زكي الدروبي
تدفع الحرب الأوكرانية العالم للاصطفاف بين أمريكا وبين روسيا، بين قيم الحرية والديمقراطية التي يمثلها الغرب وبين قيم الاستبداد والمافيوية التي يمثلها النظام الروسي ومن وراءه الدول التي تدور في فلكه، ولازال هناك عدد من الدول تبحث عن مكان محايد لنفسها قد يكون أقرب إلى روسيا، بسبب تجارب سيئة سابقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن صديقا صدوقا لهم كالسعودية والإمارات، بل خذلتهم في أكثر من موضع وهناك توتر بالعلاقة بينهما، لهذا رأينا محاولاتها التمرد على الرغبة الأمريكية برفع إنتاج النفط لخفض أسعاره، ولم تشارك بالحصار على روسيا، وبعضهم حاول التلاعب فدفع ثمنها “منصبه” كما حدث مع رئيس الوزراء الباكستاني الذي سافر إلى روسيا بعد حربها على أوكرانيا، مما يفسر بأنه دعم للموقف الروسي ضد الغرب، ولم ينبس بكلمة واحدة بإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا.
كل ما حدث ويحدث في أوكرانيا حتى اليوم لم يرفع من مكانة روسيا كعدو خطير بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، بل اعتبرته حسبما رشح عن تقريرها الاستراتيجي الجاري إعداده بأنه تحدي قصير المدى، وركزت كل جهودها على الصين وعملت على تقليل المصاريف التشغيلية وتركيز قوتها لمواجهة الصين، مما دفعها لسحب قواتها المنتشرة هنا وهناك وكان آخرها في أفغانستان، حتى أنها لم ترسل سوى 500 جندي أمريكي لبولندا، ودفعت أوروبا لزيادة الاعتماد على نفسها في حماية أمنها، حتى أن ألمانيا التي كانت مسالمة بعد الحرب العالمية الثانية إلى حدٍّ كبير، بدأت في الاستدارة نحو القوة الخشنة، وزادت من ميزانيتها العسكرية، لا بل دعت إلى تصنيع أوروبي للأسلحة الثقيلة كالدبابات والطائرات.
ما سبق قوله يوضح أن أمريكا وفي ظل إعادة تموضعها الاستراتيجي، ستترك منطقتنا للقوى الإقليمية؛ مثل إيران وإسرائيل وتركيا كي تديرها، وفي ظل الصراع التاريخي على النفوذ في المنطقة، سنكون كسوريين ضحية هذا الصراع الذي لن ينتهي في المدى المنظور وستزداد حدة الصراع وتتعقد القضية أكثر مما يؤدي إلى مزيد من الضحايا.
بالتوازي مع هذا الصراع، وفي ظل التراجع الاقتصادي للقوى المنتجة التقليدية، سيزداد نفوذ احتكارات السلاح واليمين الفاشي والشعبوية، مما يؤدي لأزمات أكبر، حتى أوروبا نفسها لن تكون بمنأى عنها في ظل أزمة اللاجئين الأوكران، وسيعود التنمر والانقسامات ليس على أساس أوروبي متحضر وغير أوروبي متخلف، أو مسيحي يهودي راقي ومسلم إرهابي متخلف، بل ستكون بين الأوروبيين أنفسهم.
في هذا الجو هناك ضرورة لزيادة قوتنا كيسار وطني ديمقراطي لنكون الضامن لشعوب المنطقة ولننشر السلام والعدالة الاجتماعية وأن نرفع أصواتنا عالياً تجاه قوى اليمين الفاشي والشعبوية، وهذا يتطلب منا مزيداً من زيادة عدد التنظيم وتثقيف الكوادر وأعضاء الحزب ونشاط متزايد بين صفوف الجماهير للتحذير من النزعة الشعبوية، ويتطلب أيضاً ترسيخ علاقات مميزة مع اليسار الديمقراطي في العالم، وخصوصاً في تركيا وأوروبا.
Social Links: