عبد الكريم خشفة
لا شيء في هذه المدينة البائسة يدعوك للتفاؤل…
كل الناس مشغولين بشيء ما لا تراه، يسرق تركيزهم، يجعلهم يسيرون في الشارع كآلة مبرمجة على فعل شيء واجب.:
شراء بعض الخضار
حجز دور لموعد مع طبيب من الدرجة الثالثة يعمل في جمعية البِر
شراء ليتر من الزيت النباتي يجب أن يعيش حتى نهاية الشهر
دَرز الحذاء
شراء ظرف واحد (أوبرسور) وظرف واحد (أسبرين 81) وظرف واحد (أتورفاستاتين) وظرف واحد (لوتيد) وظرف واحد (أوميبرازول)
دفع فاتورة الكهرباء
شراء وصلة لشاحن الجوال
دفع… دفع… دفع
آااا
نسيتَ شيئا مهما… الشتاء الذي يلوح في الأفق…
تقول العجائز:
إن النمل يدّخر الحبوب في مواسمها ليقتات عليها في الشتاء الطويل.. وأما الصرصور فيُمضي الصيف يعزف بأجنحته ألحانه المزعجة ليستدين من النملة قوته في الشتاء…
هل ينطبق هذا علينا؟
النمل يجمع الحب من البيدر، ولكن لم يعد هناك بيادر …
يتدبر أمره على كل حال، المهم أنه لا يدفع المال مقابل الطعام…
نحن لا نشبه النمل!
لأننا مُجبرون على دفع ثمن المؤونة! وما معنا ثمن المؤونة
إذن سنكون الصراصير ولو أننا لا نتقن العزف.!!
سائق جرار البلدية… يحسب نفسه يقود الـ (بوينغ ماكس 737) ..!
يجر خلفه مكوك الفضاء (ديسكفري)
يمر من الشارع مسرعا والنسوة والأولاد يلحقون به بأكياس القمامة.. إنهم يلحقون بالمستقبل ..!
بسطة (بنزين) يديرها طفل، سحارة من البلاستيك تقف داخلها قناني البنزين سعة ليتر… هذا الطفل لا يبتسم، وبالكاد يرد السلام…
ـ بكم الليتر؟
ـ بعشرين!
ـ عشرون ليرة؟
هنا يبتسم بنصف فم وكأنه مصاب باللقوة!!
امرأة تحمل غاز السفير الصدئ
ـ املأه نصف كيلو غاز!
ـ نصف كيلو؟
ـ نصف كيلو!
ما بالنا نحن الصراصير؟!
من قبل أن نصل إلى الشتاء نشتري نصف كيلو غاز، ثلاث حبات بندورة، بصلة واحدة، خيارتان، ثلاث قرون فليفلة، أربع باذنجانات، ثلاث حبات بطاطا… !!
يريحني جارنا العجوز الذي أمضى في المعتقل السياسي عشرين عاما:
إنه يقول كل شيء من غير أن ينطق بكلمة واحدة.
Social Links: