د جمال الشوفي
في محطات الثورة السورية ثمة التباس يكتنف تداخلاتها ومحاورها ومعطياتها، فبين فرضية سلطة النظام بكونها حرب على الإرهاب وبين هي ثورة تعددت فرضيات حلها ومقوماتها بتعدد الأيديولوجيات والأحلام والأماني التي حملتها، هذا الالتباس تمظهر في محطات طويلة ومتعرجة يمكن رصدها واقعيًا.
سورية من الثورة للحرب، من التظاهرات السلمية التي اجتاحت المدن السورية إلى كثافة التدخلات الإقليمية والدولية العسكرية والسياسية.. مسارات ومحطات، تتعرج وتتداخل يمكن تحديدها في مفاصل لا يمكن أن تستنفذها أي منها منفردة:
التظاهر السلمي وثورة “الشعب السوري الواحد”: ثورة الشباب التوّاق للحرية ودولته العصرية، دولة الحق والقانون، دولة الحريات في ممارسة العمل السياسي وحق التظاهر السلمي وتشكيل المنابر والأحزاب والمنظمات المدنية التي تصونها وتكفلها الدساتير، دولة ينظر إليها السوريون أنهم يستحقونها، وبأنهم ليسوا أقل إمكانية من أقرانهم في دول العالم المتقدم. في هذه المرحلة تشكلت لجان التنسيق المحلية، وهيئة توثيق الانتهاكات، والتي شكلها الصحافيون السوريون الشباب والناشطون في مجال حقوق الإنسان من سائر ومختلف الخلفيات العرقية والدينية، والطبقة العاملة في سورية.
قد يختلف الكثيرون حول طول مدة هذه المرحلة وقصرها، بين ستة أشهر لما يزيد عن 18 شهر، تلك التي وثقتها أسماء وتظاهرات الجمع السورية بدءًا من جمعة “الكرامة” في 25/3/2011، وجمعة “رغيف الدم” مثلًا أواخر 2012، وبشكل متتالٍ أسبوعيًا، ووصلت في بعض المناطق لليومية. المؤشرات والتقارير الدولية والعربية أثبتت أحقية هذا الشعب في مطالبه المشروعة في التغيير والثورة؛ فمبكرًا أصدرت الجامعة العربية بيانها الأول رقم 148 في 27/8/2011 جاء فيه: ضرورة تحكيم العقل قبل فوات الأوان، مُبديًا مجلسها قلقه من سقوط آلاف الضحايا في إثر الاحتجاجات الشعبية منذ 15/3/2011، مؤكدًا على حق الشعب السوري بالحياة الكريمة وتطلعاته المشروعة بالإصلاح السياسي والاقتصادي وتحقيق تطلعاته بالعزة والكرامة.
مرحلة الرجحان السلمية-العسكرية والتحول التدريجي للعمل العسكري وتشكيل فصائل الجيش الحر من العسكريين والضباط المنشقين عن الجيش الذي استخدم في قمع المتظاهرين واعتقالهم، وقد ترافق هذا مع استمرار المظاهرات السلمية وعمل سياسي كثيف في أروقة المعارضة السورية تجلى بتشكيل صيغة المجلس الوطني التي تطورت إلى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة وهيئة التنسيق الوطنية (راجع الملحق رقم 5) هذا مع تحذيرات عديدة من صعوبة التحكم بالمسار العسكريّ ونتائجه الخطيرة الممتدة لزمن، والتي حاولها ياسين الحاج صالح مبكرًا: في القول:”إن الثورة اضطرت لحمل السلاح،ولا ينبغي أن يمنع، ومنذ الآن، يجب التفكير في سبل مواجهة هذه المضاعفات والتخفيف من آثارها”(الحاج صالح، ص 105).
مرحلة التدخلات الإقليمية وتنامي التطرف والإرهاب، حيث ترافقت تدخلات حزب الله الطائفية والميليشيات الإيرانية، مع تنامي الفصائل العسكرية ذات الصبغة الإسلامية واضمحلال وتآكل فصائل الجيش الحر واغتيالات قادتها الأوائل، المرحلة التي تفاقمت فيها نزعتا الكراهية والعنف وتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي وتعدد الجبهات والمتحاربين، وتراجع فيها-شبه كلي- المظاهرات السلمية، وترافق ذلك مع ظهور الفصائل الإرهابية المتطرفة دينيًا متمثلة بداعش والنصرة.
مرحلة التداخلات الجيوبوليتكية الدولية العسكرية، والتي دشنتها روسيا في سبتمبر 2015، بإعلانها التدخل العسكري الجوي بداية في سورية ولمدة أربعة أشهر حسب تصريحات فلادمير بوتين، رئيسها وقتها، وها هو ذا تحول تدخله إلى حرب مفتوحة مستمرة حتى اليوم، والتي أتت على التهجير الداخليّ السوريّ والسيطرة على أرض سوريا عسكريًا، وحسب تقارير وزارة الدفاع الروسية “أن أكثر من 63 ألفاً من العسكريين الروس، بينهم 26 ألف ضابط و434 جنرالًا، نالوا خبرات قتالية عملية في سوريا، فضلًا عن الخبرات التي اكتسبتها 91% من طواقم الطيران الحربي و60% من طواقم الطيران الاستراتيجي الروسيين”.. وقد ترافق هذا مع التدخل الأمريكي ومن خلفه حلف الناتو في الحرب على داعش شرق الفرات، وتوجه الأكراد فيها لتشكيل شبه حكم ذاتي مدعومًا من قوى التحالف ذاتها.
من المهم التذكير هنا بضرورة العودة لدراسة المحاور الجيوبوليتكية التي تشكلت على أرضية هذه التدخلات ونظرياتها السياسية ومحاورها العسكرية بين الأستانة وجنيف، التي سنأتي على دراستها لاحقًا
Social Links: