الدكتور خالد المسالمة
لقد مر كيان الدولة عبر مسيرة التاريخ البشري في عدة مراحل خلقت أشكال ونماذج متعددة من الدول والكيانات السياسية. فمن دولة القبلية إلى دولة المدينة الواحدة، مروراً بدولة الإمبراطورية. وقد كان مؤتمر الصُّلح الذي عقد في مدينة “مونستير” الألمانية، والذي أنهى حرب الثلاثين عام التي جرت في أوروبا بين عامي 1618 حتى 1648 والمعروف “بمؤتمر “فيستفاليا” من أهم المؤتمرات الدولية التي أسست لمفهوم الدولة الحديثة. فقد نتج عن هذه المعاهدة بشأن الدولة الأسس التالية:
الاعتراف بحدود الدول
الاعتراف باستقلالية الدول وعدم التدخل بشؤون الدول الداخلية
بالإضافة لاحترام حرية الاعتقاد لمواطني الدول.
وكان هذا تطور نوعي تم توثيقه عبر المواثيق والمعاهدات الدولية، والتي لازالت حتى اليوم سارية المفعول.
ومع مرور الزمن تطور مفهوم الدولة وأليه تشكيلها، واستقرت البشرية خلال القرون الماضية وتوصلت إلى ثلاثة أشكال ونماذج واضحة ومعرفة الأسس، ومتعارف حولها بين الأوساط العلمية والأكاديمية والسياسية، وفي أروقة المنظمات الإقليمية والدولية. والنماذج الثلاثة هي:
الدولة المركزية البسيطة.
الدولة الإتحادية أو الدولة الفدرالية.
اتحاد الدول (الكونفدرالية).
وسنشرح كل واحدة على حدة:
نموذج الدولة المركزية البسيطة أو الدولة ذات البعد الواحد.
تلك الدولة هي التي تخضع مؤسساتها إلى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الوحيدة القائمة في الدولة، وفي العادة المتواجدة في مركز الدولة وهي العاصمة. فالسلطة التنفيذية تحتكر مهمة تمثيل الشعب والدولة خارجيا، وتحتكر مهمة الدفاع عن الدولة والشعب من الأخطار الخارجية، وتحتكر أيضاً صلاحية إدارة شؤون الدولة والشعب في كل المجالات داخلياً. وكذلك كل من السلطة التشريعية والسلطة القضائية الواحدة في الدولة تحتكران تحمل المسؤولية في شؤون الشعب والدولة، وذلك كل في مجاله.
نموذج الدولة الإتحادية أو الدولة الفدرالية أو الدولة المركبة ذات البعدين.
وهي دولة نشأت تاريخيا من خلال اتحاد عدد من الدول كانت قائمة قبل الشروع بتوحيد ها في كيان سياسي ودولة واحدة، دول مستقلة عن بعضها البعض. في الدولة الفدرالية تتشكل سلطات تنفيذية (الرئيس أو الملك والحكومة) وتشريعية (البرلمان الاتحادي+ ممثلي الولايات أو مجلس الشيوخ مثلاً)، وسلطة قضائية مركزية تقوم في الإشراف على مؤسسات الدولة الإتحادية، كما هو الحال في الدولة المركزية ذات البعد الواحد. لكن في الدولة الإتحادية تتشكل سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية محلية موازية لكل ولاية أو دولة دخلت كعضو ومكون من مكونات دولة الإتحاد، وذلك بالتوازي مع السلطات المركزية لدولة الإتحاد. لكن هذه السلطات المحلية الموازية للسلطات المركزية تتخلى عن عدد من الصلاحيات والسلطات التي كانت تمتلكها قبل تشكيل الكيان والدولة الجديدة، لصالح السلطات الاتحادية المركزية، وذلك حسب الأسس والبنود المنصوص عليها في العقد المبرم بين الأطراف المشاركة في تشكيل دولة الإتحاد، الدولة الفدرالية.
المتعارف عليه وبشكل عام تحتكر السلطات الإتحادية: مهمة التمثيل الخارجي والسياسة الخارجية، ومهمة الدفاع عن الدولة الإتحادية والشعب، وكذلك إدارة الثروات الطبيعية والمواد الأساسية للشعب، كالطاقة والمياه والتجارة الخارجية في الجوانب الإستراتيجية، وحماية المرافق العامة للدولة الاتحادية، مثل المطارات والموانئ ومحطات القطار والسكك الحديدية والطرقات العابرة للولايات والحدود الدولية.
