ايران واسرائيل ونوازن القلق

ايران واسرائيل ونوازن القلق

مطيع اتاسي

بعد هجمات ٧ أكتوبر، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي قائلاً: “نعمل من أجل الـ ٧٥ عامًا القادمة”. إذا عدنا قليلاً إلى الوراء، نجد أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، قدم لإسرائيل هديتين كبيرتين: الأولى كانت الاعتراف بالقدس كعاصمة لها، والثانية الاعتراف بسيادتها على الجولان. بهذه الخطوات، لم يتبقَ لإسرائيل من القوى الإقليمية التي تعارضها سوى لبنان وحزب الله.

في هذا السياق، بدأت إسرائيل مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، التي تمت بموافقة ضمنية من حزب الله، مما يعكس اعتماد إسرائيل لسياسة “الجزرة”. وبهذه الخطوات، كانت إسرائيل على وشك إتمام مشروعها الجديد: ترسيم حدودها، ترسيخ القدس كعاصمة دائمة، وتوسيع نطاق التطبيع مع الدول العربية. أما القضية الفلسطينية، فقد شهدت توسعًا تدريجيًا للاستيطان في الضفة الغربية، بينما كان ملف النووي الإيراني في عهدة الولايات المتحدة.

وتيرة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية كانت تتسارع، في محاولة لتحويل إسرائيل من دولة احتلال إلى دولة طبيعية في المنطقة. بدا أن إسرائيل تسعى للتحول إلى دولة إقليمية متكاملة، تعزز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع جيرانها، بينما تحتفظ في الوقت نفسه بتفوقها العسكري المطلق، لتصبح القوة المهيمنة في المنطقة.

ومع ذلك، جاء هجوم 7 أكتوبر ليخلط جميع الأوراق. الهجوم كان خارج السياق المتوقع وأحدث قلقًا كبيرًا لدى إسرائيل وإيران على حد سواء. فقد هز كبرياء إسرائيل وكشف ضعف جيشها الذي لطالما اعتُبر “لا يُقهر”، مما دفعها إلى شن حرب شرسة ضد الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، وجد حزب الله نفسه مضطرًا لدخول مواجهة لدعم غزة، على الرغم من أنه كان مترددًا في البداية، لكن “وحدة الساحات” التي يتبناها الحزب جعلت الانخراط ضرورة.

الهجوم أدى إلى تغييرات جذرية في العقيدة الأمنية الإسرائيلية. فإسرائيل قررت تأجيل مشاريعها السياسية والدبلوماسية، مركزة على القضاء على جميع التهديدات المحيطة بها، مهما كانت الكلفة البشرية أو المادية. أدركت إسرائيل أن الوصول إلى وضع طبيعي في المنطقة مع وجود هذا الكم من التهديدات بات مستحيلاً.

بعد تصعيد العمليات شمالًا، حيث استهدفت إسرائيل حزب الله بضربات مكثفة امتدت من البقاع وصولاً إلى مراكز القيادة، كان الحزب قريبًا جدًا من الانهيار. هذا الأمر دفع إيران للتدخل المباشر، حيث أرسلت جنرالاتها إلى المنطقة، وردت على إسرائيل بقصف غير مسبوق لرفع معنويات المقاومة التي شعرت بأنها تُركت وحدها، خاصة بعد استهداف كبار قادتها.

هذه الضربة الإيرانية أعادت التوازن للمقاومة، وبدأ حزب الله بشن ضربات موجعة ضد إسرائيل، أبرزها الضربة الأخيرة في تل أبيب التي استهدفت كتيبة جولاني، مما زاد من تعقيد المشهد العسكري والسياسي في المنطقة.

لكن التطور الأبرز جاء بعد اغتيال إسرائيل لأمين عام حزب الله، حسن نصر الله، ومعظم قيادات الحزب. هذا الاغتيال منح إسرائيل إحساسًا متزايدًا بأنها قوة لا تُقهر، مما دفعها لاتخاذ قرار بإنهاء حزب الله تمامًا والتوغل في سوريا لقطع خطوط إمداده بالأسلحة. ومع ذلك، فإن رد حزب الله في الأيام الأخيرة، عبر تنفيذ ضربات ميدانية مؤلمة، وتزايد الضغط الدولي من أوروبا إلى الصين، قد يدفع إسرائيل إلى التراجع عن خططها التصعيدية.

الحرب سهل الدخول فيها، لكن الخروج منها منتصرًا سياسيًا وعسكريًا يمثل التحدي الحقيقي. محاولات إسرائيل لتجنب حل الدولتين، وتوريط الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع إيران، ليست سوى أوهام نتنياهووية. الحرب الآن في ذروتها، والانتخابات الأمريكية على الأبواب، والأيام القادمة ستحمل تغييرات كبيرة، ولكن المؤكد أن هذه التغييرات، على المدى الطويل، لن تكون في صالح إسرائيل.

  • Social Links:

Leave a Reply