علاء الدين آل رشي
مدير المركز التعليمي لحقوق الإنسان

ارسلت الرفيقة (ف . ع )هذا المقال لجريدة الرافد بحسب ما تناوله الاستاد معاذ الخطيب
العلويون في رؤية معاذ الخطيب.. مقاربة مختلفةالعلويون في رؤية معاذ الخطيب.. مقاربة مختلفة
تبقى المسألة الطائفية في سوريا من أكثر القضايا تعقيدًا، خاصة فيما يتعلق بالطائفة العلوية، حيث تداخلت في الذاكرة الجمعية عوامل الأمن والتجهيل الشعبي مع الاستغلال السلطوي، الذي سعى إلى تمزيق النسيج المجتمعي وتعزيز العداء الداخلي في سياسة ممنهجة اعتمدها نظام الأسد. يرى الأستاذ أحمد معاذ الخطيب أن وضع العلويين في سوريا هو إشكالية مركّبة، امتزجت فيها الأبعاد التاريخية بالسياسية، مما يجعل تناولها يتطلب قراءة دقيقة وغير متحيزة.
جذور الرؤية الوطنية عند الخطيب
استند الأستاذ الخطيب في رؤيته الوطنية إلى المبادئ التي قامت عليها جمعية التمدن الإسلامي، إحدى أقدم الجمعيات الأهلية في سوريا، والتي تأسست عام 1932 على يد مجموعة من العلماء والمصلحين. كانت الفكرة الأساسية للجمعية تقوم على أن مقاومة الاستعمار لا تقتصر على السلاح، بل يجب أن تكون عبر بناء فكر وتعليم وثقافة تعزز الهوية الإسلامية والمدنية. وقد لعبت الجمعية دورًا رائدًا في نشر الوعي الديني والاجتماعي، ورفضت العنف والعمل السري، وظلت حتى اليوم، رغم منعها من أي نشاط ثقافي، تقدم خدمات إنسانية واسعة للفقراء والمحتاجين.
الهوية والطائفية في سوريا
يدرك الأستاذ الخطيب أن أزمة الهوية في سوريا هي نتاج سياسة ممنهجة من قبل النظام، فقام بتفكيك هذه الإشكالية عبر دراسة دور الهوية في تشكيل الدولة، وعلاقتها بالسلطة وحقوق المواطنة. وسلط الضوء على تأثير الطائفية كأداة في يد السلطة، مستهدفًا تحييد الدين عن التوظيف السياسي، ومنع الدولة من استغلاله في تأجيج النزاعات الداخلية.
مقاربة مختلفة للعلويين
بخلاف السائد، يرى الأستاذ الخطيب أن الطائفة العلوية ليست كيانًا متجانسًا يخضع لسلطة واحدة أو يتماهى معها، بل يؤكد أن العلويين أنفسهم عانوا من الظلم، قائلاً:
“لقد اطلعت من مصادر موثوقة على حوادث تقشعر لها الأبدان، وظلم مخيف تعرض له أبناء وبنات الطائفة العلوية قبل عقود، مما يخجل التاريخ من ذكر مرارته. ومع ذلك، ليس من العدل أن تتحمل أي طائفة مسؤولية أفعال قلة فاسدة تنتسب إليها، لأن هؤلاء المفسدين لم يسيئوا فقط للآخرين، بل ظلموا أبناء طائفتهم أيضًا.”
العلويون بين التهميش والتوظيف السياسي
يحدد الأستاذ الخطيب مجموعة من العوامل التي أثرت على واقع العلويين في سوريا:
التهميش المزمن: عاش العلويون في عزلة فرضتها ظروف سياسية واجتماعية، مما أدى إلى ضعف التفاعل بينهم وبين بقية مكونات المجتمع.
عدم الفهم والتمييز السلبي: جرى التعامل مع العلويين على أنهم جماعة مغلقة، دون محاولة إدراك واقعهم أو معاناتهم.
التطرف الداخلي: ساهمت العزلة في تغلغل بعض الأفكار المتطرفة والخرافات التي لا يقرها عقلاء الطائفة أو مثقفوها.
سوء استخدام الخطاب الديني: لجأت بعض الأطراف إلى سلاح التكفير، مما زاد من العزلة والتهميش.
استغلال السلطة للطائفة: تعامل النظام مع العلويين كأداة لفرض سيطرته، دون أن يمنحهم حقوقهم الفعلية، بل استخدمهم درعًا لحماية سلطته.
الخصائص النفسية والاجتماعية للعلويين
يصف الأستاذ الخطيب العلويين بأنهم شعب يتمتع بصفات إيجابية فريدة، لكنه يحمل في داخله الكثير من الحذر والارتياب نتيجة تاريخ طويل من الاضطهاد وسوء الفهم. ويؤكد أن بناء الثقة مع العلويين يجعلهم أوفياء وأقرب الناس لمن يثقون به.
كما يلفت النظر إلى فشل التيار الديني التقليدي في استيعاب العلويين، إذ كان يفترض أن يشكل الإسلام مظلة جامعة لجميع السوريين، لكنه لم ينجح في ذلك بسبب غياب النضج في التعامل مع التنوع داخل المجتمع. ويرى أن التدخلات الدولية ساهمت في تعميق الفجوة الطائفية، حيث فشلت سياسات الاستعمار في شق صفوف العلويين أثناء الاحتلال، لكنها نجحت بعد الاستقلال عبر أنظمة استبدادية استغلت الطائفية لترسيخ سلطتها.
الروابط التاريخية بين العلويين وجمعية التمدن الإسلامي
يقدم الأستاذ الخطيب حقائق تاريخية غير معروفة لكثيرين، منها أن جمعية التمدن الإسلامي كان لها فرع في قرية بيت الشيخ يونس في قضاء صافيتا، وهي منطقة ذات غالبية علوية. وكانت هناك علاقات قوية بين الجمعية وبعض العلويين الذين رفضوا محاولات الاحتلال الفرنسي لعزلهم عن بقية المجتمع السوري.
كما يكشف أن الجمعية كانت تعمل على دعم الطلاب العلويين والدروز في الكلية الشرعية، حيث سعت إلى زيادة عدد مقاعدهم، وتأمين دراستهم، بل والتدخل رسميًا لدى السلطات لمنع طردهم بسبب عدم توفر الكفالة المالية المطلوبة.
ويشير إلى علاقة الأخوة التي جمعت بين الشخصيات الوطنية من مختلف الطوائف، مستشهدًا بأن الشيخ المجاهد صالح العلي، أحد أبرز قادة الثورة السورية ضد الفرنسيين، توفي بين ذراعي العالم السني الجليل الشيخ محمد المجذوب، في مشهد يعكس عمق العلاقات بين مكونات المجتمع السوري بعيدًا عن الطائفية المصطنعة.
استنتاجات الأستاذ الخطيب حول المسألة العلوية
لم يسقط الأستاذ الخطيب في فخ الخطاب التقليدي الذي إما أن يعادي العلويين أو يقدسهم، بل رفض الخلط بين السياسي والديني، مشددًا على أن السلطة ليست حكرًا على طائفة بعينها، كما يروج البعض، بل هي شبكة مصالح تضم أفرادًا من مختلف الطوائف، ومنهم المنتفعون من غير العلويين أنفسهم.
كما أقر بأن التيار السني التقليدي فشل في التعامل مع العلويين، وأن الطائفة العلوية تعرضت لاستغلال داخلي وخارجي، مما أدى إلى تعقيد العلاقة بينها وبين بقية المجتمع السوري.
نحو مستقبل جديد
يدعو الأستاذ الخطيب إلى تجاوز عقد الماضي، وبناء مستقبل قائم على المواطنة المتساوية، بعيدًا عن منطق الطائفية والعزل المتبادل. ويؤكد أن سوريا لن تنهض إلا إذا تمكن أبناؤها من رؤية بعضهم البعض بعيدًا عن تصنيفات السلطة والطوائف، متسلحين بالحكمة والانفتاح.
خطوات لفك حالة الاحتقان بين السنة والعلويين في سوريا
- الاعتراف بالمظلومية المتبادلة
- إزالة الاحتكار الطائفي للسلطة
- إصلاح الخطاب الديني
- تعزيز التواصل الاجتماعي والثقافي
- العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية
- إصلاح النظام التعليمي
- ضمان التمثيل العادل في المؤسسات العامة
- محاربة الاستقطاب الإقليمي والدولي
- استلهام تجارب المصالحة الناجحة
- تعزيز مفهوم المواطنة الجامعة
هذه الخطوات، إذا تم تطبيقها بجدية، يمكن أن تشكل أساسًا لحل الأزمة الطائفية في سوريا، وتفتح المجال أمام مستقبل أكثر وحدة وعدالة لجميع السوريين.
Social Links: