الصاروخ وابو عدنان

الصاروخ وابو عدنان

عمران كيالي

— تفضل يا أبو عدنان، هاي هيكل غسالة و هاي لوح خشب عريض و هاي سياخ شوي من تعفيشة مبارح .– شكرا أبو غضب، شقد بدك حقن ؟– له يا رجل، ما بدي شي، سلامتك بس …. دمر الصاروخ داره العربي التي ورثها عن والده، و التي اقتطع من كتفها دكانا صغيرا يبيع فيه لحم الخاروف، و من عائدات هذا الدكان كان ينفق على مديحة و أولاده الأربعة، و كان يرسل أحيانا بعض المال لأخيه الأصغر الذي يدرس في بلاد برا …. عدنان، ابنه البكر، لا يتجاوز الثانية عشر، يذهب إلى مدرسة إبتدائية قرب جبانة الصالحين مع إخوته، عدا حمودة الصغير الذي عمره ثلاث سنوات فقط …. أغلق الباب الخشبي القديم وراءه، صعد الدرجات السبع، مخلفا في المنزل زوجته و الأولاد، ثم مر على الفرن و استلم منه خمس ربطات من الخبز، كان الصانع قد جهزها له مسبقا، ثم مر على اللحام و استلم منه كيسين أحدهما أسود و الثاني زهري اللون …. ذات يوم، من عشر سنين، سألته مديحة : ليش ما بتلبس كلابية متل رجال الحارة ؟ فأجابها : بكرا رح يرجع رضوان من بلاد برا و معو شهادة هالقد، و بدك ياني ألبس كلابية !… صحيح أنا تركت المدرسة من الصف السابع منشان أساعد أبوي بالزريقة، بس أنا بحب العلم و الدراسة …. في الساعة التاسعة صباحا تقريبا، وصل يحيى إلى مثلث مقبرة هنانو، و اقترب من سورها، وتحت شجرة كبيرة فرشت ظلها على الرصيف، فك الجنزير الذي يربط فيه هيكل الغسالة المليءبالثقوب بفعل الرصاص، ثم دخل إلى حديقة المقبرة الصغيرة و جلب اللوح الخشبي العريض، وضع اللوح الخشبي على الهيكل بعد أن أخرج من قلبه تنكة أكلها الصدأ و مطعوجة في أماكن كثيرة، وضع المنقل و السياخ على التنكة، ثم وضع الفحم في المنقل و بدأ بإشعاله …. في إحدى المرات، سأله زبون : هل صحيح أنو بيتك بالفردوس راح بالصاروخ ؟ أجاب يحيى بحسرة : إي و الله يا أبو الشباب، دار عربي 200 متر و شجرتين عنب كبار و الدكان، راح كلشي بلمح البصر، منيح أنو ما كنا بالبيت، الله ستر . يقول الزبون : الله ستر، إي الحمد لله على سلامتكم، و هلق فين ساكن ؟ أجاب يحيى : و الله يا خيو، المرا باعت سنارتا، حتى قدرنا نستأجر قبو بالمشارقة، قريب من سوق الحرامية . قال الزبون : إي بس المشارقة كمان حارة خطرة . قال يحيى : مظبوط، بس شو بدنا نعمل، نقضي كل حياتنا عم نهرب من قرنة لقرنة يعني … بدك أحطلك حد ع الصندويشة ؟ الزبون : لا، لا، بلا حد، الدكتور منعني عن الحد و التوابل، منشان الكولون . يحيى : و السماق ؟ الزبون : إي، السماق معلش …. يلف يحيى الصندويشة و يقدمها للزبون …. يبيع يحيى صندويشة الفشافيش (3 سياخ مع البيواظ و السماق) بمائتي ليرة، و صندويشة كباب الفروج (4 سياخ مع البيواظ و السماق) بمائتين و خمسين ليرة، و هو بهذه التسعيرة ينافس جميع بائعي الصندويش بالمدينة، مما أكسبه زبائن كثيرين …. يستمر بعمله حتى الثانية أو الثالثة ظهرا، ثم يضب عدته، و يربط هيكل الغسالة بسور حديقة مقبرة هنانو، بعدها يذهب إلى سوق الخضرة لتأمين حاجيات المنزل و طلبات زوجته مديحة…

  • Social Links:

Leave a Reply