المهندس شامر كعكرلي
سكرتير المكتب السياسي في حزب اليسار الديمقراطي السوري.
في بداية الثورة السورية العظيمة، خرج السيد “صالح القَّلاب” وزير الثقافة الإعلام الأردني السابق على قناة الجزيرة، وصرح تصريحاً خطيراً. حيث قال بالحرف الواحد ما يلي: ((كَّثر الله خير السوريين، لأنهم يقاتلون عن الأمة العربية كلها، والله إن انكسر الشعب السوري بمقابل بشار الأسد ومن خلفه إيران، والله لتقوم إيران بجر نساء العرب سَّبايا إلى قُّم))، وأنا متأكد بأن معظم السوريين وغير السوريين يتذكرون هذا التصريح، ولكن هل فهمنا ما يقوله “القلاب” أو ما يقصد به؟ بكل تأكيد فإن “القَّلاب” وهو سياسي مُخضرم ووزير إعلام سابق ومُحلل سياسي ومُطلع على خفايا الأمور، لا يمكن أن يُصرح هكذا تصريح، ويشكُر السوريين على قِتالهم لإيران ومشروعها، وبلغةٍ كلها ثقة بأن لولا السوريين لكانت إيران سَّبَت نساء العرب لقُّم، وهو (أي القَّلاب) يَعلَم بأن الشعب السوري قد تُرك وحيداً وأعزلاً بمواجهة جَّبروت نظام الأسد ومن خلفه مشروع إيراني كبير، زوده بالإمكانيات التي تفوق طاقة الشعب السوري وثورته. وِضمن مُعادلات القوة هذه، فإنه لا مجال للشعب السوري الانتصار، ولكنه كان السيد “صالح القَّلاب” يُراهن على صُمود الشعب السوري. وهنا السؤال المشروع: ماذا سيقدم صمود الشعب السوري من أجل كسر المشروع الفارسي؟
ولهذا السؤال أجوبة كثيرة، وقد جاء أحد الأجوبة يوم اغتيال “حسن نصر الله” من قِبل إسرائيل. ولنفهم هذا الجواب يجب أن نُقارن بين اغتيال رجلين كان قد حَققا نوعاً من الإجماع في الشارع العربي، نتيجة مَواقِفهُما (على الأقل المُعلنة) تجاه مقاومة إسرائيل: الأول هو المَرحوم “ياسر عرفات” رئيس منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1965، والثاني هو “حسن نصر الله” أمين عام حزب الله اللبناني منذ عام 1992، مع التأكيد بأنه لا مجال للمُقارنة بين المرحوم “ياسر عرفات” الذي سَّخر نفسه لقضية شعبه، وبين “حسن نصر الله” الذي باعَ نفسهُ لمشروعٍ فارسي هو أكثر خُطورة من المشروع الصهيوني، ولكن المُقارنة فقط بين عمليتي الاغتيال من حيث الطريقة والتوقيت.
ولكن قبل الدخول بتفاصيل مُقارنة الاغتيالين، لا بُد لنا أولا أن نقر بحقيقة مُؤلمة!! ولكن بالنهاية هي حقيقة، وهي أن إسرائيل تَمتلك من الامكانياتِ العسكريةِ والاستخباراتيةِ والتكنولوجيةِ المدعومة بشكل غير محدود من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وكافة الدول الغربية. وبضمنِ تلكَ الحقيقة يبقى السؤال المهم، لماذا لم صَّبرت إسرائيل على المرحوم “ياسر عرفات” منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965 لغاية عام 2004 عندما تم اغتيالهُ بطريقة تُبين بأن الرجل قد مات موتاً طبيعياً، مع العلم بأنها اغتالت الكثير من رجال المقاومة الفلسطينية، ونذكر اغتيال “غسان كنفاني” عام 1972، واغتيال ثلاثة من قادة فَّتح في مطار بيروت هم “كمال عدوان” و”كمال ناصر” و”أبو يوسف النجار” عام 1973، واغتيال “خليل الوزير” (أبو جهاد) عام 1988، واغتيال “صلاح خلف” (أبو إياد) عام 1991. إذا كان هناك إمكانيات كثيرة لاغتيال “ياسر عرفات” ولاسيما وإذا علمنا بأن نظام حافظ الأسد، كان وبكل تأكيد سيُسَهل مثل تلك الاغتيال – لأن ياسر عرفات كان يمثل الشوكة في حلق حافظ الأسد -. إذا هل يمكن أن نُفكر بأن إسرائيل لم تغتال ياسر عرفات لمدة زادت عن الأربعين عاماً لأن ياسر عرفات لم يكن يوجع إسرائيل، أيضاً هذا غير صحيح لأنه وبمراجعة بسيطة للعمليات الفدائية التي كانت منظمة التحرير الفلسطينية (بكافة فصائلها وعلى رأسها فتح) تتبناها كانت توجع إسرائيل أضعاف ما أوجع حزب الله إسرائيل، فمن منا ينسى تلك العمليات الفدائية التي كانت فتح تتبناها مثل عملية فندق “سافوي” في تل أبيب، وعملية “كريات شمونة”، وعملية “دلال المغربي” وغيرها المئات من العمليات. وللمعلومة فقط فإن عملية “دلال المغربي” تسببت بمقتل مواطنين إسرائيليين بما بينهم ضباط ذو رتب عالية أكثر مما قتل حزب الله خلال سنوات. مع العلم بأن مُنظمة التحرير الفلسطينية لم تَحظ بعشر الدعم الذي كان يتلقاه حزب الله من إيران. إذا يبقى السؤال هنا: لماذا لم تغتال إسرائيل لياسر عرفات؟ بكل بساطة وهذا مجرد رأي شخصي وتحليل، بأن إسرائيل لم تكن لتغامر باغتيال شخصية تمتلك من الكاريزما الشعبية تمتد من المحيط إلى الخليج، فقد كان “ياسر عرفات” قَدوةً لكل الشارع العربي، بأنه رأس مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وطبعاً هذه الكاريزما أجبرت كافة الرؤساء العرب وعلى رأسهم حافظ الأسد أن يتعاملوا معه كزعيم فلسطيني.
أما بالنسبة لحسن نصر الله وأيضاً يبقى السؤال مشروعا: لماذا لم تقم إسرائيل باغتياله منذ عام 1992 أي في العام الذي أصبح به أميناً عانا لحزب الله، طبعاً نحن نعلم جميعنا الدور الوظيفي الذي كان مُناطاً “بحسن نصر الله” وهو القضاء على المقاومة الفلسطينية التي اوجعت إسرائيل في جنوب لبنان وهذا ما تم إنجازه على يدي حزب الله، والسبب الثاني كانت تريد من “حسن نصر الله” أي يشكل شخصية بديلة لياسر عرفات وهذا ما قد حدث، ولنكن صريحين فقد استطاع “حسن نصر الله” (عبر تَقيته) أن يُمثل تلك الشخصية المقاومة وأصبح يلقب بسيد المقاومة. ولكن بما أن دوره الوظيفي قد انتهى فوجب لإسرائيل اغتياله. ولكن السؤال لماذا تم اغتياله الآن ولماذا بهذه الطريقة المُهينة والمُذلة، أي لم تتعامل إسرائيل مع “حسن نصر الله” في قضية الاغتيال كما تعاملت مع ياسر عرفات.
هنا يأتي دور الثورة السورية، لأنها ومنذ انطلاقتها كَشفت تقية حسن نصر الله وعمالته للمشروع الفارسي، وتسببت الثورة السورية من تحويله من “سيد المقاومة” – كما كان يوصف – ولاسيما بعد ما يسمى تحرير الجنوب عام 2000 وبعد حرب عام 2006، إلى مجرد شخص إرهابي طائفي يسير ضمن مخطط فارسي لا علاقة له بقضية القدس، ولو استطاع حزب الله و”حسن نصر الله” كسر إرادة السوريين في الشهور أو السنوات الأولى من عمر الثورة لاستطاع حسن نصر الله استعادة بَريقة الذي فَقده بسبب الثورة السورية، ولكن صمود السوريين في ثورتهم لتلك السنوات الطويلة جَعلت “حسن نصر الله” عارياً تماماً، وتحولت حاضِنَتهِ الشعبية من حاضنة عربية مُسلمة تمتد من المحيط إلى الخليج، لحاضنة شعبية تقتصر على الشيعة فقط أو بكلام أدق قسم من الشيعة (لأن هناك شيعة عرب يقفون ضد حسن نصر الله ومشروعه الفارسي). وبالطبع إسرائيل تُراقب ولديها مراكز دراسات سياسية واجتماعية، وتستطيع أن تتنبأ بردة فعل الشُعوب العربية. وعَلمت إسرائيل بأن بهذه المرحلة أصبح اغتيال حسن نصر الله وبطريقة مهينة (على خلاف طريقة اغتيال ياسر عرفات)، سَيمُر مرور الكرام على الشعوب العربية، لا حتى أن إسرائيل كانت مُتأكدة بأن مُؤيدي اغتيال “حسن نصر الله” سيكونون أكثر بكثير من مُعارضي هذا الاغتيال.
وبنفس السياق تماماً، وبمقارنة أخرى لن أدخل بتفاصيلها، يُطبق هذا الكلام على اغتيال “إسماعيل هنية” من ناحية المكان، وبمقارنة اغتيال “إسماعيل هنية” بمحاولة اغتيال “خالد مشعل” التي جرت في الأردن عام 1997 وبالسُّم أيضاً، عندها انفجر الشارع الأردني عن بكرة أبيه مما اضطر “الملك حسين” بأن يُهدد إسرائيل لتعطيه الترياق المضاد للسم الذي تجرعه “خالد مشعل”، بينما اغتيال هنية تم اختيار طهران لتؤكد إسرائيل بأنه هو أيضاً حلقة من حلقات المشروع الفارسي، ولذلك لم نرى أي تحرك شعبي على غرار ما حدث عند محاولة اغتيال “خالد مشعل”.
وإذا ربطنا تلك الأفكار مع بعضها البعض، وتذكرنا تصريحات القادة الإيرانيين بأن حزب الله يشكل دُّرة المشروع الفارسي، سنصل بكل تأكيد لكلام الوزير الأردني “صالح قلاب” الذي ذكرته في المقدمة أن السوريين وثورتهم العظيمة وهذا الصمود الأسطوري قد كشفوا للعالم العربي والإسلامي زيف ادعاءات ما يسمى محور “المقاومة والممانعة”، وبالتالي فإن شكر القلاب للشعب السوري ولثورته لأنه يقاتلون عن كامل العرب، كان بكل تأكيد في محله، لأن هذه الثورة العظيمة قدمت خدمة كبيرة للمشروع العربي، الذي تريد إيران الفارسية محوه من الخريطة وإحلال المشروع الفارسي بدلاً منه.
Social Links: