نجم الدين السمان
عندما انتقل عبد الله إلى الضفة الثانية من المتوسط.. مُهاجراً بواسطة البلم؛ عَلِقَت قدماه في أرض الإغريق؛ لا يجِدُ سبيلاً للوصول إلى أرض أحلامه في ألمانيا أو.. السويد.
خابت كلّ مُحاولاتِهِ لمُغَادَرةِ أثينا؛ حتى قرأ على جهازه النقال.. الخبرَ التالي: “الذكرى العاشرة لوفاةِ عارضةِ أزياء بحادثة قطار”
تأملَ جمالَها.. باحثاً عن صفحتها على وسائل الاتصال؛ فوجد صفحتها.. ميتةً أيضاً؛ سوى من تعليقٍ لشخصٍ في الذكرى الأولى لرحيلها: لن يطوي الموت حُبّي لكِ؛ ثمّ غاب هو الآخر؛ حتى بدا وكأن لا أحدَ يتذكرها حالياً.
خزّن عبد الله جنوبستان على جهازه النقال.. صور عارضة الأزياء: من طفولتها؛ ويفاعتها؛ ومراهقتها وبخاصةٍ.. من مرحلة نضوجها الجسدي.
جلس في أحد ساحات أثينا.. يُنشىء صفحةً باسم “أثينا الهَيثمَاوي” مُستخدماً إحدى الصور؛ ونشر صورة بالشورت القصير وشِبهِ تيشرت أقصرَ منه..ً تظهر منه صُرّة عارضة الأزياء:
- أنا أثينا الهيثماوي.. عالِقة في بلاد الإغريق؛ يُمنعني حُرّاس الحدود عن الانتقال إلى بلد احلامي.. فساعدوني.
تلقت صفحة أثينا مئات طلبات الصداقة: مِن مُهاجرين جنوبستانيين؛ ومن شبيحة الأسد؛ كما من مُعارضيه؛ ومن نشطاءٍ وثورجيين ومعفشين ورماديين؛ ومن شيوعيين سابقين ومن إسلاميين؛ ومن سماسرةِ صِغَار وكبار.. حتى كاد عبد الله يحتار مَن سيقبله ومَن سيرفضه؛ حتى أتاهُ طلب صداقة لشابٍ من بلد حنوبستاني غَنِيٍ بالنفط؛ وسأسميه: نِفطَوَيه؛ مُردِفاً طلبه برسالةٍ على الخاص: – أدفع الملايين.. لأسهر معك ولو ليلة واحدة.
وفي رسالته الثانية بعد دقيقتين.. كتب نِفطَوَيه:
- أنت أجمل من جبل الأولمب؛ ومن الألعاب الأولمبية؛ – خلّينا نشوفك بالكاميرا؛ وبالمرحلة الأولى.. بلا ستيان.
أرسلت أثينا صورةً لها بثياب البحر على شاطئ البهاما؛ فازدادت حرارة نفطويه؛ ثمّ صدمته برسالة قصيرة كالبرقيات:
- تحكي معك وأنا جوعانه.. فلوسي تبخرت في بلاد الإفرنج.
رَدَّ نفطويه على الفور: – يخسى الجوع.. قولي المبلغ اللّي تبغينه.. ورقبتي سدّادة؛ يا حلوة الحلوات.
هكذا.. صارت لدى عبد الله جنويستان دولارات تكفي لشراء جواز سفر مُزور؛ ساهم بها آخرونَ بدافع التضامن بين الجنوبستانيين مع امراة تعاني من الوحدة برغم جمالها ؛ وكان قد حَفِظَ بَصماً 30 جملةٍ بالألمانية؛ فأغلقَ صفحة أثينا الهيثماوي ومضى نحو.. برلين.
وفيها.. قصَدَ على الفور “شارع العرب” فصار اسمُهُ هناك: أحمد سعيد البيك؛ ويتصرفُ كابنِ عِزّ سابق.. لكنّ نظام الأسد قصفَ أملاكَه؛ ونهَب إخوة المنهج أراضيه الزراعية في الشمال السوري؛ فدَارَ بهِ الزمان وجار عليه.
وباسمه الجديد وبقصته الفانطازية تلك.. حصل على إقامةٍ مُؤقته بفضل حنان الحاجة ميركل وعشقها للشاورما السورية.
وكان قد انضمّ إلى مجموعة تنسيقية الثورة في ألمانيا.. باسم ثالثٍ مُستعار؛ نشر فيها زجلياتٍ ثورية حماسية؛ كان يبتكر مثلَهَا.. لطيور الحَمَامِ الذي رَبَاهُ على سطح بيتٍ عشوائيٍ في أحد ضواحي دمشق؛ وكان الطير الجِخجَلّلي القلّاب الأحمر.. مَصدرَ إلهامِهِ؛ مثلما صارت امرأةٌ جنوبستانية مصدرَ إلهامه في المانيا؛ فتزوجها.. بعقدٍ “شرعي” عند شيخٍ مُسلِم.. ابتكرَ لهُ اسمينِ وتوقيعين.. كشاهِدَين؛ ولم يوقع الشيخُ باسمِهِ الصريح.. حتى قبضَ المَعلُوم.
كما انضم عبد الله جنوبستان إلى صفحة “سوريون في بلاد الجرمان” باسم مُستعار رابع؛ وسرعان ما أنشأ صفحةً له.. على كلّ وسائل الاتصال يقدم فيها خدماته للاجئين: وثائق إقامة أوربية مُزورة؛ شهادات سياقة سورية وتركية وعراقية مزورة.. ولكن مُعترَف بها أوربياً؛ جوازات سفر مُزورة؛ بطاقات هُويّة أوربية اصلية بالاستئجار من مُقِيمِينَ جنوبستانيين؛ شهادات علمية وشهادات خبرة مزورة؛ ثم أضاف لها: استئجار بيوت وشراء السيارات المُستعملة؛ وقسماً لتقريب رأسينِ على مخدةٍ واحدة.. مُستخدما العبارةَ الأثيرةً.. إيّاها:
- حكيني على الخاص.
أخذ عبد الله الذي صار أحمد سعيد؛ يُسَمسِر بكلّ شيء.. وبأيّ شيء: بالمواد الغذائية الآتية من طريق الحرير القديم: بدءاً من أفغانستان إلى كردستان وحتى سورياستان مروراً بالأستانة؛ ثم افتتح فرعاً لبيعها ولتوزيعها في شارع العرب البرليني؛ وتوسعت أعمالُهُ.. فافتتح مطعماً يستقبل فيه أعضاء تنسيقية برلين ومُنتسبي منظمات المجتمع المدني؛ و أعضاء من ائتلاف المعارضة.. كلما زار هؤلاء برلين في سياحةٍ سياسيةٍ هادِفةٍ؛ لحضور ندوةٍ عن الانتقال السياسي في سورياستان.. الخ.
حتى شعَرَ عبد الله “سابقاُ” أحمد سعيد “لاحقاُ” بانّ شيئاً ينقص سمسرته وينتقصُ من شرعيتها في نظر كثيرين؛ فأطال لحيتَهُ على غِرَار لِحيةِ الشيخ العرعور؛ ثمّ صبَغها بالحِنّاء النَبَوي.. فصار اسمه الجديد: الشيخ أحمد سعيد البيك؛ واجتمع حولَهُ المُريدون من كلّ دول إسلامستان.. يتباركون به؛ ويطلبون منه النُصحً؛ وتسهيلَ أمورهِم العالقة؛ فازدهرت اعمالُهُ.. وتزوج للمرّة الثانية.. احتفالاً بتحوّله الجديد؛ ثمّ فاوضَهُ ائتلافُ المُعارضة على مقعدٍ قِيادِيٍ فيه؛ فأبي أن يجلسَ عليه.. داعياً لحُكمٍ إسلاميٍّ رشيد.. قائمٍ على الشورىٍ؛ فابتسمَ له عُضوُ الائتلاف:
- وهذا ما ندعوا إليه؛ لكنّا نُسمّيه “الدولة المدنية والمجتمع المدني”.
ثمّ غَمَزَ له قائلاً: – حتى لا ينقطع عنّا التمويل.
وفي الوقت ذاته.. تواصل معه أحد شبيحة النظام الأسدي.. هامساً له وهو يلثغ بالثاء وبالراء معاً:
- الثيد الرئيث بثار الأثد مُهتمٌ شخصياً بما تفعله في بلدان سياحة السوريين.
فطمأنه الشيخ البيك.. مُرتلاً بصوتٍ رخيم: - وأطيعوا أولِي الأمرِ منكُم.
صافحه اللاجِىُء الشبّيحُ بحرارةٍ: - سأخبر القيادة بأنك ضدّ المؤامرة الكونية على سورياستان وقائدها.
ثم اقترح عليه زيارة القنصلية الأسدية في برلين.. فذهبَ معه مُقدِماً خدماته؛ وحين سألوه.. إذا كان يُطلب شيئاً؛ قال مُتباكياً: – ضاع منّي جواز سفري السورياستاني؛ ولا طعم لحياتي هنا بدونه؛ حتى لو كانت لديَ إقامة؛ أو.. سأحصلُ على الجنسية الألمانية لاحقاً.
أثنى موطفو السفارة على موقفه الوطني؛ ثمّ وعدوه بجواز سفرٍ عاجلٍ ومجانيّ باسمه الشائع في شارع العرب.
وفي الوقت ذاته.. قدّم الشيخ البيك لرابطة حقوقِ سورياستان.. معلوماتٍ عن الشبّيح الذي أوصله إلى القنصلية.. ليُقدِمُوه إلى أقربِ محكمة. بعد حصوله على الجنسية الألمانية.. تزوج للمرة الثالثة.. احتفالاً بهذا الإنجاز؛ وما يزال يحتفظ بصور عارضة الأزياء التي جعلته على ما هو عليه؛ حالماً أن يلتقي بمثلها ذات يوم.
*- هامش: كل تشابه بين وقائع القصة وبين الواقع.. هو محضُ خيالٍ فانطازي. ولهذا تمَّ التنويه.
Social Links: