أمة تستعد للموت أكثر ماتستعد للحياة.

أمة تستعد للموت أكثر ماتستعد للحياة.

يوسف غزال

في أواخر العصر الأموي بدأت تتبلور حركة كلامية عقلية ، ومع بداية القرن الثاني الهجري بالضبط بدأ الفكر الاسلامي يتبلور وتتضح معالم علم جديد ، يعتمد العقل ويرسم أسس لمنهجية تفكير يفسر النقل بالعقل ، وتولت الأمة الإسلامية نيابة عن كل الأمم ترجمت تراث الحضارات القديمة من كتب الفلسفة من اليونان وكتب الرياضيات والادب من الهند ، إزدهرت في العصر العباسي ماشاء لها أن تزدهر ، وأسس هارون الرشيد دار الحكمة في بغداد ضمت 300 ألف كتاب ، وظهرت آراء جديدة في آلية التفكير وتم مشاركة العقل في تأويل النص الديني ، وتألق محمد بن موسى الخوارزمي في دار الحكمة وإخترع علم الجبر ، وأضاف (الصفر) للأعداد العشرية وأصبحت الرياضيات تدرس إلى جانب القرآن ، وبدأ إشتقاق الاحكام العقلية بالقياس العقلي من الاحكام الشريعية ، وبدأ التنظيم المنهجي لعلوم الشريعة وتحددت غاياتها وظهر علم (مقاصد الشريعة) ، وبدأت الارهاصات الاولى في حرية التفكير ومعارضة الفكرة بالفكرة ، وإختلاف طالب العلم مع معلمه تولد صراع بين العقل النقل، وشاعت النزعة العقلية للمعتزلة.

كانت نقلة حداثية كبيرة لم يتم إستعابها من المحافظين وجمهور المقلدين ونجحوا في قمعها ، وحرقوا كتب الحكمة(الفلسفة)وفق مبدأ الناس مع القديم حتى تنساه وضد الجديد حتى تألفه.

تم قمع بداية الفكر العربي الإسلامي الأصيل ونجح فقهاء النقل على فقهاء العقل ، وتنامت حركة الرهبان وأهل التصوف والزهد في الدنيا ، لصالح يوم الآخرة ، وسادت ثقافة المقدس والمدنس ، وأصبحنا الأمة الإسلامية تستعد للموت أكثر ماتستعد للحياة.

تم وأد حركة المعتزلة التي تعمتد منهج فكري عقلي يقوم على التحليل والتعليل ، سادت ثقافة الحفظ والتلقين ، تقدمت طلاقة اللسان وسرعة الحفظ على حساب إعمال العقل والتفكير المنتج الممنهج ، صرنا نكرر حفظ ماحفظه الاجداد بنفس النغمة ويكاد يكون بنفس النبرة ، وربما دولة موريتانيا تمثل المحمية الطبيعية للثقافة العربية وطرق التعليم الفقهي القديم ، ذكرني شيخ معروف من موريتانيا يتكلم بطلاقة وسلاسة ساعة متواصلة كل مايقوله من محفوظاته لا من أفكاره فهو يستخدم من العقل (الذاكرة) فقط ، وهو الآن يرأس مركز تكوين العلماء في بلاده ، يعيد إستنساخ عقول منسوخة عن النسخة القديمة ، هذه الأمة تعيد طحن المطحون لا يأتيها جديد.
المثقف قي الثقافة القديمة هو الذي يحفظ أكبر عدد من النصوص تبدأ بحفظ القرآن الكريم على أكثر من رواية ثم المتون ثم حفظ الألفية في النحو والشعر وحفظ كثير من القصص والحكايات وكان دور المثقف تكرار محفوظاته في المجالس القرآن يتلى في المأتم والاشعار والاغاني تغنى في الافراح والأعراس والمدائح والاناشيد في المساجد والزوايا والتكايا.
فالعلم لاعلاقة له بالتفكير بل يقوم أولا وأخيرا على الحفظ ومازلنا إلى هذا العهد نفتتح الجامعات والجوامع للحفظ والتلقين والتكرار دون فهم ولا إعتبار.
يوسف الغزال
البقية تأتي

  • Social Links:

Leave a Reply