احمد الحمود
حان وقت العقول لا الطبول… سوريا ليست صندوق بريد للرسائل السياسية
وسوريا منذ لحظة انكسار الحلم السوري، تدفع فاتورة الحرية: بالعنف، بالإهمال، بالتصفية، وأخيراً بالقصف.
الدم في سوريا ليس مادة تحليل سياسي، ولا ذريعة للخطابة. والذين يدفعون اليوم باتجاه “الرد”، أو “المواجهة”، أو حتى “الانتقام”، يفعلون ذلك من خلف شاشاتهم، من غرفهم المكيفة، وبلا أدنى فهم للواقع العسكري والسياسي الذي تمر به سوريا.
نحن بلدٌ مُنهَك، ومجتمعٌ ممزّق، وجيشٌ بالكاد يستطيع أن يُعيد ترتيب نفسه، فكيف يمكن أن نُصدّق أن هناك من يدعو لصدام عسكري شامل؟ بل الأدهى أن بعض هؤلاء باتوا يلوّحون بمقارنات بائسة بين “موقف السلطة الجديدة” و”ردود أفعال النظام البائد”، وكأن المشكلة تكمن فقط في اللهجة، أو في البيانات، أو في عدد الصواريخ.
هل المشكلة أن الرد لم يكن كافياً، أم أن بعض من يحللون ويتحدثون ويحرّضون، يريدون استخدام دماء السوريين كأداة لتصفية حسابات سياسية؟
لقد اعتدنا سابقا على خطاب “المزايدة الوطنية”، الذي ينطلق فور كل ضربة جوية إسرائيلية، حيث كانت تُستخدم هذه الاعتداءات كأداة لتلميع النظام البائد أو لتبرير وجوده.
واليوم، وللأسف، نرى الخطاب نفسه يُستخدم بالمقلوب: أي استثمار هذا العدوان للتقليل من شرعية السلطات الجديدة أو قدرتها على إدارة البلد.
نعم، نحن لنا تحفظات جديّة على أداء هذه السلطة. وهذا لا نخفيه. ولكن الهجمات الإسرائيلية لم تكن يوماً “فرصة سياسية” لأي طرف وطني، بل هي عدوان مستمر على السيادة، لا يفرق بين عسكري ومدني، بين مؤيد ومعارض، بين جديد وقديم.
إسرائيل لا تقصف حسب الميول السياسية، بل حسب مصالحها الأمنية. وهذه المصالح لا تُردع بتغريدة ولا بمقال، ولا بصوت مبحوح في ندوة إلكترونية.
بل تُردع بسيادة حقيقية، وبجيش مُتعافي، وبعلاقات إقليمية متوازنة تستطيع أن تنتج توازناً مرحلياً على الأقل.
لهذا، فإن أفضل ما يمكن فعله الآن ليس رفع الشعارات ولا إلقاء الخطب التحريضية او الجهادية، بل:
- الانخراط العاقل في التنسيق مع الدول العربية الفاعلة، وعلى رأسها السعودية، من أجل ممارسة ضغط سياسي حقيقي تجاه وقف الانتهاكات.
- تحييد سوريا عن صراعات المحاور الإقليمية، التي جعلت منها ساحة لتصفية الحسابات.
- التركيز على إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس تحفظ سيادتها، وتُمكّنها مستقبلاً من أن يكون لها موقف مختلف، وقادر، ومستقل.
ما نحتاجه اليوم هو عقل بارد، لا صراخ ساخن.
نحتاج تضامنًا مع سوريا، لا تصفية حسابات على جثث أبنائها.
نحتاج مشروعًا وطنيًا، لا خطابات عابرة تُنسى مع أول ترند جديد ….!!
Social Links: