فلورنس غزلان
يابن سورية وفلسطين…اسمع واقرأ ما سأقوله لك…فأنا اليوم هنا ،لكني لن أكون غدا… انظر لمن يسمون أهلك وعالمك،كيف يحتفون بموتك، يتفاخرون بمقاومتك وقدرتك على احتمال برودهم…وعلى تجاهل كل القبائل التي تنتمي إليها وتعتبر طينك من تربتها..تحتمل لسعات سياط تُفتت لحمك…تطأ على جثتك …وتشهد بعدها أن لا إله إلا الله!!! ..وأنك ذهبت في سبيله …أنك من التراب وإليه!!..أنك اخترت طريقاً وعرة اسمها (الحرية)…وأن حريتك تختلف عن حرياتهم…أن شهقة ألمك وتصميمك تجعلهم يكتشفون رجولتهم الناقصة …وأن صمتهم مشروع ، يوقعون كل الحق عليك في عدم تفهم عجزهم!..أنت شهيدهم ويعترفون…أنت سفينتهم إلى بحر الحياة ويُقرون…أنت وسيلتهم لدخول جنات عدن ويأملون!…يطابقون الأقوال هنا ويخالفون الأفعال هناك..ترتطم عطاياهم ومَكرُماتهم بغصاتنا وآمالنا…نحتاجها ويغض بعضنا الطرف عن كونها خوازيق وشرائك ..لكن بعضنا الآخر يعرف أنها إشارات من عروشٍ ومن مرافيء تريد تغيير اتجاه الرياح الأوسطية….نأمل ونسعى ألا يفلحون..
ضاق بك الكون…ضاق بموتك فتجنبوا فتح العيون لكنهم لم يتجنبوا جغرافية أرضك..ومحوا من التواريخ أرقاماً تشير لدورك..تفنن القاتل بأنواع موتك..ولم يتمكن من محاصرتك…لكن أبناء قوميتك..مازالوا ينظمون الأشعار ويتغنون ببطولتك في محافل إعلامهم…يغمسون عباءاتهم في زيت قناديلك علَّ بركاتك تحنو عليهم بشيء مما يفتقدون…هوادجهم لاتعبأ بموتك بقدر ما ترسمك حامٍ لدربها في غدٍ تتوق أن تشتريه بذهبها المشحون بالسخام وبسجادات تصلي لله وماهي منه إلا بألفاظ اللغة بلا حياء..
نعشك يدور بين أيديهم وعطشك للحرية وماؤها ينادي جذورهم..يستنجد ببيارقهم وجحافل جيوشهم، التي أشهرت سيوفها في تاريخك الشامي القديم…لكنها تخذلك اليوم …لأنها تخشى أن ينقض الجار المَقصود والجار المرصود–(إسرائيل وايران)— على سكينتها…أو ينحرف وينجرف أبناء جلدتها عن طاعة أولي الأمر والنهي…أو ينزعج العم سام وأبنائه من حماة عروشها…فأنى لك يا ابن الشام والقدس أن تحصد ثمار ضحاياك؟ أنى لك أن تجد من يستجيب لصراخ ثكلاك ..فيهرع ليشارك في حمل نعشك،ودعمك في حربك…دون غايات أو مزاودات..فهل باتت الأخوة مصالح وإملاءات؟َ
محاصرٌ بدمك..محاصر بلقمتك..محاصر ممن يسمون أهلك…من عدو وغريب لايأبه لإنسانيتك.. ومازلت الفارس الذي يمتطي جواده منذ عقود…ولم تعرف حوافره إلا الجري وصعود القمم…سيفك مازال مُشرعاً يطلب الحرية …ويُنشد الحق…يهفو لكسر قيوداً كبلت معاصم الصغار والكبار وأقفالاً كممت الأفواه عقوداً، فلماذا الجحود والنكران لمن يطالب بالعدل؟ لماذا لم تجد ــ حتى اللحظة ــ من يضع قيمة مابذلته في كفة ميزان أمام قُضاة سُجِلت لهم في دفاتر التاريخ صفحات من العدل والقسطاس؟ يلوون الحنك ويتلونون في اختيار الكلام…ليدرأوا عن أنفسهم عَتبَ مواطنهم والتاريخ…لكن عار تجاهل دمك سيظل يلاحقهم إرثاً وصرخة توقظ ربما ضمائرهم…ليعرف درب سورية وفلسطين البهجة والفرح…لكني لست بعرافة ،لا أضرب بالرمل، ولا أعلم متى يأتي يوم يقظة الضمير!…فهل كُتب عليك يابن الشام والقدس أن يظل الموت مصيدتك اليومية؟!
فلورنس غزلان ــ باريس
Social Links: