لبيب سلطان
2. بعض المداخل الفكرية لنقد الماركسية العربيةاجد من الضروري توضيح بعض المفاهيم التي سيتم استخدامها في محاور النقد، وخاصة قضيتان تشكلان مدخلا له.المدخل الاول: كيف يختلف فهم العالم للماركسية عن منطقتنا العربيةأود مشاركة القارئ الفرق في فهم الماركسية في الغرب، في اميركا اواوربا ، وأجده مناسبا ليكون مدخلا لبناء النقد للماركسيين العرب. ويمكن كتابة فهم الماركسية ربما في خمسة مجلدات ، ويمكن ايضا ايجازه بخمسة كلمات كالاختصار التالي ” فلسفة نقدية للتحول الى مجتمعات ما بعد الرأسمالية “، أو ربما أطول قليلا الى سبعة ” فلسفة نقدية للرأسمالية طرحت رؤيا مستقبلية لتطور المجتمعات لما بعد الرأسمالية”، أو تسعة كلمات اكثر تفصيلا” فلسفة نقدية للرأسمالية تأخذ بصراع الطبقات كمدخل لرؤيا مستقبلية للمجتمعات ما بعد الرأسمالية”، والمشترك العام فيها جميعها انها فلسفة لمجتمعات ما بعد الرأسمالية. هذه هي الصورة ونظرة العالم لها اليوم، ومن اراد التفصيل اكثر عليه السعي وسيصل ربما لنفس هذا الايجاز.ان الاجابة على اسئلة مثل كيف ومتى وما الطرق للوصول لمرحلة مابعد الرأسمالية، والتي اطلق ماركس عليها “مجتمع الشيوعية ” اي مجتمع الغاء الطبقات والغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ،هي اسئلة بقيت دون اجابات من ماركس نفسه، فهو طرح نقدا للرأسمالية وطرح معه حتمية تغييرها لمرحلة الشيوعية ،ولكنه ترك الباب مفتوحا للادوات والطرق وظروف وسبل تطور المجتمعات الرأسمالية الى المستقبل. وهناك مدارس كثيرة تطرح كيف ستكون حركة هذا المستقبل، بعضها مثلا يربطها بتطور العلم والتكنولوجيا ( مثل تطور وسائل الانتاج ” اي التطور التكنولوجي الحاصل اليوم ” التي اعتبرها ماركس احدى اهم وسائل الوصول لمرحلة مابعد الرأسمالية ) ، وبعضها يشير لخطر هذا المنهج التكنولوجي ويجب تطويره موازيا لتطوير القيم الاخلاقية والعلاقات الاجتماعية لتوزاي هذا التطور، ومدارس كثيرة اخرى تنتقد الرأسمالية المعاصرة ، غير ماطرحه ماركس ان الصراع الطبقي هو المحرك للتاريخ وهو الذي سيدفع بالمجتمعات للتحول نحو الدرجة الاعلى من التطور ،فهي اصبحت ترى تطور العلم هو الذي يقود هذا التكول ومنه برزت مدرسة ضرورة التجانس الروحي التكنولوجي للتطور المستقبلي، وحتى مؤخرا برزت مدارس في البيولوجيا الاجتماعية التطورية ، وعشرات من المدارس تنشر الاف الابحاث،خصوصا في اميركا. ولكن بما يخص الماركسية ففهمها هو كما اعلاه ، ويعتبروو نقده هو للرأسمالية الكلاسيكية للقرن 19 واليوم نحن نواجه رأسمالية اخرى متطورة وتحتاج لطروحات اكثر تطورا، فهي اذ لاتعطي اهمية كبيرة اليوم لاطروحة الصراع الطبقي انه هو الذي يقود التحول والتطور المستقبلي، ولكنها تحترم ماركس ، ليس لقوة اطروحته واهميتها اليوم ، فهو نقد الرأسمالية الكلاسيكية للقرن 19 التي بقيت منها انقاضا ولم تصبح ملكية وسائل الانتاج ولا الصراع الطبقي حاسمة ولها اهمية كالتي تصورها ماركس، بل لانه يعتبر من اوائل نقادها منذ بدء نشوئها في القرن 19 أي انه من اوائل نقادها . ان الجميع يعرف ان نظرته مستقبلية فلسفية ، وبالتأكيد هي ليست تشريعات وطروحات ستالينية مثلما مصاغة في قوالب تقديسية ،وانتقلت منه الى ماركسيينا العرب لتصبح قرآنا وايات مقدسات واحكام مطلقة، وبالغوا حتى على السلفية في حتميتها واطلاقيتها لكل مكان وزمان .والسؤال من اين اتى هذا الفهم عند جماعتنا المخالف لبقية العالم المتحضر ،أي الرأسمالي، ، الذي نَظَّرَ له ماركس ؟ فهو لم ينظر لنا ولا لأحوال مجتمعاتنا ، فنحن مازلنا ربما مائة او حتى ثلاثمائة عام قبل الرأسمالية.هذا السؤال يجرنا الى البحث في تنوع المدارس الماركسية في العالم . وهي كثيرة كل منها يطرح طرقا مختلفة لمستقبل المجتمعات الرأسمالية ومن علاج تناقضاتها يطرح طرقا لاقامة اشكال للعدالة الاجتماعية، منها ماطبق في بريطانيا ، واخر في المانيا، في كندا ( افضل البرامج في العالم الاجتماعية) ، او في اسكندانافيا ، والكثير من المدارس النظرية، وجميع المدارس الماركسية تؤمن بالديمقراطية وحقوق المواطنة والحريات الفردية ، والعامة ، وتطرح فهمها للماركسية لتقيم فوقها برامج للعدالة الاجتماعية . لماذا تبنى ماركسيونا مدرسة واحدة منها وهي الستالينة؟ ربما لانها الاكثر تطرفا واشدها قمعا وبعدا عن التحضر والديمقراطية ، ولها سننا مشابهة في المجتمعات المتخلفة لمرحلة ماقبل التحضروالرأسمالية. ان المدرسة الماركسية الروسية صبغت الماركسية بلون واحد هو لونها وظروفها ومهامها بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 2017 ومن نجاحها اعادت صياغة الماركسية بقوالب ( أي ادلجتها ) وحددت طروحاتها وطرق تطبيقها وادواتها وجعلتها قوالب جامدة، والويل لمن يختلف مع قوالبها، فهذه سيبريا امامه والبوليس وراءه ، وخوَّنَتْ من يقول بغيرها ، وتم اصدارها بالطبعة الروسية وفق رؤية ومقولات لينينية و بطبعة نهائية للتوزيع خارجيا سوفياتية ستالينية. ان اغلب ما يقع بين ايدينا اليوم من طروحات وسلوكيات وكتب ومقالات عن الماركسية في العالم العربي، وما نراه من طروحات في الشيوعية ، وكل ما يتم طرحه باسم الماركسية عندنا هو في الحقيقة من انتاج الادلجة الستالينية التي ادعت ان هذه هي الماركسية ولاغيرها ، وجعلتها قرآنا مليئا بالايات و بالشرائع اهمها سب وشتم الجاهلية ( الرأسمالية ) واعتبار كل سننها وقوانينها وممارساتها الديمقراطية انما هي زائفة ومزيفة ، ومنها نسمع كل ما يردده سلفيتنا الماركسية الستالينية العربية.ارجو من اعلاه ان يكون واضحا الفرق الاساس بين فهم الماركسية في العالم ، وفهمها لدى الماركسية العربية والتي ارى تسميتها الحقيقة يجب ان تكون ” الماركسية الستالينية العربية” ، والسبب يعود ان لا ماركس نفسه ، ولا الماركسين في المدارس الاخرى ، لم يسب ولم يشتم الرأسمالية ،بل اعتبرها اعلى مراحل التحضر المعاصر ، ولا هو دعا لاقامة دولة دينية ايديولوجية بافكاره ، ولا قوالب فكرية تصنف من يخالفها بالخيانة والعمالة للرأسمالية. هذه كلها نتاج النموذج المؤدلج الروسي (اللينيني الستاليني الصياغة) ، السوفياتي الصنع والعربي الفرع.المدخل الثاني : حول علاقة طروحات الماركسية بالواقع العربيان اهم القضايا التي تواجه مجتمعاتنا العربية اليوم هي معركة العلمانية والديمقراطية والحريات مع السلفية الدينية، والثانية هي خوض معركة اقتصادية للخروج من الفقر والتخلل تتلخص في بناء اقتصاد حديث للرأسمالية والتحول للانتاجية (وهو نفس المحتوى والترجمة لمعركة التنمية الاقتصادية الاستثمارية ) وادخال التصنيع والانتاج وعلوم الادارة المالية والاقتصادية الحديثة لبلداننا.ان واقع الحال اليوم يقول نحن على بعد معركتين طويلتين، وجيلين متكاملين، للوصول لمرحلة نحتاج فيها الى فلسفة الانتقال الى مجتمع ما بعد الرأسمالية ، أي للماركسية ( ربما بعد مئة عام وربما اكثر). ومنه يطرح السؤال نفسه : هل نحتاج اليوم للماركسية ؟ بلاشك تحتاجها اميركا و المانيا أواوربا الغربية ، كونها بلدانا رأسمالية لتنتفع منها للاعداد للانتقال لما بعد الرأسمالية، ولكن تأكيدا ليست مجتمعاتنا، فنحن مازلنا نحاول الدخول للرأسمالية ونظمها وقوانينها ، ولو ننجح بعد. والحال عندنا ان لدينا احزابا وطنية ماركسية عريقة ، ولدينا مثقفين ماركسيين كثيرين، وبما ان الماركسية منهج علماني وتطوري ، فلم لم يكن واضحا ان عليها ات تخوض معركة الرأسمالية اولا كي تتكون لنا قاعدة صناعية ، وطبقة عاملة ، وطبقة رأسمالية وطنية تساهم في النهوض الاقتصادي، ونظما علمانية وديمقراطية، هذا اذا اردنا تطبيق المقولات التطورية بين المراحل ، وفق ظروفنا الواقعية ، كما قالت به الماركسية النظرية ( مثل التحول من الاقطاع الى الرأسمالية ). ان هذه المعركة الحقيقية ستقودنا دون شك للاخذ بمقومات الفكر الاوربي كالمعارك التي خاضتها منذ مئتي عام او أكثر وشكلت اسسها العلمانية والديمقراطية والرأسمالية الاستثمارية اسسها ودروسها وتجاربها الثمينة ،وهو مايسبه ماركسيونا اليوم ويعتبرونه “جاهلية” وكفرا وفق قرآنهم الستاليتي السوفياتي الذي يقول ان الرأسمالية كفرا والحادا ، وهنا التناقض الذي وقعت فيه الماركسية العربية، فهي ان اجتهدت لحالها ،وفق طروحات الماركسية النظرية، لتبنت اقامة الرأسمالية كمعركة هي الاهم للخروج من التخلف، ولكنها اذ تبنت الستالينية ، فما عليها سوى دورها السوفياتي الستاليني سب وشتم الرأسمالية ، مثل سب المؤمنين “للجاهلية”.ومنه ولليوم لم نر حلا واقعيا للخروج من التخلف الاقتصادي طرحته الاحزاب الماركسية العربية
Social Links: