يوميات دمشق

يوميات دمشق

سلوى زكزك


أستغرب من ملابس السوريين التي تلتصق بهم، وتستغربون ممن يتعرى ويسرح في الشوارع قانطا مستوحشا!
أستغرب من ملابس تلتصق بصدور أصحابها من شدة الحر وإنعدام الحيلة! وتستغربون من امراة تستحم عارية في حديقة عامة مشهورة..!
إنه ليس الجنون…هو العقل المتخم بالقهر الذي لم يعد قادرا على البقاء في جوف مغلق..هي الروح التي ضاقت بملابس لا ترد حرا ولا بردا ولا شتيمة أو اعتداء..
رأيت بأم العين امراة تمزق عباءتها بأسنانها عندما وجدتها على عربة لبيع الألبسة المعفشة..رأيت رجلا يلف بنطالا التقطه من الحاوية بسلك معدني رفيع كي لا يغادر جسده النحيل المنطوي على الحرمان وكسرة الروح..
رأيت رجلا يستبدل شحاطة البلاستيك المهترئة والمكسورة بحذاء وجده قرب الحاوية! ومن فرط سعادته لو وجد مرآة حينها لتفرج مليا على حذائه الجميل الذي بدا له جديدا ومتينا..
رأيت امراة تستبدل حذائها الذي ربطت أسفله المهترىء بمطاطة صفراء بحذاء منحته لها امرأة تسكن في البناء الملاصق لمكان عبورها..خلعت حذاءها ولم ترمه في حاوية القمامة..وضعته بجانب الحاوية مربوطا بالمطاطة وهي تقول ربما تجده امرأة تقبل به لأنها قد تكون بلا حذاء..
وما الملابس إلا لتزوير حقيقة أننا دافئون ورطبون وأصحاء ومتوازنون..
أتذكر تلك المرأة التي طلبت أزرارا لمعطفها الذي توسعت عرواته وجمعتها بالشناكل الواخزة..تلك الطفلة التي قالت لمن منحها كنزة حمراء رخيصة لكنها جديدة:( بدي وحدة زهرية لأختي..أختي بتحب اللون الزهري)..
وما الجنون إلا الانتقال بخفة غير مرئية ما بين العقل وانعدامه..الجنون أن تتحول تلك الحديقة لمرآب للسيارات الفارهة في بلد جائع! لا أن تغتسل فيها امرأة سلبوا عقلها وتركوا لها ثيابها ملطخة بالفجيعة..
أتذكر امرأة هاربة من تهجير مريع ترتدي فردة واحدة من شحاطتها البيتية، وبيدها دعاسة باب الدار..التقطتها وهي تهرب بقدم عارية..تحضنها كرضيع وتشمها كحبيب يرعبها خسارته..
الجنون لغة متكاملة تقول كل شيء وتفصح عن المسكوت عنه ..الجنون أن نبقى عقلاء في أرض مجنونة….

  • Social Links:

Leave a Reply