هيفاء الحاج حسين
نمنمات سورية
افترشت العشب في الحديقة العامة, وعلى غطاء واسع فرشت أشيائي: الأقلام الخشبية الملونة ودفتر الرسم, الممحاة والمبراة، ابريق القهوة ومنفضة السجائر, موبايلي والسماعات، دفتر اليوميات وشالي, وانغمست بالورقة الشهية ألوّن شجرة.
الأطفال يلعبون على مقربة, لاحقوا دجاجةً تبحث عن قوتها, ثم التفوا حولي وأعمارهم بين الأربع والخمس سنوات, فرحت لأنني ظننت أنني أمتلك لحظتها لغةً تجمعني بهم بديلةً عن التركية التي لم أشعر برغبة في تعلمها, جاذبية أشدّهم بها وأنا في أمسّ الحاجة لهذا التواصل الإنساني مع الطفولة, وكانت المفاجأة أنهم لم يعيروا الألوان المتوزعة حولي أية أهمية, كل ما في الأمر أن موقعي فرض عليهم التحلق حولي ومحادثة بعضهم.
اخترت من الدفتر لوحة لطفلة بألوانٍ مشعة كنت رسمتها منذ أيام
وضعتها على مستوى نظر أحدهم مبتسمة أريد أن ألفت انتباهه رمقني بنظرةٍ عابرة ولم يعر الدفتر أي اهتمام.. حملت الأقلام بيدي وقلت له بالتركية: تعال وجربها..
لكنه مد يده للسماعات حملها وقال شيئا لم أفهمه، أفلتها وعاد لمحادثة رفاقه! شعرت بأنني غريبة وغير مرئية تماما, لا أحد.
لطالما كانت علاقتي مميزة بالأطفال, ولطالما أغويتهم بلعبة الرسم والألوان
لو كان الأطفال سوريين لكان اهتمامهم مختلفا حتما..
وتذكرت تجربة صديقتي الشابة التي عملت في مدرسة تركية خاصة كمعلمة رسم, وكم أدهشها تعاطي الأطفال الأتراك مع اللون والشكل, كان خالياً تماماً من الحماسة أو الشغف, وكانت تستميت لتسرق اهتمامهم وتستثير إحساسهم بالجمال.
يتملكني الفضول الآن لأعرف كيف ينشأ الأطفال هاهنا كي يكونوا بهذه اللامبالاة تجاه ما أراه فطرياً في الطفولة, وما وضع الحركة التشكيلية بشكل عام في بلدٍ كبيرٍ ومتطورٍ وقوي كتركيا؟..
على الهامش:
لقد خصصت أختي جداراً كاملاً في بيتها كي يمارس أولادها هوايتهم عليه في تلطيخه بالخطوط والألوان، ولم يكتفوا به بل ملأوا جدرن البيت كله دون أن يسوءها الأمر بل أعادت دهانه كاملاً في الصيف بكل بساطة.
Social Links: