د زياد ماجد
الأولى، أن إيران بعثت برسالة مفادها أن الهجمات الاسرائيلية المتكرّرة على قواتها ومراكزها وخطوط إمدادها في سوريا ستؤدّي بعد الهجوم الأخير على القنصلية الى ردود عسكرية مركّبة، بعضها مباشر وبعضها عبر الحلفاء والأذرع الإقليمية.
الثانية، أن إيران بعثت في نفس الوقت برسالة مفادها أنها لا تريد الحرب الشاملة، لا مع إسرائيل ولا مع حليفتها أميركا. فردّها لم يهدف الى إلحاق أذية أو أضرار جسيمة في الداخل الاسرائيلي تستدعي المزيد من الصدام، وتل أبيب وواشنطن امتلكتا ما يكفي من الوقت لإسقاط معظم المسيّرات والمجنّحات والصواريخ الباليستية المستخدمة. وهذا يعني عودة الى قواعد اشتباك، خرق قصف القنصلية الإيرانية شروطه فجرى الردّ عليه في استعراض قوّة (في سماء المنطقة) أفضى الى توتّر وترقّب من دون خسائر إسرائيلية (على الأرض).
الثالثة، أن إسرائيل استفادت من الردّ الإيراني لتحوّل الأنظار عن الإبادة الجماعية في غزة وعن التطهير العرقي في الضفة الغربية ولتحشد تأييداً غربياً جديداً لها كانت قد فقدت بعضه في الآونة الأخيرة بسبب مذابحها المستمرّة ضد الفلسطينيين منذ ستة أشهر. لكن إسرائيل خسرت في المقابل حرّية تحرّكاتها وضرباتها العسكرية المعهودة من دون خشية ردّ على هجماتها، وباتت مضطرّة لأخذ ذلك في عين الاعتبار، ولزيادة التنسيق مع الأميركيين قبل شنّ هجمات جديدة واسعة على الإيرانيين.
وهذا يوصل الى الملاحظة الرابعة، وهي أن أميركا التي لا تريد أي تصعيد إقليمي واسع في سنة إنتخابية رئاسية وفي لحظة دولية شديدة الاحتقان، أظهرت استعدادها الميداني للدفاع عن “أمن إسرائيل”. لكنها، وفق ما قاله بايدن مباشرة لنتنياهو، لا تريد المشاركة في عملّيات هجومية إسرائيلية ضد طهران وتريد من تل أبيب التمنّع عن توريطها أو “إحراج” حلفائها الآخرين في المنطقة، والبقاء ضمن حدود الصدام السابق لقصف القنصلية، المحسوب النتائج والتبعات.
هل ستحترم إسرائيل “توصيات” أميركا؟ وهل ستردّ على الردّ الإيراني على نحو يتخطّى حدود “المقبول” لتستعيد زمام المبادرة؟ وماذا سيكون عليه ردّ إيران حينها؟
يصعب الجزم بكل ذلك. فبين اليمين الفاشي المحيط بنتنياهو في حكومته، الراغب في توسيع نطاق الحرب لتمكين الجيش والمستوطنين في ظلّها من تنفيذ المزيد من جرائم الإبادة والتهجير ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وبين نتنياهو نفسه الذي يرى أن هناك فرصة اليوم لإضعاف إيران وحزب الله، وبين ضغط واشنطن لكبح الجماح الحربي الإسرائيلي (في المنطقة، وليس في غزة)، وبين طهران وحلفائها (وأوّلهم حزب الله) الملزمين بعدم الانحناء فقط أمام العاصفة وإنما مواجهتها إذ تتخطّى حدوداً معينة (من دون المجازفة بتحويل الوضع الى حرب كبرى مفتوحة)، ثمة ما يمكن أن يخرج في الميدان عن نطاق الحسابات والردود المدروسة، وأن يُفقد واشنطن القدرة على ضبط جغرافيا التوتر وحدّته وتداعياته.
الأكيد في أي حال أننا في مرحلة سيستمرّ العنف والصدام فيها طويلاً، بأشكال مختلفة، وسيرسم ملامح ما سيليه بعد حين، إن داخل الدول المعنية مباشرة به أو في المنطقة ككلّ…
ز.م.
Social Links: