أبطال قيد الاختفاء

أبطال قيد الاختفاء

م خالد نعمة

دخل المواطن سين إلى قاعة المحاضرات في مؤسسته، ليسمع خطبة عصماء من مدير الشركة عن نجاحاتها في ظل إدارته، وقرأ بنهم بينما هو داخل شعاراً يملأ صدر المكان، فأثلج صدره، وكان نص الشعار:
(تقتضي البطولة أن نجهر بالحقيقة).
ولأن كان يعرف حقائق المؤسسة بصفته أحد عمالها الأكثر التصاقاً بها منذ بداياتها، فقد قرر أن الساعة قد أزفت، وأنه سيفعل ما تقتضيه البطولة عندما ينتهي من سماع الخطبة.
وهكذا كان، فما أن انتهى المدير من سرد بطولاته المؤسسية، حتى نهض سين من مكانه، وهتف بأعلى صوته:

  • لا تصدقوه أيها الزملاء، فهو لم يقل كلمة حقيقة واحدة، وأنتم ذاتكم أدرى بأن واقعنا عكس كلامه.
    علا هرج ومرج في القاعة، وانسحب المدير على عجل، وعاد الموظفون إلى دوائرهم وأماكن عملهم، ليجد سين أن قراراً على السريع قد صدر بفصله من العمل، وثلة من حراس المؤسسة يقتادونه ليرموه خارج ألوابها.
    في منكلن غير بعيد، وفي شارع مواز كان المواطن صاد يمشي بجانب الخيطان متوخياً السترة، فأدهشه شعار كان يلطخها بالجملة، ويقول:
    (لا تخش في قول الحقيقة لومة لائم)
    وشعر بنفحة قوة تجتاح بدنه، فركض نحو منتصف الشارع، وأخذ يصرخ:
  • حاميها حراميها، وحماتنا قتلتنا.
    وفي غمضة عين، خلا الشارع من المارة، وظهرت بغتة عشرات سيارات البيجو السوداء النوافذ، ونزل منها مسلحون ذوو أبدان هائلة ونظارات عاتمة ولحى تصل إلى منتصف بطونهم، وباشروا بدوسه بأقدامهم إلى أن صار عجينة مدماة، ثم حملوه ورموه في صندوق إحدى السيارات، واختفوا من حيث أتوا.
    غير بعيد عن هذين المكانين، وفي مقهى شعبي يدعى (المزرعة السعيدة) يزينه شعار: (لا دجل يعلو على الحقيقة في بلد الحقائق), كانت جمهرة من الرواد تتابع على شاشة كبيرة خطاباً مكروراً لزعيم البلاد، ويتحدث عن إنجازات البلد في ظل عهده الميمون وعن الرفاهية التي حققها لشعبه، والجمهرة تهتف باسمه وتقسم يمين الولاء له، حينما نهض المواطن عين فجأة من مكانه، وكأن فيروساً قد نخر دماغه، وصاح:
  • لا تصدقوه، فهو الكاذب الأول، واللص الأول، وراعي الدجالين واللصوص وشذاذ الآفاق.
    وقبل أن يكمل جملته، كانت أعين ساهرة على سلامة المواطنين العقلية وعلى حمايتهم من الأضاليل الإعلامية قد اختطفته، فما عاد يبان له أثر، وكأن قرشاً قد ابتلعه.
    على حلبة المصارعة، كان الحكم يرفع يد كبير الزعران، ليتوجه منتصراً، بينما هو يردد:
    (كل السلطة لمن نطق بالحق).

  • Social Links:

Leave a Reply