“المشترك بين الافتراضي والواقعي”

“المشترك بين الافتراضي والواقعي”

هيفاء الحاج حسين



.
نشهد جميعاً كيف يتحول الفيس تدريجيّاً من موقع للتواصل الاجتماعي إلى منبرٍ أدبي, وكيف صار اللايك يعني تصفيقاً بينما هو بكل بساطة الأداة التي تجعل الشاشة الخرساء نابضة بالحياة, حيث يقابلها في الواقع طرقة الباب أوالزيارة أو رنة الهاتف فنصير مرئيين ومتواجدين في حياة الآخرين الذين هم بمثابة أهل البلدة.
وكما هو الحال واقعياً فنحن لن نتمكن من ردّ الزيارة لكل الزائرين في وقت قريب, قد نتأخر, وقد لا نردها أبداً بحكم ضيق الوقت وكثرة الأصدقاء فيتوقف هؤلاء عن زيارتنا بالضرورة.
.


يترفع بعض الشعراء والأدباء عن وضع اللايك إلا لأصدقائهم من الأدباء والفنانين والمثقفين ويعتبرون كل من تبقى بمثابة جمهورٍ مصفّق فقط, بعضهم قال لي: لا حاجة لنصوصي إلى لايكات نصوصي أهم من أن تنتظر لايكاً, طيب سأوافقك على ذلك ولكن كيف تعرف بأن نصك قرئ من غير اللايك؟ ولو أردت أن تعرف تأثيره فكيف يحدث من غير تعليق؟
وقد سهّل مارك الأمر بابتكار الصفحة العامة التي تمرّ عليها منشورات الجميع مرتّبةً حسب التفاعل, ما أبسط وأسهل أن أمرّ عليها وأتابع نشاطات اصدقائي وأضع لايكا لكل ما أقرأه حتى لو كان محتواه ليس من اهتماماتي, لكنني باللايك التي أضعها كأنني أرمي السلام من تحت الشرفة أو أرشق الشباك المفتوح بوردة أو اتصل هاتفيا وأقول: مرحباً..
لا يحمل هذا الموقع مساوئ بأكثر مما يحمله الواقع إنما هو مرآة له.
لو افترضنا أن صفحتنا بلدة, فمن الطبيعي أن يتواجد على أرضها اللص والنبيل والصادق والمزيف والخائن والغدار, الجاهل والمثقف, المرح والمتشائم, وسوف تتنوع لديهم الاهتمامات والأساليب أيضاًَ, وبيدنا أن نتحكم بعلاقاتنا فخاصيّة الحذف موجودة وإمكانيّة قبول الإضافة أو رفضها موجودة أيضاً, أما أن تنشئ صفحةً شخصيّةً وتقبل بالآخرين أصدقاء ثم تبدأ بشتمهم وتحقير لايكاتهم والترفّع عن وضع بصمة تواجدك على صفحاتهم أو التقليل من أهمّيّة وضرورة أدواتها التي تتنوع ما بين لايك وتعليق ونكز ودائرة خضراء ولون أحمر في الإشعارات والرسائل والإضافات فاسمح لي أن أقول أنت ضيف ثقيلٌ على هذا الموقع لأنك لا تقدر أن تتكيّف مع قوانينه وشروطه.
وكما كنتَ جدّياً في إنشاء صفحة ينبغي أن تكون جدّيّاً في التعاطي معها واحترامها بكل أدواتها.
.
حدث كثيراً أن جافاني النوم حين كنت أفتقد لزوجي, الليل ساكنٌ كالميت لا يقطعه حتى صوت كلاب, ومقارنةً بالفيس فإن الفيس كان كاالنهار المؤنس بصخبه أفتحه وأعبر عن حزني بمنشورٍ وربما أغنية, وكثيراً ما صرخت بآهٍ وحيدة كالذئبة الجريحة, وحتى اللحظة أستطيع تذكر أسماء الأصدقاء الذين طبطبوا على حزني بلايك أو بتعليقٍ صادق وحقيقي، وكان لهم الفضل الكبير في تجاوزي لتلك المحنة.
كيف أشعر بتعاطف الافتراضيين من غير لايك؟
بكل تأكيد سوف تصير الصفحة ساكنة كمقبرة.
صباح الخير

  • Social Links:

Leave a Reply