وتتولى الحكومات والسلطات المحلية للدول والولايات المكونة للدولة الإتحادية مهمة: إدارة الشؤون الصحية والتعليمية والتربوية والبناء والعمران للولاية والانتاج الزراعي والصناعي، وذلك بالتوافق والتنسيق مع الحكومات والسلطات الفدرالية. هذا النموذج من الدول هو كالولايات المتحدة الأمريكية، وجمهورية ألمانيا الفدرالية، والإتحاد الفدرالي السويسري، وجمهورية الإتحاد الروسي، والإتحاد الماليزي، وغيرها الكثير من الدول شكلت كيانها السياسي حسب هذا النموذج.
نموذج اتحاد الدول، أي الكيان السياسي الكونفدرالي.
وهو النموذج الثالث في تشكيل الدول والكيانات السياسية. وهذا النموذج قائم على اساس استقلالية الدول المنضوية تحت هذا الكيان بشكل كامل، لكن ارتأت هذه الدول المستقلة المشتركة في كيان اتحاد الدول التنسيق العالي بين الحكومات والمؤسسات المنبثقة عن هذه الدول المستقلة عن بعضها البعض، وذلك إما نظراً لعامل التقارب الجغرافي، أو لعامل الوحدة اللغوية، أو حسب الرغبة في تنسيق المصالح الاقتصادية، أو المصالح العسكرية والأمنية بعيدة المدى فيما بينها، أو حسب الأسباب العوامل والاهداف التي تم ذكرها مجتمعة كلياً أو جزئياً.
مثال على ذلك دول الكومنويلث الانجليزي، ودول الفرنكوفونية الفرنسية، وأهم هذا النموذج هو نموذج الإتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة اوروبية. وفي منطقتنا العربية هناك مجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغاربي بين دول المغرب العربي وهناك تجربة اتحاد الجمهوريات العربية بين كل من مصر وسوريا وليبيا، وهذا الاتحاد لم يُّعمر طويلاً لأسباب لا مجال لذكرها هنا.
وتعمل هذه الدول المتحدة على: توحيد المواقف السياسية الخارجية، وتوحيد التعريفة الجمركية، وتكامل قوانين الضرائب وتنسيق وتسهيل التجارة البينية، والعمل على توحيد القضاء والمناهج التعليمية فيما بينها، وربما توحيد العملة والقوانين المصرفية، وغيرها من الجهود في جميع المجالات والمشاريع التي تتوافق حولها الحكومات والمؤسسات القومية لتلك الدول المتحدة. ويتم تشكيل سلطة تنفيذية او حكومة لتنسيق وقيادة هذه الجهود، وكذلك مهمة التنسيق بين حكومات دول الاتحاد الكونفدرالي. ويتم انشاء برلمان اتحادي يمثل شعوب دول الإتحاد، وتشكيل محكمة دستورية اتحادية، تراقب سن القوانين الاتحادية وقوانين الدول الاعضاء. لكن تبقى الدول الاعضاء مستقلة عن بعضها البعض، وتتصرف أيضاً كدول مستقلة، وتمثل مصالح بلدانها وشعوبها أمام الدول الأخرى والمؤسسات الدولية كدول مستقلة تماماً.
النماذج الإدارية لمؤسسات الدولة:
هناك نماذج تنظيمية إدارية تتبع في سبيل إدارة شؤون المواطنين داخل حدود الدولة. وهي تتراوح بين نموذج
نموذج الإدارة المركزية، ونموذج الإدارة اللا مركزية.
فالإدارة المركزية لشؤون المواطنين هو بناء وأسلوب تنظيمي وإداري شائع ومعتمد في عدد من دول العالم من أجل التعامل مع شؤون المواطنين الحياتية والإنمائية، وتقديم الخدمات للمواطنين عبر دوائر ومؤسسات الدولة التي تدار ويتم الإشراف عليها من قبل قيادات المؤسسات الإدارية في مركز الدولة وهي العاصمة، وذلك من خلال تنظيم مؤسسات ودوائر الدولة بكل مجال بشكل هرمي صارم. وقد تخلت الكثير من الدول عن هذا الشكل من التنظيم، حتى أن بعض الأنظمة السياسية العسكرية والدكتاتورية تخلت تدريجياً عن التعامل مع هذا النموذج التنظيمي لمؤسسات الدولة لعجز هذا النموذج عن تلبية متطلبات المواطن العصرية، وعدم جدواه وبطئ تلبية متطلبات وتقديم الخدمات للمواطنين، وارتفاع تكلفه عمل مؤسسات الدولة وجهد المواطنين.
وذلك على عكس مبدأ اللامركزية الإدارية الذي بات متبع في أغلب دول العالم، والمعروف بالشكل الأفقي لتنظيم مؤسسات الدولة الإدارية وتقديم الخدمية. ومن خلال هذا الشكل التنظيمي لمؤسسات الدولة في القرى والمدن والدوائر والمحافظات تمنح الفرصة لأبناء القرية والمدينة والمحافظة والولاية من إدارة شؤون قريتهم ومدينتهم ضمن الإستراتيجية العامة للدولة، وضمن الإمكانية والميزانية العامة للدولة. ويتم توزيع وتقدير أمكانية القرية أو المدينة أو المحافظة حسب وعبر التوافق مع مراكز الدولة المسؤولة في كل مجال. وبعد ذلك تترك إدارة شؤون القرية أو المدينة أو المحافظة للأفراد والمختصين الذين يتم انتخابهم وتعيينهم من قبل أبناء القرية أو المدينة أو المحافظة، وكذلك من خلال موظفي الدولة في تلك القرى والمدن والمحافظات. ويتم تنفيذ المشاريع حسب الإمكانيات المتاحة في المنطقة المعنية، وحسب ما تراه المؤسسات والقيادات المحلية. أي إدارة شؤون تنفيذية وإدارية وخدمية للمواطنين. وليس للسلطات الإدارة المحلية أي سلطة على الدولة والسلطات المركزية. والإدارة اللامركزية، ليس لها صلاحيات سياسية تنفيذية، لا محلية ولا وطنية، بل استشارية تقدم للسلطات المركزية.
ملاحظات عامة:
إن كل من النموذج الفيدرالي للدول، أو النموذج الكونفدرالي هما مشاريع سياسية لتوحيد المجزأ، وتوحيد الكيانات السياسية المستقلة عن بعضها البعض في كيان سياسي ودولة واحدة. ولم يحصل في التاريخ الحديث أن تم تطبيق نموذج الدولة الفدرالية أو الدولة الكونفدرالية كبديل عن الدولة الموحدة ذات البعد الواحد كسوريا مثلاً بقصد الإبقاء والمحافظة على كيان الدولة موحدا.
فجميع التجارب في هذا المجال أدت إلى انفصال أجزاء من الدولة الأم. ولم يتم بناء الدولة الفيدرالية او الكونفدرالية والمحافظة على كيان الدولة المعنية موحداً. والتجارب كثيرة في هذا المجال، لقد تمزق السودان وأنفصل جنوبه عن شماله، وأنشق إقليم شرق تيمور عن أندونيسيا، وانقاق باكستان عن الهند ومن ثم انشقاق بنغلادش عن الباكستان، وكذلك جمهورية تشيكوسلوفاكيا. في وقت أثبتت صيرورة التاريخ والسياسية بأن دول وشعوب العالم تتجه بشكل عام على التجمع والتكتل في كيانات سياسية كبيرة. والاشتراك في تحالفات كبيرة ذات مصالح أمنية أو اقتصادية أو ثقافية.
يتم تداول تعبير اللامركزية السياسية. وهذا التعبير ليس له وجود في الأوساط العلمية والسياسية العالمية. بل هو أحد اختراعات اصحاب العقل الموارب من السوريين، واسلوب من أساليب التذاكي من بعض الفئات السورية، والتي تحاول تمرير وتهريب النظام الفيديرالي أو الكونفدرالي وإسقاطه على الواقع السوري بكل الحيل.
فعندما وجدت هذه الفئات من النخب والسياسيين السوريين، وخاصة من بعض السياسيين السوريين الكُّرد المتحمسين لفكرة الانفصال عن سوريا، وأكتشف هؤلاء بأنه ليس من السهل تمرير مشروع الفدرالية أو الكونفدرالية وفرض ذلك على الشعب السوري، وبعد انكشافهم وتعرف أبناء الشعب السوري على ما هية ومضمون الاتحاد الفدرالي الذي يسعى له هؤلاء الانفصاليين، أخذت هذه الاطراف والقوى الانفصالية على عاتقها في خلط المفاهيم، بقصد ومتعمد، وعملت هذه الاطراف على الابتعاد عن لفظ التعابير المُدانة والمرفوضة شعبياً، كالفيدرالية والكونفدرالية، واستبدلتها بتعابير مبهمة وغامضة مثل تعبير اللامركزية السياسية الغامض وغير المُعرف، وغير المُتداول في الاوساط العلمية والسياسية العالمية. وإمعاناً منهم بمنهج الخداع والتضليل، والذي يعني بأسوأ حالاته تشكيل سوريا على أساس اتحاد الدول المستقلة، أي الكونفدرالية. وهذا ما رأينا بشكل جلي في دستور ما يسمى مجلس سوريا الديمقراطي /مسد/ عندما قسمت المدن والبلدات السورية لكونفدراليات. وبالواقع هناك فرق شاسع بين اللامركزية الإدارية التي تعني إدارة شؤون الناس اليومية عبر مؤسسات الدولة من خلال مسؤولين وموظفين محليين قريبين من مشاكل المنطقة ومصالح الناس، وبإشراف مسؤولين منتخبين محلياً ويتمتعون بثقة المواطنين، وبين تعبير اللامركزية السياسية المُبهم والمُوارب والذي يقصد منه تشكيل كيانات سياسية بسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وخلق مؤسسات دولة مستقلة عن بقية مؤسسات الدولة الام. تلك التي تقترب من مفهوم وأسس نموذج اتحاد الدول المستقلة عن بعضها البعض، أي الكونفدرالية والانفصال عن الدولة السورية.
الدولة المدنية:
تعبير الدولة المدنية الشائع والمتداول على نطاق واسع في الاوساط الشعبية والسياسية السورية والعربية تعبير أخر مُبهم، وليس معروف وليس مُعرف في الأوساط السياسية والعلمية. ولا يوجد ما يماثله ما يقابلها في الأوساط العلمية والسياسية العالمية. وهو تعبير الدولة المدنية. في الواقع إن كل الدول قائمة على أساس مؤسسات مدنية يديرها موظفون مدنيون، ما عدا بعض المؤسسات المختصة في الجانب العسكري للدولة، كوزارة الدفاع والجيش. لكن سياسيي ومثقفي سوريا والعرب يستعملون تعبير الدولة المدنية للالتفاف على نموذج دولة المواطنة الحديثة، دولة سيادة القوانين وحرية الصحافة، وتشكيل الأحزاب، وسيادة الديمقراطية وصندوق الاقتراع، الذي تمنح نتائجه شرعية الحكم وتشكيل السلطات التنفيذية والتشريعية. دولة فصل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية. والسبب أن فئة من النُخب السورية والعربية لا تريد الاعتراف بأسس الدولة الحديثة الواضحة المعالم والسائدة في العالم، نظراً للموروث الثقافي والديني الذي يجد حرج بتبني أسس وقواعد الدولة الحديثة الديمقراطية، والتي تقتضي تحرير الدولة ومؤسسات الدولة من سلطة القوى الدينية السائدة والمتحكمة بمشاعر وعواطف قطاعات واسعة من الجماهير. لذا تلجأ هذه النخب إلى المواربة واستعمال تعابير مُبهمة وغير واضحة، ولا تلزم صاحبها بأي موقف محرج، أو تبني نظام سياسي واضح المعالم، يشعر بأنه يتناقض مع قناعاته الثقافية والدينية الموروثة.
حق تقرير المصير:
هو حق مُعترف به دوليا”، فالشعب هو المجموعة البشرية التي تكونت داخل وطن وكيان سياسي بسلطات تنفيذية وسيادة قوانين ومؤسسات ونظم إدارية وتشريعية مشتركة، خلال أجيال وعقود زمنية طويلة. وحق تقرير المصير يُمنح لتلك الشعوب، التي تم استعمارها من قبل دول أخرى وتم محو وإزالة كيانها السياسي وفقدت هذه الشعوب استقلالها. كالشعب الجزائري مثلا أيام المستعمر الفرنسي الذي فقد استقلاله لمدة 132 عاما، والشعب الأحوازي الذي فقد كيانه السياسي واستقلاله منذ عام 1925 عقب الاجتياح الفارسي لأراضيه وإنهاء دولته التي استمرت خمسة قرون متواصلة. وكذلك الشعب الفيتنامي أيام الاحتلال الفرنسي والأمريكي لفيتنام، والشعب البولندي الذي فقد كيانه السياسي قرابة قرن ونصف قرن من الزمن. فقد تم تقاسم مناطق الدولة البولندية منذ عام 1795 حتى عام 1918 بين الامبراطورية النمساوية والامبراطورية البروسية والإمبراطورية الروسية. وكذلك الأمر بالنسبة للشعب التشيكي والشعب الاوكراني، تلك هي أمثلة من الشعوب التي فقدت كيانها السياسي واستقلالها بفعل فاعل، وبفعل الظروف التاريخية. تلك هي الشعوب التي يحُقُ لها، حسب القوانين الدولية وقوانين الأمم المتحدة حق تقرير المصير ودعمها لنيل استقلالها إن قررت ذلك. حق تقرير المصير وإزالة استعمار الدول والشعوب الذي أسس له الرئيس الأمريكي “وودرو ولسون” في عام 1918 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، من خلال قائمة مبادئ الصلح والسلم الدوليين (14 مبدأ). وكانت تلك المبادئ هي الارضية السياسية لإحلال السلام في أوروبا والعالم بعد تجربة الحرب العالمية الاولى الكارثية على البشرية. وقد تم تبني جوهر مبادئ ولسون من قبل عصبة الامم المتحدة بعد الحرب العالمية الاولى. ومن ثم تم تبني هذه المبادئ بشكل عام من قبل الامم المتحدة التي تشكلت عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وبتعبير أخر فإن حق تقرير المصير هو: حق يُمنح للشعب الذي فقد كيانه السياسي، وأصبح يعيش ضمن دولة وكيان سياسي أخر للاختيار بين الاستمرار في العيش في كنف الدولة والكيان السياسي القائم أو حق الانفصال عن الدولة التي يعيش بها، ويختار إعادة تشكيل كيانه السياسي المفقود.
فحق تقرير المصير المنصوص عليه دوليا لا يُمنح بشكل تلقائي، كما يروج لذلك بعض المتعصبين من الانفصاليين في سوريا وغير سوريا، لاي أقلية عرقية أو دينية تعيش في وسط شعب ودولة لمجرد أنها تتميز ثقافيا وعرقيا عن بقية أبناء الشعب الاخرين في الدولة التي تعيش بها هذه الاقلية. ففي العالم يعيش أكثر من /6500/ أقلية عرقية وقومية. ومئات من الاقليات الدينية والطائفية. فماذا يا ترى سيكون شكل العالم لو أن كل أقلية عرقية وقومية أو دينية يحق لها تشكيل كيان سياسي خاص بها؟ من المؤكد بأن حق تقرير المصير الذي تنص عليه القوانين الدولية لا يقصد ذلك أبداً.
ففي سوريا يعيش شعبٌ واحد، فيه عدد من الأقليات العرقية والدينية، وليس عدة شعوب. ففي الحالة السورية على سبيل المثال، ليس من حق الاقلية التركمانية أو الشركسية أو الكردية الطلب بحق تقرير المصير بأي شكل من الاشكال. أو حق الانفصال وتكوين كيان سياسي خاص بكل أقلية، وحسب رغبات اي من تلك الاقليات العرقية. فالأكراد هم مكون إثني وربما ثقافي من مكونات الشعب السوري. والكُّرد ليسوا شعباً داخل الشعب السوري. وذلك وببساطة، وحسب الفهم العلمي لمفهوم الشعب. ففي سوريا لم تتشكل عبر التاريخ أي دولة وكيان سياسيي كُّردي ولم يتشكل مجتمع بهوية كردية في إطار كيان سياسي مستقل لأجيال متلاحقة. ومن جهة أخرى لم يقدم السوريون في يوم من الايام على احتلال وطناً وكياناً سياسياً كردياً كان قائما. ولم يسلب السوريون استقلال أي شعب كردي كان متشكلا”، بل الكُّرد وغيرهم من الأقليات العرقية والدينية الأخرى كانوا ولا زالوا جزء من الشعب السوري، ولهم حق المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات. فالكُّرد وغيرهم من الاقليات العرقية والثقافية والدينية في الدولة السورية الحديثة المنشودة حقوق إضافية بممارسة ثقافاتهم ولغاتهم ودياناتهم المتميزة عن ثقافات ولغات وديانات الأخرين من أبناء الشعب السوري. غير ذلك فهي هرطقة وتذاكي على الشعب السوري، ودعوة لنشوء حروب أهلية قاتلة لا تنتهي.
وخلاصة القول: فإن ادعاءات تلك الاطراف الانفصالية، لا تجيزها المُعاهدات والقوانين والمواثيق الدولية. وفيه تدليس وتزوير للحقائق التاريخية والديموغرافية، ويرتكب أصحاب هذه الترهات جرائم بحق الشعب السوري بشكل عام، وجرائم بحق الكُّرد السوريين منهم بشكل خاص.
الدكتور خالد المسالمة
في 29.08.2024
Social Links: