زرقاء اليمامة:
العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الآونة الأخيرة، بما في ذلك الهجوم الأخير، لا يُعد مجرد استمرار لصراع طويل الأمد، بل يمكن اعتباره نقطة تحوّل حاسمة في سياق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتحولاً عميقاً في السياسة الإسرائيلية الداخلية والإقليمية. عند النظر في السياق المباشر لهذه الحملة العسكرية، نجد أن أهداف إسرائيل تتراوح بين الأمنية والسياسية، إلا أن الأسلوب الذي تم به تنفيذ العدوان، فضلاً عن الظروف المحيطة به، يشير إلى فشل استراتيجي مزدوج: الأول على المستوى العسكري، والثاني على مستوى الرأي العام العالمي.
أهداف العدوان:
انطلقت الحملة العسكرية الأخيرة على غزة تحت مبررات تقليدية، منها محاربة “الإرهاب” الذي تمثل في حركة حماس، والرد على الهجمات الصاروخية. ومع مرور الوقت، اتخذت الحملة طابعًا أكثر فوضوية، إذ لم تُسجل إسرائيل أي انتصار ملموس على صعيد القضاء على ما يُسمى “الإرهاب”، بل ثبت أن استخدام القوة العسكرية قد يؤدي إلى مقتل الأبرياء وتدمير البنية التحتية، لكنه لا يضمن الحسم السياسي أو العسكري المطلوب. من خلال هذا الرد العسكري العنيف، أظهرت إسرائيل مرة أخرى اعتمادها على نفس الأدوات القديمة: القوة المفرطة والاحتلال طويل الأمد، دون أن تشهد أي تطور ملموس في استراتيجياتها.
الضعف العسكري الإسرائيلي:
على الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي الكبير، أظهرت العملية الأخيرة أن الحسم العسكري لا يفضي إلى إنهاء المشكلة الأساسية التي تواجهها إسرائيل منذ عقود: المقاومة الفلسطينية في غزة، التي تواصل التجدد في أشكال مختلفة. هذه المقاومة ليست مجرد عنف ضد الاحتلال، بل هي رفض لمشروعية وجود إسرائيل. في الوقت ذاته، كشف الهجوم الأخير عن ضعف واضح في قدرة جيش الاحتلال على التعامل مع تكتيكات المقاومة المتطورة، مثل الأنفاق، والصواريخ، والأساليب غير التقليدية، ما يعكس عجزاً عسكرياً جوهرياً.
التحولات في المزاج العالمي:
على غير المعتاد، أصبح الرأي العام العالمي أكثر انتقاداً لإسرائيل. ففي السابق، كانت إسرائيل تتمتع بحماية غير مشروطة من بعض القوى الكبرى، لكن التصعيد الأخير كشف عن تراجع واضح في الدعم الغربي لإسرائيل، خاصة بين الشباب والمثقفين في الغرب. المظاهرات المناهضة للاحتلال الفلسطيني اجتاحت شوارع العواصم الأوروبية، وبدأت المواقف الشعبية تتحول لصالح القضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق. رغم الدعم الرسمي الذي تقدمه بعض الحكومات الغربية لإسرائيل، بدأ هذا الدعم يواجه ضغوطاً شعبية متزايدة. ففي دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بدأت الانقسامات العلنية تظهر لأول مرة بين السياسيين حول دعمهم لإسرائيل، وهو ما يشير إلى تغيرات عميقة قد تساهم في إعادة التفكير في شرعية وجود هذا الكيان.
التداعيات على الرأي العام الدولي:
الصور الصادمة للدمار والقتل في غزة، التي انتشرت بشكل واسع، كشفت بوضوح وحشية الهجوم الإسرائيلي. الصواريخ التي استهدفت المدنيين والأنقاض التي تغطي شوارع غزة لا يمكن تبريرها في العصر الحديث، خاصة في ظل غياب أي مسار سياسي جاد نحو الحل. وفي وقت يمتلك فيه العالم أدوات إعلامية أكثر فعالية لتوثيق الجرائم، أصبحت هذه الصور نقطة تحول في كيفية نظر العالم إلى إسرائيل. لم تعد “العدوانية الإسرائيلية” مجرد دعاية سياسية، بل أصبحت محط تساؤلات فلسفية وأخلاقية، وظهرت دعوات متزايدة للمحاسبة على جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.
هذا التحول في المزاج العالمي يشير إلى تغيير تدريجي في شكل السياسات الخارجية الكبرى، ومن غير المستبعد أن ينعكس هذا التغيير على القرارات السياسية الغربية بشكل ملموس في المستقبل القريب.
⸻
الخطوة التالية:
لقد وضعنا الأساس في هذا القسم لفهم السياق المباشر للعدوان، وبينت الحقائق الميدانية والتحولات في المواقف الدولية أن هناك تغييرات كبيرة تحدث. من المهم الآن أن ننتقل إلى تحليل ردود الفعل الداخلية في إسرائيل، خاصة داخل التيار السياسي الذي يقوده نتنياهو، كي نتمكن من رسم صورة أكثر دقة حول كيفية تعامل المجتمع الإسرائيلي مع هذا الفشل العسكري والسياسي، ومدى تأثيره على مستقبل النظام الحاكم في إسرائيل.
⸻
القسم الثاني: ردود الفعل الداخلية في إسرائيل: انهيار الثقة وتداعيات السقوط السياسي لنتنياهو
التيار السياسي الإسرائيلي: انهيار داخلي
منذ بداية العدوان على غزة، اتخذ الموقف السياسي الإسرائيلي شكلًا حادًا من الانقسام الداخلي، وهو أمر لم يكن متوقعًا على هذا النحو. ففي السابق، كان تيار بنيامين نتنياهو المحافظ، الذي يعتمد على اليمين المتطرف والإيديولوجية الصهيونية، يتمتع بقاعدة دعم واسعة، خاصة من داخل الطبقات السياسية والعسكرية، فضلاً عن الدعم الواسع من التيارات الدينية القوية. لكن مع تصاعد العمليات العسكرية في غزة، بدأت تظهر التصدعات في هذا التيار، ما يعكس عجزًا في تقديم مبررات مقنعة للجمهور الإسرائيلي، وكذلك عجزًا في تحقيق “النصر” الذي تم الترويج له.
الفشل في تحقيق الأهداف السياسية:
تم تسويق الهجوم على غزة في البداية كاستراتيجية لحماية الأمن الإسرائيلي، وهو الشعار الذي لطالما استخدمه نتنياهو لكسب الدعم السياسي. لكن فشل الحملة في تحقيق أي من الأهداف العسكرية أو السياسية الكبرى، مثل تدمير البنية العسكرية لحماس أو تدمير القدرة الصاروخية لحركة الجهاد الإسلامي، أصبح مصدر إحراج كبير له. بدلاً من تعزيز الأمن الإسرائيلي، كما كان يُتوقع، ساهم هذا العدوان في زيادة شعور الإسرائيليين بالضعف العسكري في غزة.
التحولات في التحالفات السياسية:
داخل الحكومة الإسرائيلية، برزت خلافات حادة بين حزب “الليكود” الحاكم وبعض الأعضاء البارزين فيه، الذين بدأوا يوجهون انتقادات علنية لقيادة نتنياهو. بعض هؤلاء بدأوا الانسحاب من دعم سياسته العسكرية بشكل علني، معتبرين أن الاستراتيجية المتبعة لا تتناسب مع تطورات الوضع السياسي والاقتصادي في إسرائيل. مع تزايد الانتقادات،
Social Links: