نقد الماركسية العربية – الجزء الأول

نقد الماركسية العربية – الجزء الأول

لبيب سلطان

1. لماذا نقد الماركسية العربية؟

ان نقد اي تيار فكري سياسي ،مهما كانت عقائده، يشكل مهمة عسيرة في مجتمعات مثل مجتمعاتنا ، حيث يسود التعصب بكل انواعه، ودعك من النقد، فحتى طرح مسألة فكرية لفتح باب لحوار فكري في قضية ‏فكرية أو اجتماعية يمكنها ان تتحول بسهولة الى معركة ايديولوجية تعصبية. تبدأ من ماركسيينا كعادتهم ارجاع كل الامور حتى الداخلية الى الرأسمالية العالمية ،ويبدأون بسب وشتم من يقول بغيرها ان قضاينا داخلية وليست الرأسمالية، تليها اتهامات بالولاء للامبريالية وتبدأ نخوات عشائرية واخرى تخوينية شبيهة بممارسات النظم القمعية، مثل الستالينية والصدامية ، جميعها متعصبة ومتجذرة في ثقافتنا العربية.

هناك ثلاثة اسباب دفعتني لكتابة هذا النقد، واعتبره اكثر من نقد ، بل ادانة فكرية لممارسات قامت ولازالت تقوم بها الماركسية العربية. وهذه الاسباب هي:

أولها: لاعتقادي بالاهمية الفكرية والتنويرية لها ولأهمية النقد الفكري للتعرف الى العالم وطرق ادارة خلافاته الفكرية

وثانيها : وبما اننا نخوض معركة قاصمة صعبة مع السلفية الدينية فاجد الموقف الذي اسميه المخزي والمعيب ذلك الذي يقفه ماركسيونا العرب تجاه قيم ومفاهيم الحضارة الاوربية الغربية، فهم يشاركون السلفية الدينية بسبها وشتمها ويلصقون بها تهم الابادة والتوحش وهي ليست بحضارة بل اوباش وقتلة ومستعمرين وامبرياليين. اعتبر ذلك مخزيا ومشينا لسببين الاول انه ينتمي لصنف بث ثقافة الكره ضد الحضارات والمجتمعات، ويبدو ان الرفاق الامميون اميون والا كيف التقوا بنفس خطاب والسلفيون، بل وزادوا عليهم مرتبة. وهذا دعاني حتى للاعتقاد ان ماركسيينا العرب هم حقا فئة عجيبة غريبة، تدعي الوقوف ضد السلفية وبنفس الوقت تسب حضارة اوربا وقيمها ، يسمييها السلفيوون الحضارة المسيحية الصليبية ، والامميون الرأسمالية الامبريالية والمسبوب في كلاهما واحدا هو الحضارة الاوربية. اني اعيش في الغرب منذ قرابة خمسين عاما ، وحضرت عشرات وربما مئات الندوات واللقاءات (ضمن اهتمامي الشخصي بموضوع حوار ومستقبل الحضارات) والتقيت الكثير من المثقفين والاساتذة والباحثين والاعلاميين وانصار التيارات الفكرية والسياسية من ليبرالية معتدلية الى اقصى يسار الليبرالية ومحافظين ويمينيين قوميين وحتى فوضويين وماركسيين ، ووجدت في الفئة الاخيرة ، صنفين اكثرهم يأخذ بماركس فقط دون من ادعاه ، بمعنى يفهم دعوة ماركس ضمن دراسة مستقبل الرأسمالية، ووجدت الصنف الاخر،وهو الاقل تواجدا، ولكنه موجودا، انه ماركسي مؤدلج ستالينيا ، فهو يطرح تقريبا نفس طروحات مؤدلجينا الماركشيين العرب، ولكنها ليست ترديدا مثل جماعتنا، بل طروحاتا يجتهدون في صياغتها وفي اعدادها وحتى قسما منها ينتقد الستالينية بموضوعية دون تخليه عنها ويرجعون اخطائها لظروفها كما هم يدعون وعنها لايدافعون، ولكن المهم انهم كحال غيرهم يناقشون بمنطق ويأتون بحجج وطروحات ومايدعمها من اسنادات ، وهذا هو حال الجميع. وفي كل المحاضرات والنقاشات حتى الحارة منها ، التي تجمع من اقصى اليسار الى اقصى اليمين ، لم اسمع يوما ان احدا منهم اتهم الستاليني مثلا انه عميل للسوفيت اوخائنا، أو هو قال لغريمه اليميني القومي او الليبرالي اليساري انه بوقا للامبريالية والرأسمالية وعبيدا للدولار، ولا اليميني القومي قالها لليبرالي اليساري ، ولاكلاهما للماركسي النظري، ولا الجميع قالها للستاليني . لكل منهم قوته بحجته المنطقية ووزنه المعرفي. احدهم يأتي بحججه والاخرون بما ينقضها، او يطرح نواقصها وعيوبها ، ويجري نقاشا حارا ويتعمق ليترك الامر اخيرا للمستمع لاستخلاص الدروس. وغالبا ما رأيت في نهاية الحوار الساخن يجتمع الجميع لتناول الاكل والمشروبات وحتى تبادل الضحك والنكات وكأن امرا لم يكن ، وعلى مائدة واحدة الغريم مع الغريم . انه توحش الرأسمالية كما يكتبه ماركسيونا، وليس تحضرها والتعلم منها.

انظر كيف يتصرف سلفيونا الماركسيون العرب تجاه فئة واسعة من مثقفينا الوطنيين واللببراليين عند افتراق معهم في مسألة فكرية او نقدية حتى بسيطة، تراهم يتحولون الى دواعش فكرية، تتهم كل من يخالفهم الرأي عملاء للغرب ،عبيدا للدولار، ابواقا للاستعمار، ويتصاعد السب والشتم للمستوى الشخصي. وطالما هالني تساؤلا هل هؤلاء ماركسيون حقا ام أوباش، او مرضى نفسيا وعقليا، وكيف يختلفون عن طالبان وهم يدعون الماركسية، واقل مافيها انها علمانية وتقول بالجدل التطوري وفي جدل المتناقضات يكمن التطور، فلماذا هؤلاء متعصبون ومنغلقون وسبابون وشتامون كالدواعش الفكرية ؟ وفعلا بدأت اعتبر انها فئة غريبة عجيبة ، وحتى اني كتبت تعليقا لاحد الزملاء، اني حقا بدأت اعتقد ان الله خلق محمدا وماركس وستالين خصيصا لامة العرب وله حكمة فيها : من الاول قام بخلق الدواعش الاسلامية ومن الثاني خلق الدواعش الماركسية.

وارجو ان اوضح للقارئ اني لا اتهم كل ماركسي عربي انه بالضرورة متعصبا مثل دواعش الماركسية الذين ذكرتهم اعلاه، فأنا اعرف الكثيرين ، وشخصيا ،ولحسن حظي ، كان لي منهم اقرب الاصدقاء ، وكتب لي بمعايشة وزمالة عدد كبير من الشيوعيين منهم مثقفين واخرين وطنيين ولكلهم محبتي ، وانا اعرف انهم يفهمون ، من بقي منهم حيا، عما اكتب ،وخصوصا ان منهم من وقع ضحية لهؤلاء الدواعش الماركسية ، وعموما فنقدي هو ضمن نقد لظواهر اراها ترافق التيارات الماركسية العربية ،فهي تفرخ متعصبين ومتكلسين فكريا ضد الحضارة الاوربية، كما فرخت تنظيمات الاخوان دواعش الاسلام ، واصبحت ظاهرة اجتماعية ملازمة للاحزاب والكتل الماركسية العربية كونها ، على ما اعتقد ، نشأت وتبنت طروحات الماركسية من المدرسة السوفياتية ستالينية، واعتبرتها انها هي الماركسة ، وهي ليست طبعا كذلك ، وليس في فهمها كما في العالم المتحضر، كما سأتي اليه ادناه

  • Social Links:

Leave a Reply