بقلم: خالد بوزيان موساوي
انتبهَ نادل كافيتيريا المُلْحَقة بالنادي الرياضي الذي أرتادُه مساء كلّ يوم أنّ جُلّاسي منعدمون مع استثناءات نادرة… لذا بادر حتى دون استشارتي بتخصيصي ركنا مُنزويا وطاولة بمقعد واحد.
لم يكن لِيعلم أنني حتى في عزلتي مع معشوقتي السمراء (فنجان قهوة سادة) لم أكن وحيدا ولوْ دلّ المشهد الظاهر للعيان على ذلك… كنتُ ولا أزال في لحظات اعتزالي لِبَني جِلدتي أمارس طقوسا ذهنية ووجدانية استلهمتها من قراءاتي مُدّة عقود خلَتْ في الأدب العالمي. طقوس تعتمد على الذاكرة والخيال والحلم والحدس والفراسة لملء الفراغ بأشخاص تحلو لي محاورتهم في عالم موازٍ من ابتكاري. أحيي أحيانا طقوسي عبر أحلام اليقظة (rêveries) محاكاة لجون جاك روسو، وأحيانا بِتذكُّر ومضات (réminiscences) على طريقة مارسيل بروست، ومرّات ألجأ لأسلوب الاسترجاع الفني (flash back أو analepse) مستأنسا بنجيب محفوظ في روايته “اللص والكلاب”… لكن غالبا متى احتجتُ للحديث مع شخص عزيز غائب عن الأنظار أحبِّذُ ممارسة طقوس الاستحضار (invocation) بخيال شاعر وليس على طريقة السّحرة والدجالين…
مساء اليوم وأنا تحت تأثير سلبي لاكتمال البدر عكس شعراء كوكب الرومانس، وما سبّبه لي هذا الاكتمال من كآبة وغثيان… فكّرتُ في استحضار شخص من مقاس خاص يناسب انفعالات وجداني، فكان المُنادى عليه سرّا هو الفنان التشكيلي الهولاندي العالمي المُسَمى قيْد حياته: فان غوغ (Van Gogh).
سألني بعصبيته المعهودة:
ـ من أنت؟… وماذا تريد؟ !… هل لي سابق معرفة بك؟…
أجبته:
ـ ليس تحديدا… لكن سيد فان غوغ، لقد أصبحتَ بعد موتِكَ فنانا تشكيليا عالميا، ولوحاتك الباهضة الثمن معروفة في كلّ أرجاء الكون…
ابتسمَ ابتسامة العظماء مع التواضع وكرّر سؤاله بأسلوب أكثر لطفا:
ـ مرحبا… شكرا على إطرائك… أنا في الخدمة سيدي… ما المطلوب منّي؟…
أجبته:
ـ أنا المُمْتن سيدي… أنا معجب جدا بكلّ لوحاتك الفنية العظيمة، لكن في سياق هذا اللقاء، لوحتك “الكرسي” تستهويني أكثر… كما ترى، أنا جالس إلى طاولة بمقعد واحد، وحنيني واشتياقي لحبيبتي لا يوصف… هلا رسمتَ لي كرسيا قد يُغري حبيبتي البعيدة الغائبة المتمنِّعة الشغوفة… لِتسلكَ طريق نهري الفائض بِحِبْري وتجلسَ على كرسي فان غوغ تحادثني وتعانقني… و….
أيقظني النادل وهو يسألني:
ـ هل طلبتني من جديد سيدي؟… أسمعكَ تكلمني… ولم أفهم من منطوق كلامك شيئا…
Social Links: