لقاء مع الدكتور خالد مسالمة
تتشرف جريدة الرافد اليوم إجراء حديث مع الأكاديمي السوري الدكتور خالد المسالمة. الدكتور خالد المسالمة سوري من درعا استاذ في العلاقات الدولية ومختص بالشأن الإيراني. وقد إنحاز لشعبه السوري منذ أول صيحة هتفها شباب وأطفال حوران. ومواقفه صلبة بإتجاه الثورة السورية. واليوم يحل على صحيفة الرافد صحيفة حزب اليسار الديمقراطي السوري ضيفا” عزيزا” ونجري معه حوارا” شفافا وصريحا حول الشأن الإيراني.
الرافد: ما هو سر العداء الإيراني للدول العربية، هل يمكنك أن تؤول هذا العداء على أساس قومي ( فارسي – عربي) أم على أساس مذهبي ( سني – شيعي).
د.خالد المسالمة: الواقع للاجابة على هذا السؤال وجب القول أن دوافع واصول العداء الفارسي للدول وللشعوب العربية هو مركب، وربما امكانية إجماله بثلاثة أبعاد. فهي سياسية تتجلى في الرغبة في التوسع على حساب الآخرين، وهناك بُعدٌ قومي فارسي معادي لشعب الشرق ، وخاصة العرب منهم، وومن ثم بُعدٌ مذهبي ديني، والذي يستخدم كأداة للبعدين المذكورين التوسعي والقومي، لذلك يمكننا القول بأن هذا العداء هو تاريخي يعود إلى حقب سبقت نشاة الدين الاسلامي بقرون طويلة ، وربما منذ نشاة الدولة الفارسية الاولى التي قامت على إحتلال مدينة بابل عاصمة الامبرطورية البابلية عام 534 قبل الميلاد. وهذا يعتبر ابتداءً لمسلسل التوسع والغزو الفارسي إلى المناطق والدول الواقعة إلى الغرب من جبال زاغروس، بدءً من أرض الاحواز والعراق، وصولاً حتى لمصر في بعض الحقب التاريخية. وإن سياسة التوسع الفارسية وما تنتجه من عداء لشعوب المنطقة، قد ترسخت ثقافة الشوفينية القومية الفارسية في الاوساط الفارسية خلال تلك القرون السالفة، وللأسف لا تزال تلك الثقافة سائدة لغاية الآن. وكان العداء موجه في الاساس لاغلب شعوب الشرق، وخاصة العربية قبيل إنتشار الاسلام، ولكن بعد إنتشار الإسلام تركز هذا العداء للشعوب العربية التي حملت لواء الإسلام، وقد ساهم سدنة بيت النار في الديانة الزردشتية في تأجيج هذا العداء للشعوب العربية لدى النخب الفارسية، وقد نتج عن ذلك ظهور حركات شعوبية في بداية العصر العباسي الاول، والذي كان نواتها الاساسية عناصر فارسية ، وتقودها عائلة البرمكة (خالد ويحى برمك ) في القصر العباسي، مما تسبب في مذبحة البرامكة على يد هارون الرشيد في حينه. بعدها لجأ الفرس لخطة خبيثة وهو تحويل الخلاف السياسي بين معاوية والحسين إلى اختلاف مذهبي بعد أن تم إسقاط الكثير من التعاليم والمبادئ الدينية الزردشتية على هذا الخلاف وبذلك تم صبغ المذهب الشيعي (الذي كما قلنا بأنه بالأصل خلاف سياسي) بصبغة فارسية وتحويل المذهب الشيعي على يد كتاب ومنظرين جميعهم من الفرس والذين يناصبون العرب المسلمين العداء ليصبح مذهباً دينياً متناحراً ومتناقضاً مع بقية المجتمعات الإسلامية الأخرى، وبذلك أصبح المذهب الشيعي الاثنا عشري مادة للخلاف والصراع بين المسلمين إلى يومنا هذا. واصبح قادر على تعبئة جزء المجتمعات الشيعية العربية لصالح المشروع التوسعي القومي الايراني، كما هو الحال في لبنان واليمين وسوريا والعراق.
الرافد:نحن نعرف بأن إيران محتلة لأراضي عربية منذ عام ١٩٢٥ ( احتلال الأحواز) وعام ١٩٧١ ( إحتلال الجزر الإماراتية الثلاثة) والسؤال هو لماذا لم تعتبر إيران عدوة للشعوب العربية تماما” كما اعتبرت إسرائيل.
د.خالد المسالمة :نظراً لطبيعة نشأة الدول العربية، وإنشغال القوى السياسية والتي تسلمت مقاليد القيادة بها بعد فترات إستقلال هذه الدول عن الاستعمار الغربي المباشر ، حيث كان هناك غياب كامل عن دور إيران العدواني والتوسعي على حساب الشعوب العربية، والذي بدا في إحتلال إمارات الاحواز على الساحل الشرقي للخليج العربي بتواطؤ مباشر من قبل بريطانيا. عندها كانت الحكومات العربية مشغولة في الدفاع عن أنظمتها ومحابة منافسيها في الاوساط الشعبية وأعدائها في الدول العربية الاخرى المجاورة، وكثير من بعض هذه الأنظمة تحالفت مع شاه إيران ضد الدول العربية الاخرىـ أو ضد القوى السياسية المنافسة لنظام الحُكم وعلى سبيل المثال فقد دخل حوالي 15 ألف جندي إيراني إلى عمان بطلب من السلطان قابوس لمحاربة الحركة الشعبية في مسقط وعُمان وحماية حكمه من الانهيار والهزيمة. يضاف إلى ذلك عامل أراه جداً مهم، وهو تأسيس حركة سياسية دينية عرفت بحركة الاخوان المسلمين عام 1928 ، حيث كانت تلك الحركة تعتقد وتنشر في صفوف أعضائها وأنصارها والاوساط الشعبية بأن إيران هي دولة إسلامية ، وحتى ولو إختلفنا معهم مذهبيا، سيبقى الفرس وإيران دولة وشعب جزء من دولة الخلافة المنشودة ولا يجوز عدائها أبدأً. هذا التضليل الذي مارسته جماعة الأخوان المسلمين أدى لغياب الوعي عن الدور الإيران وثقافتة التوسعية العدوانية، ولا زالت جماعة الأخوان المسلمين تمارس نفس سياسة التضليل وانضم إليها بعض التيارات السياسية الأخرى ولكن تبقى تلك السياسة التضليلية ماركة مسجلة باسم التيارات الإسلامية وعلى رأسها حركة الأخوان المسلمين.وهذا الأمر إلى تحييد قطاعات واسعة من الشعوب العربية، وتمهيد الطريق إلى لبعض القوى الدينية والقومية واليسارية الانتهازية والوصولية للتحالف مع إيران ولعب دول الخنجر المسوم في خاصرة الشعوب العربية، وحصان طروادة في المجتمعات العربية. لكن الثورات العربية، وخاصة الثورة السورية العظيمة كشفت بشكل تام دور إيران العدواني التوسعي في المنطقة ، وبينت خطورة العدو الايراني وخطورته على تمزيق المجتمعات على إسس عرقية ودينية وطائفية ، وحقيقة تدمير المدن والدول العربية على رؤوس ساكنيها.
الرافد : سياق السؤال الأول هل تعتبر الخطر الإيراني أشد من الخطر الصهيوني ولماذا ؟
د.خالد المسالمة: نعم… الخطر الايراني على المنطقة يُعتبر- وكما كان عبر التاريخ – أخطر بكثير من الخطر الصهيوني ، وأخطر حتى من القوى الاستعمارية الغربية الكلاسيكية، والسبب أن العداء الايراني كما أوضحنا في السؤال السابق ،مركب ويستند إلى عدة ركائز، تاريخية وجغرافية ومذهبية ودينة ، وقد أضاف العدو الايراني لمحصلته العدوانية عاملاً هاماً وهو السيطرة على سورية وعلى نظامها السياسي منذ عام 1982 وحتى هذه اللحظة، وأصبحت سوريا حجر الرَحى في سياسية إيران التوسعية والتخريبية والانتشار في المنطقة، فحزب الله تم تاسيسه في سورية عام 1982 عبر السفير الايراني في سوريا. وقد إضيف إلى هذه الركائز التوسعية حكام إيران إدعائهم المزيف بمحاربة إسرائيل والصهيونية، مما سمح لهذا العدو إلى إختراق المجتمعات العربية بشكل كبير وخطير. وخاصة أن ملالي طهران كسبوا غطاءً من بعض القوى الفلسطينة، كحركة حماس والجهاد الاسلامي وأحد جبريل وبعض القيادات في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكذلك بعض القوى القومية، كالناصريين في مصر، وفي بعض الاقطار العربية الاخرى ، بالإضافة لتحالف قوى الاسلام السياسي المتطرف ، كالقاعدة وداعش والنصرة وغيرها من تلك الحركات، بالاضافة إلى تحالف حركة الاخوان المسلمين العالمية مع إيران بشكل سافر. وإيران نجحت بعد وصول جماعة الخميني إلى السلطة في إيران عام 1979 بتجنيد عدد كبير من أبناء الشيعة العرب لصالح المشروع التوسعي الايراني التخريبي العدواني. وهذه الحقائق لا تمتلكها إسرائيل والعدو الصهيوني، ولا تمتلكها أي قوة أو طرف أخر في العالم يعادي الدول المجتمعات العربية. ولهذا فإن إيران والعدو الايراني يعتبر من أخطر أعداء شعوب المنطقة على الاطلاق، ولا بد من حشد الجهود لايقاف هذا العدو ودحره عن المنطقة بكل السبل المتاحة.
يستكمل الحوار في العدد القادم من صحيفة الرافد
Social Links: