ماجد حمدون – رئيس #الكتلةالوطنيةالجامعة في سورية
يتوالى علينا بين الفينة والأخرى تجار استيراد الأفكار والمفاهيم وتجارب بناء الدول لأنظمتها السياسية ، وكان أخرها استيرادهم لنموذج الدولة الديموقراطية التوافقية ، والترويج له لإلباسه على نموذجنا الديموقراطي السوري المرتجى ، الذي لم يبصر النور بعد ، لإثارة الخلافات بين السوريين التي لا الوقت وقتها ولا المكان مكانها -غير مدركين أن طراز الواقع يحدد طبيعة الفكر ويؤطر تجلياته – والتي سيكون ثمن تطبيقها المزيد من التخبط والتشويه كونها لا تراعي أحوالنا . وتعاميهم عن رؤية نماذج الديموقراطيات السياسية التنافسية الناجحة التي تطبقها أكثر من ثلاثة أرباع شعوب الأرض .
ومن يستعرض التجارب الديموقراطية العالمية في إداراتها لشؤون حكمها سيجد أن لكل حكم سياسي خصوصيته وخلفيته التاريخية وجذوره ومقوماته التي يتميز بها مجتمعه ، ولهذا كانت الديموقراطية في العالم ديموقراطيات وليست ديموقراطية واحدة ، كون شكل النظام السياسي لأي بلد لابد أن يعكس واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي .
إن المروجين لفكرة الديموقراطية التوافقية كأُسلوب لإدارة شؤون الحكم في سورية وادعائهم أنها سبيل خلاص السوريين من محنتهم ، ليسوا أكثر من مروجين لمشاريع القوى الأجنبية المحتلة التي تستهدف اقتسام النفوذ فيما بينها ، بواسطة أدواتها التشغيلية التي تسمى سلطات الأمر الواقع تمهيداً للفيدرالية . والديموقراطية التوافقية القائمة على الجزئية العرقية والدينية والطائفية والمذهبية إن طبقت لا قدر الله سيتم من خلالها اقتسام السلطة وصلاحياتها كغنيمة بين مكونات الشعب السوري التي ستمثلها أحزاب غير مدنية عنصرية ودينية وطائفية ومذهبية تتنافى والديموقراطية . وكل ذلك مبني على أكذوبة أن ما يجري في سورية منذ عام ٢٠١١ هي حرب أهلية بين مكونات الشعب واستحالة عيشها المشترك ، وليست ثورة وطنية شعبية ذات أهداف عامة ، والحل عند أولئك لا يكون إلّا بدولة المكونات الفاشلة وفق النموذج العراقي الفاشل اليوم . علماً أن بناء الدولة الديموقراطية التوافقية ابتدعت أصلاً كصيغة جديدة في إدارة النزاعات الداخلية والحروب الأهلية في المجتمعات التعددية ، وهي الدولة التي لاوجود لها في العالم سوى النموذج العراقي الفاشل الذي أسسه بريمر في العراق بعد احتلاله . ولن تكن الفيدرالية إلّا الأداة التنفيذية للديموقراطية التوافقية التي ستعبِّد الطريق نحو الانفصال وتفكيك الكيان السوري ، ومثال ذلك ما يجري في المنطقة الشرقية من قِبل العصابة الانفصالية العابرة للحدود ، وعلى ضوء ما جرى في العراق الفيدرالي حيث أعلن اقليم كردستان عام ٢٠١٧ انفصاله عن العراق مع استمرار الدعوات التفكيكية لتأسيس اقليم الجنوب تارة وإقليم الغرب تارة أخرى ، وكل ذلك لمحو سورية الواحدة الموحدة عن الخارطة السياسية للشرق الأوسط وتأسيس دول الكانتونات المجهرية ، عوضاً عن إقامة الدولة الديموقراطية السياسية القائمة على المواطنة والتي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات دون أي تمييز على أساس اللغة أو الدين أو الطائفة أو المذهب ضمن سورية الواحدة .
إن الأخذ بالديموقراطية التوافقية ستغذي الحساسيات والانتماءات الضيقة الدموية والعصبوية بشكل مستمر لمجتمع ما قبل الدولة الحديثة وتمنع الاندماج الاجتماعي ، كون التنظيمات المنبثقة عنها تتحصل على شعبيتها في الشارع من خلال التمركز على ذاتها وحفرها الخنادق بين مكونات الشعب السوري وتحويلها التدافع الاجتماعي الإيجابي إلى صراع إقصائي . كما تؤدي لبروز مراكز القوى وتعطل عمل المعارضة السياسية ورقابتها على عمل الحكومة التي تحتاجها الديموقراطية . إضافة إلى أن هذا النوع من الديموقراطية سيكون حاضنة الفساد بسبب محاصصاتها الوزارية والإدارية كون محاسبة الفاسدين ستؤدي لانفراط عقد الحكومة ، وكم مِن مرة عبَّر أكثر من رئيس وزراء عراقي عن عدم قدرته إزاحة الوزراء الفاسدين في حكومته لأن الوزير أو المسؤول مرشح من قِبل مكون ما حسب ما ينص عليه الدستور في توزيع المسؤوليات بين المكونات ، ويكون ولاء الوزير أو المسؤول لمكونه الفرعي الذي قدمه لشغل منصبه وليس للوطن .
ونرى من الضرورة بمكان ذكر بعض المقارنات بين الديموقراطية التنافسية والديموقراطية التوافقية لتبيان الفروق بينهما وآلية اشتغال كل منهما وتبيان المخاطر المدمرة التي ستواجه الشعب السوري حال الأخذ بالأخيرة أسلوباً لإدارة شؤون الحكم وحتى لا يتم خداع الوطنيين السوريين بمفردتي الديموقراطية والتوافقية :
1- الديموقراطية التنافسية تقوم على مبدأ المواطنة والولاء للوطن ؛ في حين أن الديموقراطية التوافقية يكون الولاء للمكون الفرعي اللغوي أو الديني أو الطائفي أو المذهبي .
2- القرار في الديموقراطية التنافسية يتطلب أكثرية الأصوات ؛ أما في الديموقراطية التوافقية فهي تشترط إجماع كافة مكونات المجتمع وفِي حالة عدم تحققه سيدخل البلد حالة عطالة سياسية أو الدخول في حرب أهلية بين المكونات .
3- الديموقراطية التنافسية تتعامل مع المواطنين الأفراد بشكل مباشر ؛ في حين تتعامل المكونات في الديموقراطية التوافقية مع بعضها وكأنها دول تتفاوض فيما بينها .
4- الديموقراطية التنافسية تتمتع بالقدرة على مواجهة الضغوط الخارجية والأزمات السياسية ؛ في حين أن الديموقراطية التوافقية تكون أقل قدرة في هذا .
5- الديموقراطية التنافسية المستندة إلى مبدأ المواطنة يبقى تعاقدها المجتمعي الدستوري مرناً ومفتوحاً للمواطنين جميعاً نتيجة الحراك الاجتماعي المتجدد ؛ في حين أن هذا التعاقد في الديموقراطية التوافقية يبقى جامداً .
6- الديموقراطية التنافسية تدار فيها اختلاف المصالح بشكل سلمي ؛ في حين أن الديموقراطية التوافقية ليست اكثر من مجرد اتفاق هش بين عدة مكونات يمكن أن يتبعها حمل السلاح في مواجهة بعضها البعض .
الخلاصة :
• يعتبر بناء النظام السياسي الديموقراطي التنافسي المستند إلى مبدأ المواطنة المدخل الأولي للتحول الديموقراطي السليم للشعوب التي تتصف مجتمعاتها بالتعدد والتنوع ؛ ورفض بناء النظام الديموقراطي التوافقي ومؤسساته القائمة على المحاصصات المكوناتية بين أبناء الشعب السوري الواحد كونها تهيء الأرضية للحرب الأهلية .
• علينا الاعتراف بالحقوق الخاصة لكل مكون مجتمعي للحيلولة دون استبداد الأغلبية بالأقلية وتلافي التأثير الخارجي والتي تأتي مع بناء النظام الديموقراطي التنافسي وإرساء مبدأ المواطنة حيث السبق للحقوق العامة على الحقوق الخاصة .
• الحقوق الخاصة بأي مكون من مكونات المجتمع السوري يجب أن تكون عبر الأخذ بما جاء في العهد الدولي الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، كذلك إعلان الأمم المتحدة الخاص بحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية وإثنية ولغوية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وتبيئتها وملائمتها لدولتنا الجديدة المأمولة بعد التحرير .
• على السوريين التصدي لمحاولة تسويق فكرة بناء الدولة الديموقراطية التوافقية من خلال الأخذ بحل ما يسمى بالقضية السورية بأُسلوب التحرك من الأدنى إلى الأعلى والتي لا يمكن اعتبارها إلا تجسيداً للفيدرالية القائمة على المحاصصات العرقية والطائفية والمذهبية التي ستستولد بالضرورة دويلات الملل والنحل والأعراق الانفصالية لصالح المشروعين الصفوي والصهيوني .
Social Links: