( ماهي العلمانية وتاريخها )

القاضي حسين حماده

مترجم عن الفرنسية
العلمانية مذهب قانوني ـ سياسي يتميز بإبعاد النفوذ الديني عن الدولة ولهذا المذهب جانب نظري فلسفي وجانب عملي بوصفه ينشأ عن جملة من الممارسات والإشكاليات التي تتصل بالعلاقة بين الدين والدولة ، بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية ، ومن ثَمّ بين الإله والبشر .
العمانية تعني من الناحية القانونية عدم كفاءة رجل الدين في ادارة الشؤون العامة مع التأكيد على حرية العقيدة والدين شرط أول ومطلق،وبانتفائه تنتفي العلمانية من أساسها ، لكن هذا لايعني أن الدولة العلمانية دولة لا دينية ابدا أو دولة تنكر الدين بل هي دولة لا تميز ديناً ما عن دين آخر .
العلمانية تعني من ناحية فلسفية تأسيس حقل معرفي لادارة البشر والارض مستقل عن الغيبيات والماورائيات والافتراضات الإيمانية السالفة ، فالعلمانية ليست إلحاداً أو نفياً للاعتقاد بل هي تحرير له من القيود الخارجية المفروضة بشكل غير منطقي أو علمي أو تاريخي .
ظهرت العلمانية في أوربا المسيحية بداية العصر الحديث وخاصة منذ القرن السابع عشر وقد شكلت ثقافة واسعة انتشرت في المجتمعات الأوربية وتجلت في منظومة فكرية اعتمدت على المنهج العلمي في تفسير الطبيعة و الكون ونشاط الإنسان وفاعليته في حركة المجتمعات وتطورها واتخذت موقفاً مناوئاً إزاء الفكر والسلطة الكنسية التي كانت تشكل الخلفية الثقافية والسياسية لنظام الإقطاع الذي كان يحتمي بكهنة الكنيسة وهيمنتها على عقول الناس والمجتمعات .
تسربت أفكار العلمانية إلى الشرق، وكان لها تأثيرها في توجيه الأفكار الإصلاحية، فراجت بعض الدعوات للاقتداء بها والأخذ بما ينسجم مع روح الدين الإسلامي ومع التطور الاجتماعي ، وقاسم أمين النموذج الوحيد عن العلمانية العربية التي برزت في القرن العشرين رغم تميزه وذلك لتوسع الموضوعات التي طرحتها هذه العلمانية.
في إطار التفكير القومي يبرز ساطع الحصري ممثلاً لقومية علمانية بنظريته التي تبين أن روابط اللغة والتاريخ والثقافة المشتركة وليس رابط الدين هم أساس القومية العلمانية العربية .
ومن الدعوات البارزة أيضاً في إطار العلمانية العربية دعوة علي عبد الرازق في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» إلى الفصل التام بين الدين والدولة. وكذلك دعوة طه حسين بمنهجه الشكي الذي طال به قسماً من المقدسات الإسلامية والقصص القرآنية كما كان لدعوة إسماعيل مظهر النقدية في العلمانية الروحية ولدعوة عبد الرازق السنهوري في العلمانية التشريعية إضافة إلى العلمانيين كشكيب أرسلان ورفيق العظم ومحمد حسنين هيكل وغيرهم، أثر كبير في المجتمع العربي فما زالت أفكارهم تلقى اهتماماً بالغاً.
كما أسهم كل من رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي والكواكبي ومحمد عبده والأفغاني وطه حسين وهما من أوائل من رفع شعار العلمانية العربية هو الدعوة لقومية عربية يكون الرابط فيها اللغة لا الدين، وتكون القيم السائدة فيها هي القيم الإنسانية العالمية لا القيم الدينية ، وروج لهذا التيار العلماني القومي العربي بطرس البستاني وأديب إسحاق وأنطون سعادة وناصيف اليازجي وشبلي شميل وفرح أنطون وأمين الريحاني وغيرهم…
أيضا أسهم في ذلك قاسم أمين وساطع الحصري بتأسيس نظرية أن روابط اللغة والتاريخ والثقافة المشتركة وليس رابط الدين هم أساس القومية العلمانية العربية .