اضاءات حول النسوية مابعد الكولونيالية

اضاءات حول النسوية مابعد الكولونيالية

لطيفة زهرة المخلوفي

___________________________                                            استئنافا لعرض أطروحة الناقدة الهندية غاياتري سبيفاك حول التابع، نستدعي فكرة التمثيل الاستعماري للتابع، والتي بلورت من خلالها تحليلها لتبعية المرأة الهندية في المجتمعات الهندوسية التي تؤمن بطقس الساتي (Sati) أو ما يسمى بمحرقة النساء الهنديات الأرامل وهو طقس ديني عند بعض الهندوسيين تقوم فيه المتوفى اختيارا أو قسرا بحرق نفسها مع جثة زوجها.

إن تفكيك هذا الطقس رأته تعبيرا عن تمثل جامع للهيمنات الكبرى للنصوص الدينية الهندوسية التي تتموقع المرأة فيها كمجرد “تابع” للرجل “الذكر”. إضافة إلى الهيمنة الأبوية والهيمنة الاستعمارية.

إن استدعاء سبيفاك لهذا التقليد الإجتماعي الهندوسي، كان بمثابة محاولات لفهم ما سمته “العزل المضاعف” للمرأة في الهند. حيث سبق وأشرنا إلى تفكيكها لمنع الاستعمار البريطاني لهذا الطقس، كأنهم يريدون أن يقولوا إن الإنسان الأبيض قد أنقذ المرأة السمراء من وحشية الرجل الأسمر. وانطلاقا من هذا فإن صوت المرأة يغيب في كلا الموقفين ( الموقف الاستعماري والموقف الأبوي).  وسواء تعلق الأمر بتقاليد دينية أو ثقافية أبوية أو ثقافة استعمارية فإن النتيجة هي الحيلولة دون انبثاق صوت التابع.

اشتغلت سبيفاك على نقد العقل الما بعد الكولوينالي، وذلك من خلال عملها على اماطة اللثام عن استفهامات تتعلق أساسا بمدى توفر الشروط الفكرية والثقافية للتابع لكي يتكلم.

فتخلص إلى نفي إمكانية التمثيل الذاتي للمقموعين والمقهورين والمهمشين، فينظر لنساء الساتي من منظورين مختلفين تعارض وتنتقد كلاهما :

الأول: بريطاني كولونيالي ( يراهن ضحايا مثيرات للشفقة، ظلمهن الدين والمجتمع البطريركي).

والثاني وطني هندوسي أبوي (يراهن زوجات مخلصات). وبين هذين المنظورين المتناقضين يضيع “صوت التابع” ففي حين صورت الأرامل الهنديات على أنهن ضحايا البريرية لم يطلب أحد رأيهن، ولم يسمع صوتهن حول هذا الموضوع. ولا تعدوا أصوات الأرامل في القانون مجرد تمثيلات اختلقت من منظور كولونيالي لكي يبرر بها وجوده وأطروحاته المعرفية حول مهمته الحضارية المزعومة.

التابع كما تراه سبيفاك لا يملك الوسائل الكافية لكي يبني هويته الاجتماعية الموحدة والثابتة في وجه الخطابات المسيطرة. واعتبرت الناقدة أن امتلاك الفرد لصوت، يعني حيازته لنوع من السلطة في الحياة العامة. وهذا ما يجعل كلام المثقف منبثقا من مكان ذي سلطة.

وتحاجج سبيفاك أن تضامن المثقف مع التابع، هو تضامن سطحي، يحول دون الفهم العميق للتابع ولعلاقات السلطة بالهامش، كما علاقات مراكز السلطة الهامشية ببعضها.

كما تشدد على ضرورة فهم تركيبة الذات لكي نستطيع أن نفهم الآخر؛ ومنه تؤكد على وجوب قراءة واقع الهند بشكل عميق، وبعيدا عن السرديات الاستعمارية. فلا وجود لعلاقة وحيدة بين السلطة والهامش، بل هناك تشابك وتداخل كبير في تدرجات السلطة وفي قوة الخطابات (بين بريطانيا المستعمرة والهند وأيضا في الهند بين الريف والمدن، بين الطبقات الاجتماعية، بين حالة الساتي وحالة رجل الأعمال الهندي… إلخ). لكن الهند كلها بعيون الغرب تقيم في الهامش.

ختاما، فإن سبيفاك تطالب بالوعي من منطلق الموقع الاجتماعي والثقافي عند الحديث عن السياسة والمجتمع بشكل عام. ومن ذات المنطلق وانسجاما مع هوية أطروحتها بصدد التابع تبث سبيفاك شكوكها واستفهاماتها حول قيمة خطابها كمثقفة ودكتورة في أميركا عندما تتكلم عن الهند وعن المرأة التابعة بالذات، فرغم أنها هندية المنشأ، لكنها تتكلم من محل وواقع مختلفين تماما. ولهذا تشدد على التعامل مع الموضوع من زاوية عدم التكلم عن هذه المرأة التابعة، وعدم محاولة الدفاع عنها، بل نهج خيار ثالث هو الحديث معها ليكون صوتها حاضرا ومتملكة لسلطة الكلام…

  • Social Links:

Leave a Reply