلاقه في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2021، ويشرف عليه أعضاء في نقابة المحامين الأتراك في إسطنبول ونشطاء حقوقيون سوريون.

بحسب بيان المركز الذي تولى القضية، خرج الشبان من الغرفة والنيران تلتهم أجسادهم، وحين علم صاحب الورشة بالأمر، اتصل بفرق الإطفاء والإسعاف والشرطة، لنقل الشبان إلى مستشفيات ازمير، فيما نظمت فرق الإطفاء والشرطة تقريراً قالت فيه إن الحادثة وقعت بفعل ماس كهربائي من المدفئة الكهربائية الموجودة في الغرفة.

بلا شك إن الخطاب السياسي ضد اللاجئين في تركيا وخصوصاً السوريين، هو المسؤول عن معظم أعمال العنف والجرائم التي تفرزها حالة الكراهية والتحريض.

لم يتمكن الأطباء من إنقاذ أي من الشبان، في حين قدم مواطن تركي يقيم في المنطقة شهادته لصاحب الورشة، مؤكداً أن الحادثة لم تكن بفعل ماس كهربائي إنما بفعل فاعل، لأن المجرم أخبره في تلك الليلة بأنه سيقوم بإحراق الغرفة وقتل الشبان فيها.

طالب صاحب الورشة بإعادة فتح التحقيق بالحادثة، وبالفعل تمت إعادة النظر بالتقييم وارسال لجنة للنظر بالموضوع، ليؤكد التقرير الثاني أن الحادثة لم تكن بسبب ماس كهربائي، بل كانت مفتعلة، لكن الشرطة لم تتخذ أي إجراء بحق الجاني الذي اعتدى على زوجين تركيين وقام بطعن المرأة بعد أيام، فتم توقيفه على إثر تلك الحادثة وأثناء التحقيق معه اعترف بجريمة إحراق الشبان السوريين.

تطرح أسئلة في سياق الحديث عن هذه الجريمة المروعة، هل كان خطأ التقرير الأول الذي يبين سبب الحادثة طبيعياً؟ هل كان هذا الخطأ سيحصل لو لم يكن الضحايا لاجئين سوريين؟ أم أن هناك إهمالاً متعمداً بالقضايا التي تمس اللاجئين؟

برغم إلقاء القبض على الجاني، لم تهتم وسائل الإعلام التركية أو العربية بالحديث عن الحادثة المروعة التي وقعت قبل شهر وظلت طي الكتمان، مع أن وسائل الإعلام تلك لم تكن تفوت فرصة لتصيد أخطاء أي من اللاجئين السوريين في أي مدينة أو قرية تركية، لا سيما إزمير، حيث ضج الإعلام التركي بما حدث بين لاجئ سوري مقيم في منطقة توربالي في إزمير وثلاثة مواطنين أتراك مخمورين خلال عودته إلى منزله، منتصف ليل 30 أيلول/ ديسمبر الفائت.

تطوّرت الملاسنة إلى شجار وعراك نتجت عنه إصابة مواطن تركي بطعنات بسكّين في صدره، أدّت إلى وفاته رغم إسعافه إلى المستشفى، كما أُصيب الشاب السوري بطعنات في يده اليسرى واعتُقل خلال مدة قصيرة.

حينها ورداً على هذه الحادثة هاجم مواطنون أتراك محالاً وممتلكات عائدة لسوريين في مدينة إزمير، وذكرت صحيفة Sozcu التركية أن قرابة 150 مواطناً تركياً توجهوا إلى منطقة توربالي التي شهدت مقتل الشاب التركي، وهاجموا منازل سوريين بالحجارة وأحرقوا سياراتهم.

الحادثة التي كان ضحيتها مواطن تركي شغلت الإعلام التركي والعربي في تركيا لأيام طويلة، بينما لم يتحدث أحد عن مقتل الشبان السوريين برغم أن الجاني نفّذ بجريمته بدوافع عنصرية بحتة، بحسب ما صرح أحمد النبهان الذي أكد أن أحد المواطنين الأتراك تقدم بإفادته إلى عناصر الشرطة وبيّن أن الجاني قبل ساعات من الواقعة قال له سأذهب وأحرق هؤلاء السوريين، وعلى إثر تلك الشهادة تم توقيف الجاني بعد ساعات من الواقعة.

ولكن من الجاني الحقيقي في هذه الحادثة، هل هو الرجل التركي الذي أضرم النار بالمنزل فقط، أم أن هناك جناة آخرين ساهموا في تعزيز الكراهية داخل الرجل التركي، عبر بث خطاب عنصري مقيت لتحقيق أهداف سياسية؟

بلا شك إن الخطاب السياسي ضد اللاجئين في تركيا وخصوصاً السوريين، هو المسؤول عن معظم أعمال العنف والجرائم التي تفرزها حالة الكراهية والتحريض، كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما “تويتر”، دوراً كبيراً في دعم تلك الخطابات التحريضية، وذلك عبر أكاذيب تنشرها أطراف وتتلقفها عشرات الحسابات، تتهم السوريين وتلفق حولهم الإشاعات.

بعدما روجت العضوة في الحزب “الجيد” التركي إيلاي أكسوي، لحملتها الانتخابية لرئاسة بلدية إسطنبول من خلال وعود أطلقتها بعدم تسليم منطقة الفاتح في إسطنبول للسوريين وطردهم منها، كرست حسابها في “تويتر” لمشاركة أخبار تتعلق بسوريين موجودين في تركيا، منها أخبار غير دقيقة وتحرض على الكراهية ضد السوريين.

ويعمل النائب المعارض أوميت أوزداغ على الترويج لأكاذيب وإشاعات حول السوريين في تركيا، في ما يتعلق بتلقي السوريين رواتب شهرية من الحكومة التركية والبلديات، في حين يتفاخر رئيس بلدية بولو تانجو أوزكان من “حزب الشعب الجمهوري”، بتصريحاته التي توعد فيها برفع فاتورة المياه 10 أضعاف للأجانب المقيمين هناك، ما ساهم في تأجيج الكراهية نحو الأجانب واللاجئين في بولو.
لم يكن زعماء الأحزاب بعيدين من خطاب الكراهية، إذ كثف زعيم “حزب الشعب الجمهوري” المعارض كمال كليجدار أوغلو، وزعيمة حزب “الجيد” المعارض ميرال أكشنار، حملتهما ضد اللاجئين وخصوصاً السوريين، في كل منافسة انتخابية، ما ساهم في تأجيج الوضع.
تنص المادة العاشرة من الدستور التركي على أن الجميع سواسية أمام القانون، من دون أي تمييز على أساس اللغة، أو العرق أو اللون أو الجنس، أو الفكر السياسي أو المعتقد الفلسفي أو الدين أو المذهب أو أسباب مماثلة، ويُعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات من حرض علانية شريحة من السكان ذات خصائص مختلفة، من حيث الطبقة الاجتماعية أو العرق أو الدين أو المذهب أو المنطقة، على الكراهية والعداوة ضد شريحة أخرى من السكان، ما يهدد بواضح ووشيك على السلامة العامة، بحسب المادة 216 من قانون العقوبات التركي.

كما يعاقب أي شخص يهين علناً جزءاً من السكان على أساس الطبقة الاجتماعية، أو العرق أو الدين أو الطائفة أو الجنس أو الاختلافات الإقليمية، بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنة واحدة.

إذاً، القانون واضح بشأن خطاب الكراهية، لكنه لم يطاول أياً من وسائل الاعلام أو السياسيين أو المروجين لهذا الخطاب، لأنه بات يستخدم لزيادة الاستقطاب السياسي في البلاد، بما يخدم كل الأطراف في تركيا بما فيها الحزب الحاكم، الذي استثمر في وجود اللاجئين السوريين، على المستويين الداخلي والخارجي طوال العقد الفائت.

 

هل وجود السوريين في تركيا مرتبط بوجود الرئيس التركي في سدة الحكم؟
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في تصريحات أدلى بها خلال لقاء مع شباب أفارقة في مكتبة الأمة في العاصمة أنقرة، على هامش القمة الثالثة للشراكة التركية -الأفريقية، “المعارضة تقول بأنها عندما تصل إلى السلطة سترسل السوريين إلى بلادهم. وأنا أقول لهم لا أحد يستطيع إرسال السوريين إلى أي مكان وأنا موجود”.

يحظر مبدأ عدم الإعادة القسرية نقلَ شخص من سلطة إلى أخرى، في حال وجود أسباب وجيهة تدعو إلى الاعتقاد بأن الشخص سيواجه خطر التعرض لانتهاك بعض حقوقه الأساسية. وهذا المبدأ معترف به بخاصة عندما يكون هناك احتمال لوقوع خطر التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، أو الحرمان التعسفي من الحياة، أو الاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتساب إلى فئة اجتماعية معينة أو اعتناق رأي سياسي، وإن كان يشمل عدداً من الأسباب الأخرى التي تحدد بحسب المعاهدات التي صدقت عليها الدول المعنية.

ومبدأ عدم الإعادة القسرية منصوص عليه صراحة في أحكام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي للاجئين، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإن ورد بنطاقات مختلفة وشروط مختلفة للتطبيق في كل فرع من فروع القانون المذكورة. وترى اللجنة الدولية أن جوهر مبدأ عدم الإعادة القسرية اكتسب أيضاً صفة أحكام القانون الدولي العرفي.

ولكن تصر الحكومة التركية على التعامل مع اللاجئين السوريين بصفتهم ضيوفاً، وتحرص على بقائهم تحت ما يسمى الحماية الموقتة، وترفض التعامل معهم بوصفهم لاجئين لأن هذه الصفة ستضمن للسوريين تلقي الخدمات كحق لا كمكرمة، إضافة إلى أنها ستمنحهم حقوق التجوال الحر في البلد والسفر خارجه. وسيضمن هذا الاعتراف تحقيق سياسات اندماج فعالة مع المجتمع المضيف.

  • Social Links:

Leave a Reply