هيفاء الحاج حسين
نمنمات سورية
ترنو من شفة الشبّاك، وترمي جمالها للشارع تارةً وللسّماء تارةً أخرى كما يشاء لها نسيم الرّبيع، فتتبدى بعذوبة مفردات الحبّ من شفاهٍ عاشقة.
إنّها زنابقي السّوريّة العطِرة التي لا أملّ اجتراح الأمل والحكمة منها في كلّ مرّةٍ تتفتّح فيها وفي كلّ موسم، ودوماً أراهن على حسن إصغائكم للأفكار الصّغيرة الّتي تثيرها فيّ وأنثرها بفرحٍ على الأزرق.
أليست فكرةً خلّاقةً أن تعاصر الزنابق أجيالاً كثيرةً مرّت بها؟ فتراها تمتصّ أفكارنا ومشاعرنا، أحزاننا وأفراحنا حين تتنفّس الكربون الذي نزفره، وبالمقابل نستمدّ منها جمالها وعشقها للحياة وعبق روحها حين نتنفّس الأكسجين الذي تطرحه بلا مِنّة.
أتيت بها لأوّل مرّةٍ من مزرعة حماي في داريّا منذ عقدين ونيّف.
توفي حماي، وتوفيت حماتي وابنتهما، وتوفّي زوجي، والزنابق شاهدةً على حياتهم وموتهم في آن. لا أعرف كم كان عمرها لديهم، كم من الأجيال عاصرت، وكم من البيوت أضاءت وأرّجت وأبهجت!
نزرع البصلة، تتفتح في موسمها، ثمّ تنام طيلة الصّيف من غير سقاية وهي حبلى ببصيلاتٍ جديدةٍ ومضاعفة، تنتش وتبرعم من جديد.
إنّها معجزة الخلق، وبوابة الأمل التي لا يمكن لها أن تنغلق، وامتداد الحبّ عبر العصور.
يقال أنّ القمح الحورانيّ هو أقدم وأجود قمحٍ في العالم، حتى إني سمعت عن بوش تهديداً يقول: سندمر أهم عمارتين في سورية القمح والشعير، ويقال أيضاً إنّ الفاسدين ضيّعوه واحتكرته الشركة العابرة للقارات لتبيعنا قمحها المعدّل وراثياً!
لا أدري مدى صحة هذا الخبر لكنّه كارثيّ!
لا سلطة لي إلّا على زنابقي، تلك التي لا تسمن من جوعٍ ولا تغني لكنّني على الأقلّ أثق بأنّها أصيلة، وتحمل أنفاس أهلي وعبق محبّتهم، وهذا يمدّني بالقوّة، والأمل، والعزيمة.
Social Links: