د. منذر ابومروان اسبر
اكاديمي وباحث
مقال الاستاذمحمدعلي الصايغ بعنوان : وقفة نقدية في المسار السياسي للدكتور جمال الأتاسي ، يشكل عودة إلى هذه الشخصية التاريخية الفكرية ـالسياسية ،ومحطة في النقد السياسي الجديد ، بما يجعلنا نتوقف عند هذا المقال .
يشير الاستاذالصايغ إلى أن الدكتور جمال الأتاسي يتعرف اساسا ” برجل الفكر والسياسة ” وبانخراطه” في العمل السياسي الميداني ” للانتقال بالمجتمع من ” اطارات الدولة ماقبل الوطنية إلى الدولة العصرية” المواطنية الديمقراطية التي تؤسس دعائم القانون والمؤسسات وارساء قواعد المواطنة الواحدة ، وبهذا ترك ” تراثا ضخما سواءفي الفكر السياسي أو الرؤية الاستشرافية والتحليلية “، لاسيما وأنه تراث يساري في الحياة السياسية .
بيد أن هذا كله لايحول دون نقد عدد من مواقف الدكتور الأتاسي سواء فيما يتعلق” بموقف الصمت” ازاء من يدفع باتجاه الانفصال ، علما انه أعلن عن موقفه الفاصل ضد الانفصاال بعد قيامه عام 1961,أو سواء في انخراطه مع الجبهة السياسية لانقلاب الجنرال حافظ اسد عام 1970 ليخرج منها وينتقل إلى المعارضة .
والكاتب ينوه أيضا على تبني الأتاسي للعمل السري بعد الخروج من الجبهة الأسدية للدخول في مرحلة السريةالسياسية التي ضيعت فرصة للحضور والتأثير على ساحة العمل السياسي .
واخيرا فإن استمرار القيادة الأبوية الكارزمية للأتاسي. طوال ثلاثين عاما اي حتى عام وفاته عام 2000 تمت بدون تهيئة الكوادر القيادية الجديدة التي تحتاجها السياسة المجددة وكل تنظيم سياسي لاستمراره .
وبما أننا نشارك الكاتب فيما قدمته الشخصية الأتاسية فأننا نشاركه في النقدالذي يطرحه .
لكن الكاتب يقوم في الواقع وبشكل لامباشر بنقد معظم الحركات السياسية السورية لاسيما في انضمامها إلى الجبهة الاسدية اوفي مراحلها السرية أو ممارسة القيادة الأبويةعلى قواعدها وعدم التداول القيادي فيها وضمور تأهيل قيادات جديدة وعيا وخبرة وجدارة تأهيلا لها لتسنم مقاليد الدولة .
وفي الوقت الذي يطرح فيه الكاتب أن أي تقييم لمرحلة ما أو شخصية تاريخية يجب أن” يرتكز على معيار المكان والزمان والظروف” ، إلا أن هذا يجب ألا يكون” باعثا على التبرير والتعلل بالظروف ” .
اذن السؤال الذي يطرح علينا بوجه عام وبما يتعلق بالحاضر أيضا هو التالي : كيف يمكن أن نفسر عثارات الأخطاء التي أشار إليها الكاتب بالنسبة لشخصية فكرية -سياسية .
والواقع أن هذه المشكلة الرئيسية تظل مفتوحة وتطرح بقوة السؤال حول طبيعة العلاقة بين الفكر السياسي المعمول به وبين التنظيم السياسي الذي يتوجه بهذا الفكر ومقاربة الواقع للعمل فيه ولتغييره؟ وإذا استخدمنا تعبير الكاتب “ماهي “المحركات الموضوعية والذاتية عند اتخاذ القرارات ” ؟
وبالعودة إلى الواقع الموضوعي والذاتي الذي عاشه د. جمال الأتاسي ، لابد من الاشارة إلى مواجهته اياه أيضا بنقده الواقعي الملموس ، فيما يتعلق بالموضوعات التالية :
تعرية النظام ونقد المعارضة نقد المجتمع الذي عاد إلى عصبياته الأولية
_ نقدرصيد الثورة نظما وتنظيمات
-الاعداد لجيل وحدوي جديد .
بهذا لا مندوحة عن التوقف هنا بعض الوقت ، إذ ماذا يعني الفكر النقدي للمعارضة السورية سوى مراجعة ما تقوم من أخطاء ونتائجه عليها وعلى البلاد ، وماذا يعني نقد المجتمع سوى تحوله إلى الغرق في الروابط الأولية و عدمية الارهاب والارهاب المضاد في الثمانيات ،وماذا يعني نقد الثورة وتنظيماتها في الوطن العربي سوى عدم تعضيها بالشعب والتنظيم الشعبي الفاعل المبادر ، وماذا يعني اخيرا إعداد جيل وحدوي جديد سوى التخلص من الشوائب الانتهازية التي عرفها الحزب و شكلت وبالا على الحركة السياسية السورية برمتها ؟؟
ثمة اذن أن الدكتور الأتاسي يدعو ،بما قام به من نقد في مرحلته ، إلى النقد اليوم وبنفس موضوعاته في حالة من الأوضاع الكارثبة والفوضوية لسورية وغيرها من بلدان عربية .
اخيرا فإن الكاتب وهو يؤكد على الدور القيادي للدكتور الأتاسي وتراثه الضخم يشدد ،وهو على صواب ، على أن نقد الأخطاء من أجل المراجعة هو تجاوز للأخطاء باتجاه المستقبل ، بل نستطيع القول، وبما نطرحه من ضرورة تجديد اليسار نظرا ونقدا وعملا ، إن مقاله يشير بوضوح على أن النقد الجديد شرط رئيسي للتغيير
Social Links: