د أحمد برقاوي
يبدو لي أن الوعي السائد في عالمنا العربي، هذه الأيام، هو ممارسة الاختلاف الديني وتحويله إلى تناقُض وتضادّ عملي قاتل، مع عدم الاعتراف به في الخطاب.
وإذا طَرحتَ فكرة عقلية للاعتراف بالاختلاف، لينال الحق في الاستقلال والاعتراف المتبادَل هجم عليك الطائفيون الحقيقيون بنوع من الكذب لم يَعُدْ قابلاً للتصديق.
يؤمن بأن اليهودية والنصرانية أقرب للإسلام من كل الطوائف الباطنية، ويقول لك: كلنا مسلمون. يقول لك: نحن الشعبة الناجية وكل الشُّعَب الأخرى في النار. ويقول لك: كلنا مسلمون.
لا يسمح بأن تتزوج امرأة من غير ملّته، ويقول لك: كلنا مسلمون.
مسلم يقتل مسلماً بتبرير ديني، ويقول لك: كلنا مسلمون.
مذهب يكره الأسماء الأثيرة في تاريخ الإسلام، ويقول لك: كلنا مسلمون.
يقول لك سيظهر الحاكم بأمر الله الذي غاب ويحكم، ويقول لك: كلنا مسلمون.
يقول لك سيأتي المهدي المُنتظَر، وسينتقم من أبي بكر وعمر وعثمان. ويقول لك: كلنا مسلمون.
يقول بالتقمّص وأن الأرواح تنتقل من جسد إلى آخر من داخل المنتمين إلى المذهب فقط، ويقول لك: كلنا مسلمون.
يقول لك: إن هناك تناسخاً للأرواح، والروح الشريرة قد تُمسخ في جسد كلب. ويقول لك: كلنا مسلمون.
يخرج عليك شيخ معمَّم يدافع عن دولة ولاية الفقيه أمام الملايين، ويقول لك: كل مولود غير شيعي يضع إبليس أصبعه السبابة في دبره فيغدو منكوحاً إذا كان ذكراً، ويضعها في الفرج إذا كانت أنثى فتغدو فاجرة. ويقول لك: كلنا مسلمون. ثم يقول لك كل مَن يزيد على أركان الإسلام الخمسة وسُنة الرسول والصحابة ولا يسلك طريقهم ليس من الإسلام. ويقول لك: كلنا مسلمون.
كلّ طائفة لها لاهوتها الخاص المختلف عن لاهوت غيرها، ومع ذلك يُقال لك: كلنا مسلمون.
وإذا قلت لهم، بوصفك لا تنتمي إلى حقولهم: استَقِلُّوا كأديان لها شخصيتها ولاهوتها، واعترِفوا ببعضكم بعضاً، وتعايشوا بوصفكم تنتمون لأديان مختلفة. رفضوا، وشتموك.
تقول لهم تحرّروا من الكُره الذي تخفون لبعضكم بعضاً، وأظهِروا حقيقة لاهوتياتكم كلاهوتيات أديان مستقلة. قالوا لك: كلنا مسلمون.
تطرح فكرة للنقاش، فإذا ألسنة من الأغنام الحاقدة تنزّ سُمّاً وجهلاً وعُدوانيةً، وتقول لك: كلنا مسلمون. تقول لهم نريد دولة علمانية ديمقراطية تعترف بحق الأديان، وحق الاختلاف والاعتقاد الحر، فيقولون لك: كلنا مسلمون.
أودّ أولاً أن أذكركم بأني لا أنتمي إلا إلى وعيي الفلسفي، وإلى عروبتي وفلسطينيتي وسوريتي، ولا أقصد الإساءة إلى أي نمط من أنماط الإيمان.
ثانياً: إني لَأعتقد بأن الإسلام والشيعية والعلوية والإسماعيلية والدرزية هي أديان مستقلة وإن عناصر الاختلاف بينها أكثر بكثير من عناصر التشابه.
ثالثاً: لا أُصدر أيّ حكم قيمة، مدحاً أو ذمّاً، على أيّ من هذه الأديان، ولهذا ليس من حقّ أحد أن يعتبرني عدوّه.
رابعاً: إن استقلال هذه الأديان عن بعضها البعض يُلغي مسألة مهمة جداً، ألا وهي “احتكار الشرعية“، فكل واحد من هؤلاء يعتبر الآخر على ضلال انطلاقاً من أنه هو الإسلام الصحيح.
خامساً: إن الاعتراف باستقلال هذه الأديان عن بعضها البعض والاعتراف بحقّها في الوجود من شأنه أن يُلغي الصراع الطائفي.
سادساً: إن الانتقال من حال الطائفة إلى حال الدين المستقل يخلق، في المستقبل، مناخاً لتحرير الوعي من التعصُّب وعناصره.
سابعاً: إن قراءة متأنية لفقه وعقائد هذه الأديان كافية لإدراك الاختلاف الكيفي وليس الكمي بينها. ثامناً: إذا كان من رغبة عند كل هذه الأديان في نزع عناصر الاختلاف والعودة إلى دين واحد مُتفَقٍ على عناصره الأساسية، فيجب عندها الاعتراف بمقدّس واحد فقط هو الإله. وهذا أمر أقرب إلى المُحال. إذاً ليس أمام تلك الاستحالة، سوى الاعتراف بأن ما تُسمى بـ ”الطوائف“ هي أديان مستقلة، وينتهي الأمر.
تاسعاً: عندها تكون الدولة “العلمانية – الديمقراطية”، التي أعتقد بضرورتها، وأكتب من أجلها، دولةَ الجميع والحفاظ على حق الجميع في حرية الاعتقاد.
Social Links: