عبد الرحمن سعيد

لطالما كانت الحرية قيمة القيم وأساس كل حضارة
حيث يعيش الفرد مكرّماً ، حراً ، مريداً ، مقتدراً ، مختاراً …
ولذلك وجدنا انها كانت الشعار الثاني بعد “الله” في ثورة السوريين الذين قدّموا في سبيلها أعظم التضحيات …
من اعتقال وتعذيب وقتل ممنهج بكل الأشكال بما فيه القتل بالكيماوي..المحظور دوليا..
ومع ذلك..وللاسف نجد ان العديد من السوريين اليوم لا يمارسون هذا الاختيار إلا في أضيق الحدود ، على الرغم من انتصارهم على أبشع أنظمة الحكم في العصر الحديث .
اذ تزعم هذه الفئة تبريراً لهذا السلوك بأنها لا تقدر أو لا تعرف أو أنها تخاف المجهول.. أو تخاف على الإنجاز الجديد الطارئ .. وحالها هنا أشبه بالطفل الذي يتشبث برداء أمه التي يعتبرها مصدر أمانه وملبية لاحتياجاته الأساسية لكنها من جهة اخرى هي ذاتها التي تمنعه من تحقيق ما يريد حيناً أو تعاقبه وتؤلمه حيناً آخر .. حقاً ففي هذا الجانب يمكن اعتبار السوريين أطفالا بالقياس لعمر الحريّة .
نعم..
هذا بالضبط ما يعيشه معظم السوريون بعد الخلاص من الطاغية الذي استبد في كل خصوصياتهم.. حتى في قناعاتهم وفطرتهم . فقد استطاع عبر عقود الطغيان الخمس أن يزرع في كل سوري جبريّة مقنّعة قائمة على الخوف من الآخر أو غير المألوف أو حتى كلّ ما هو جديد .. والخوف حتى من نفسه فهو أضعف من أن يعِ أو يُنجز .. !
هذه القيود الأسديّة تحول اليوم بينه وبين ممارسة حياته الحرّة الكريمة بشكلها الصحيح ..وهي لا تدعه يعرف نفسه… فأنىّ له أن يعرف الآخر ؟؟ أي شريكه في الوطن.. إنها تحدّ من قدرات عقله الناقد وبالتالي لا يستطيع الوثوق بملكاته الفردية أو المجتمعيةضمن الحيّز الوطني .. فلا يجد أمامه ملجأً إلا العودة إلى ملاذه الآمن ؛ حيّز العصبيّة بتعبير فيلسوف التاريخ “ابن خلدون” أو كهف الجماعة ؛ قبيلة كانت أو حزباً أو تياراً أو سلطة ؛ دينية أو دنيوية .
لقد اغتصب آل الأسد العقل فينا. وقد لمسنا آثار ذلك في شخوص وأفعال المعارضة التقليدية للنظام الأسدي المخلوع وكانت واضحة ، جلية وقد استمرت حتى بعد سقوطه ، وكذلك نجدها اليوم في بعض السلوكيات الشاذة عن صوت الضمير الوطني من دعوات انفصالية وأخرى انتقامية ..
إن خروج السوريين من القيود التي خلّفها حكم آل الأسد كحالة الخوف وعدم الثقة المتجذّرة في نفوسهم والأميّة السياسية لن يكون سريعاً . وما نخشاه أن يستمر ذلك طويلاً وأن يعيدنا إلى شكل آخر من اشكال الطّغيان ..الذي اعتادته الشعوب العربية كافة ، حيث نجد في ثقافة شعوبنا الموروثة مايؤسس لذلك وهو ما يتجلى في فكرة “المستبد العادل” ، والتي لانجدفيهاسوى انها محض خرافة ، لا داعي لتفنيدها الآن .
اليوم يخاف كثير من السوريين أن يختاروا أو أن يعبّروا عن خوفهم من السلبيات الواضحة أمامهم.. ويخافون من ممارسة حريتهم ، حتى أن الفرد منهم غير قادر على استيعاب أو قبول من يمارس الحرية الإيجابية حتى في أبسط أشكالها وهي “الكلمة”.
وإن حفرنا عميقاً سنجد أن هذا الأمر ليس بغريب ؛ فكما قلنا مازال الشعب السوري في مستوى التحرّر ؛ كالطفل ؛ لم يعِ بعد الفرق بين التحرر من… ، والحرية في …
و هنا نجد ان الخلاص لن يكون إلا بامتلاك عظيم الارادة بالتحرّر من رواسب عقود الاستبداد والطّغيان المدفونة في لاوعينا ، وأوّلها الخوف قبل أي شئ آخر ؛ لأنه مصدر كل ما هو غير عقلاني أو غير أخلاقي .. ومن ثم استعادة الثّقة بالنفس وبالمجتمع كقوة عاقلة وفاعلة . فالتحرّر والخوف ضدّان لا يجتمعان … حينها فقط سنملك حريّة تقرير ما نريد دونما تهميش للآخر أو إقصاء له أو تخوين… بل باحترامه ، وبغض النظر عن انتماءاته وإيديولوجياته طالما أنها لا تحمل كرهاً أو استعلاءً.. وكذلك بالتعاون والتكامل والتحفيز واستثمار الامكانات كافة ، ونبذ فكرة تصنيم القادة …
ويبقى السؤال الآن ؛ هل مازال الخوف من الحرية قائم لدينا…؟؟؟
Social Links: