فراس سعد
تركت الحرب في سوريا وما أعقبها من حصار آثارا بعيدة المدى على المجتمع السوري، وأكثر من تأثر بها هم الأطفال، الذين يحرمون من التعليم، فهؤلاء الأطفال خلال عقد من الزمن أصبحوا بسبب دمار البنية الاقتصادية إما عاطلين عن العمل أو مقاتلين وفي الوضعية السورية الحالية يبدو أن النموذج الأفغاني يمكن أن يتكرر من حيث تفشي الأمية والهجرة وازدهار تصنيع والاتجار بالمخدرات وعلى رأسها الكبتاغون وغير ذلك.
فلم تعد إحصاءات الأمم المتحدة بخصوص حالة الفقر في سوريا والتي تظهر أن تسعين في المئة من السوريين تحت خط الفقر، مهمة بعد الآن، فالسوريون تجاوزوا موضوع الفقر وبتنا الآن أمام المجاعة التي ستهدد قريبا ثمانية ملايين سوري في داخل سوريا (مناطق النظام والمعارضة على السواء) كما هي تهدد مليوني فلسطيني في غزة.
ومن الواضح أن ملايين جديدة ستضاف بسرعة إلى نصف الشعب السوري الذي يعاني الفقر والعوز، بسبب تعنت النظام وحلفائه، ولكن أيضا بسبب العقوبات التي أثّرت بشكل عميق على الشعب السوري.
مسؤول رفيع في البرلمان الأوروبي يقول إن إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح حرب في غزة، وتقول وزيرة بلجيكية لا يمكن هزيمة حماس بتجويع المدنيين في غزة، وهذا ما تفعله بالضبط أميركا والنظام السوري وروسيا وإيران بحق الشعب السوري، كل بطريقته، يستخدمون التجويع كسلاح حرب وسلاح ضغط وسلاح دبلوماسي بل وسلاح سياسي عند اللوبي المعارض في أميركا.
لماذا لا تصدر الولايات المتحدة قانوناً موازياً لقانون قيصر وقانون مناهضة التطبيع يهتم بتخفيف آثار هذين القانونين عن الشعب السوري ؟
وفي الوقت الذي يزداد فيه الشعب السوري جوعاً ولم يعد باستطاعة الشاب العامل في نهاية عمله كل يوم شرب فنجان قهوة وفي وقت تغلق فيه المطاعم الشعبية التي تبيع الحمّص والفول في الساحل لعجز السوريين عن شراء أرخص وجبة صباحية يمكن أن يتناولوها فإن مطاعم الخمس نجوم تزداد عدداً في العاصمة دمشق واللاذقية. إذ يرتادها مسؤولون مرتشون وأمراء حرب وتجار ممنوعات ويبلغ ثمن أقل وجبة غداء لشخصين فيها سبعين دولاراً وهو ما يعادل راتب شهر لأربعة موظفين حكوميين في سوريا!
يقول رئيس لجنة الامم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، السيد بينيرو : “عندما لا تتم مراجعة العقوبات بشكل كافٍ، يمكن أن تؤدي إلى مزيد من أوجه النقص وعرقلة المساعدات الإنسانية للسكان الأكثر ضعفاً، ما يؤثر بشكل مدمر على الجميع باستثناء النخبة السياسية والاقتصادية”. بحسب تقرير “سوريا نحو الهاوية: لجنة الأمم المتحدة بشأن سوريا تحذر من تصاعد العنف وانهيار الاقتصاد وكارثة إنسانية” الصادر في 09 آذار/مارس 2022.
هنا نسأل لماذا لا تصدر الولايات المتحدة قانوناً موازياً لقانون قيصر وقانون مناهضة التطبيع يهتم بتخفيف آثار هذين القانونين عن الشعب السوري ؟!
لا يمكن هزيمة نظام الأسد بتجويع الشعب السوري
يجمع قسم كبير من المعارضة السورية أن الولايات المتحدة هي من منعت انتصار الثورة السورية، مثلما منعت إسقاط بشار الأسد وما زالت ترعى بقاءه، ويذهب آخرون للتأكيد على أن واشنطن هي من هندست بقاء نظام الأسد ومنحته شرعية الاستمرار مع بشار.
وفي وقت تقوم فيه أميركا بالتشدد في تنفيذ قوانين العقوبات على سوريا تتغاضى عن دعوته لحضور مؤتمر القمة العربية الذي سيعقد في دولة البحرين بأيار القادم، ربما كان تغاضي الأميركي عن دعوة الأسد مقابل موقف الأخير اللامبالي من الحرب على غزة، إذ أن نظام “الممانعة” هذا لم يكلف نفسه طوال ستة أشهر إصدار بيان رسمي يدين فيه الحرب الاسرائيلية على غزة!
في الحقيقة إن إسقاط نظام الأسد لا يمكن أن يتم بتجويع الشعب السوري. نعم إن أميركا تمارس سياسة تجويع الشعب السوري في الداخل بحجة محاصرة نظام بشار الأسد، على ذات الشاكلة التي تمارسها اسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني في غزة بحجة محاربة حماس.
إن معاقبة نظام الأسد ممكنة، بطرق لا تؤذي الشعب السوري الذي لا ذنب له في بقاء هذا النظام.
هل يمكن إيجاد قنوات إنسانية موازية لقوانين العقوبات؟
إنّ معاقبة نظام الأسد ممكنة، بطرق لا تؤذي الشعب السوري الذي لا ذنب له في بقاء هذا النظام، فمثلما ابتكرت الولايات المتحدة ميناء غزة لاختراق تعنت النظامين الإسرائيلي والمصري في منع المساعدات عن أهالي غزة، يمكنها كذلك الأمر ابتكار طرق لاختراق استغلال النظام السوري للعقوبات ومنع استخدامها لمزيد من إفقار السوريين وتجويعهم.
على سبيل المثال يمكن للمنظمات الدولية المعنية بالإغاثة منح العائلات الفلاحية الأشد فقرا مبالغ مالية أو قروضا لإنشاء مشروعات صغيرة (تربية دواجن أو أبقار أو لشراء خلايا نحل أو زراعة الفطر..) وفي المدن يمكن منح أصحاب الورش المغلقة أو المتعطلة قروضا ومنحا لتوفير مصادر للطاقة والمواد الأولية.. وعلى الصعيد الوطني يمكن للأمم المتحدة والمنظمات المعنية بالتنمية تأسيس مشاريع لتوليد الكهرباء النظيفة من الرياح أو البحر وهو أمر حيوي وحاسم لإنعاش الصناعات المتوسطة والصغيرة الحجم وهو ما يساعد في تشغيل العاطلين عن العمل ووقف الهجرة وإعادة الدورة الاقتصادية إلى حالتها قبل سنوات، ولو بحدها الأدنى.
إن تجويع شعوب الشرق الأوسط جزء من سياسة خارجية أميركية طويلة الأمد، لتدمير الشعوب ببطء وهندسة مستقبلها بما يلائم مصالح الولايات المتحدة البعيدة واستراتيجيتها الوحيدة للمنطقة العربية التي تختصر بالنهب والاستنزاف والفوضى والتهجير.
إن هذا أمر واضح وجلي لكل مبصر وصاحب ضمير، وتجارب حصار سابقة لبلدان في آسيا وإفريقيا تشهد على ذلك.
Social Links: