كرم نشار

استمعتُ إلى كلمة رئيس البلاد في المرحلة الإنتقالية السيد أحمد الشرع، وقرأت البيان الصادر عن إدارة العمليات، هذه جردة بالإيجابيات والسلبيات والحياديات كما أراها:
إيجابياً،
١- إن كانت عملية حل ودمج الفصائل مُكتملة بحق، فهذا يعني أن سوريا قد وضعت ورائها، إلى حد بعيد، السيناريو الليبي الذي كانت غالبية التوقعات والتحليلات تُرجح وقوعه في حال سقط نظام الأسد عسكرياً. هذا ليس تفصيلاً، ولا سيما أننا لا نتحدث هنا عن مكونات عسكرية تعبر عن حساسيات أهلية وسياسية بعينها، بل عن تشكيلات تتشابه أهلياً وسياسياًِ، لكنها كانت حتى وقت قريب شديدة التشرذم والرثاثة في تصرفاتها في شمال غرب البلاد. وهو ليس تفصيلاً أيضاً بالنظر للدور المشين والهائل الذي لعبه الصراع على السلطة بين العسكر في سوريا.
٢- ركز أحمد الشرع وهو يخاطب الفصائل العسكرية تحديداً على “الرحمة والعدل والإحسان عند القدرة” وأن الحرب لا تبيح الأخلاق، وأن “السلطة والمال فساد عظيم لولا الأخلاق”، وأن لحظات النصر الأولى قد تكون اللحظات الأولى للهزيمة لأن غرور المنتصر” يؤدي به إلى الطغيان”. هذا كلام مطمئن على صعيد السلم الأهلي (أي استبعاد السيناريوهات الإنتقامية المريعة) ولا سيما إنه تصاحب مع تأكيد مفهوم “العدالة الإنتقالية”، ومطمئن على صعيد الوعي بمنطق الغلبة والغرور بشكل عام، أقله على الصعيد البلاغي. (يعني السياسة نصفها كلام، ولو أراد قول شيء مختلف تماماً لاستطاع ذلك وكنا أيضاً تحت رحمته).
٣- أما بالنسبة لموضوع حل الأجسام الثورية على أشكالها المذكور في البيان الصادر عن إدارة العمليات، ف فهمته بصفته حل لهيئة تحرير الشام أولاً ولكل الأجسام والمؤسسات المدنية والسياسية المتفرعة عنها والتي كانت موجودة في الشمال الغربي وهي كثيرة بالمناسبة ومنها التشريعي والقضائي. ويُفترض أنه يشمل أيضاً مناطق الحكومة المؤقتة كلها. يعني افتراضي إنه تصفير العداد على صعيد الأجسام التي رافقت حالة الفصائل منذ عام 2012 و2013.
في المقابل،
١- تحدث الشرع عن ملء فراغ السلطة بشكل “شرعي وقانوني”. هذه الإشارة بحد ذاتها جيدة لكنها شديدة الاقتضاب. الكلمة عموماً كانت مختصرة، والمخاطبين هم قادة الفصائل العسكرية، لكن من حقنا أن يبقى لدينا أسئلة بخصوص معنى شرعي وقانوني، شرعي حسب أي مصدر، من يعطي الشرعية؟ ومن يسن القانون؟ ماذا عن الحقوق والحريات الأساسية؟
٢- الشرع “سيعين” مجلس تشريعي مؤقت. طيب بالمعنى الإنقلابي أو العسكري هذا “عادي”. وهو يعني أن الشرع لن يحكم من خلال الأوامر الرئاسية التنفيذية بل سيشكل جسم تشريعي يُفترض حتى لو كان معيناً أن يملك صلاحيات ما، ومن الجيد أنه تم الحديث فوراً أنه مؤقت. في نفس الوقت جسم تشريعي معين من قبل السلطة التنفيذية يعني أن دوره ضعيف وتشاوري بأحسن الحالات. هل هذا ملء فراغ حتى تنظيم المؤتمر الوطني؟ هل مهمة المجلس التشريعي المؤقت الخوض في مسائل دستورية أساسية؟ ألم يكن من الممكن التعبير عن الموضوع صياغياً بشكل أفضل وأكثر طمئنة لنا نحن الخارجون من خمسين سنة من حكم الرئيس المطلق؟ مثلاً: “سيعقد الشرع مشاورات بغرض تشكيل مجلس تشريعي مؤقت؟”
٣- الشرع هو الحاكم الفعلي للبلاد وتوليه الرئاسة خلال المرحلة الإنتقالية ليس مفاجأة لكن القيام بهذا عبر الفصائل العسكرية وليس بعد الإعلان الدستوري أو عقد أولى جلسات المؤتمر الوطني مؤسف. تم تأجيل المؤتمر الوطني من أجل التحضير له بشكل جيد، وكان يمكن تأجيل تولي الشرع “سدة الرئاسة” بما تحمله من رمزية ودستورية وتعبير عن سيادة الشعب معها، واجتراح توصيف وظيفي له يمكنه من مقابلة الرؤساء والملوك حتى ذلك الوقت. “الشرعية” و”القانونية” التي تحدث عنها هي طقوس وشعائر ورموز أيضاً وليس فقط مضامين فعلية. والشعب أكثر أهمية من الملوك والرؤساء.
٤- الأسوأ على الإطلاق هو الإخراج الإعلامي لكل المسألة يوم أمس. لماذا تحدث الإعلام المقرب من السلطة عن كلمة مباشرة للشعب ومن ثم اكتشفنا أننا لسنا جزء من المشهد؟ لماذا تم تسريب مليون معلومة لكن لم يجري الإعلان المسبق أن الفصائل بصفتها مصدر الشرعية العسكرية الآن ستولي الشرع مهمة رئيس البلاد للمرحلة الإنتقالية في ساعة انحلالها وخضوعها لسلطة “الدولة”؟ هل هذا تخبط أم استخفاف؟
الناس ليست ذوات أهلية خائفة وجائعة فقط، نحن ذوات سياسية عقلانية ومن حقنا أن نملك المعلومات، وأن نفهم تفكير أصحاب السلطة، لكي نحلله بشكل واضح ونأخذ موقفنا منه، سلباً أو إيجاباً. احترمونا لكي نحترمكم، هذا ليس “نقاً”، ولا “سلبية”، هذا الحد الأدنى لمجتمع سياسي قائم على الحق والعدل!
Social Links: