الخلية الحرة-2013 (3من7) ــ عمران كيالي

الخلية الحرة-2013 (3من7) ــ عمران كيالي

 

لقد ذكرت لكم منذ البداية كيف انشطرت عن أمي، كما قلت لكم في الفصل الثاني أننا معشر الخلايا لا نموت، و تفاصيل ذلك، إن الإنشطار بحد ذاته، كما تعلمنا، لا يعني الموت، و الذي حصل هو أن وظيفة الخلية الماما قد انتهت عندما شطرتني، و أعطتني خير ما عندها من جينات، و أبقت على حالة التذاكر، التذاكر الذي يمكن تشبيهه بخيط المسبحة الذي يربط جميع الحبات (الجامع بين المتماثلين) و بعد أن شطرتني بدقائق، أصبحت لقمة لخلية جائعة قريبة، جينات الخلية الماما اتحدت مع جينات الخلية الجائعة، فتكون لدينا خلية شبعانة و ناضجة و جاهزة للانشطار لتعطي خلية جديدة مثلي (إبنة) فيها أحسن الجينات، و فيها بالطبع شيء من جينات الخلية الماما، يعني، في كل الخلايا التي حولي، القريبة و البعيدة، يوجد شيء من الماما، و هذا هو سر التذاكر، حيث أتذكر أمي في كل خلية تقع عليها عيناي . إذا فالخلية الماما لم تمت، إنما انتقلت إلى خلية أخرى و أخرى، أي تحولت إلى مامات، و ماماتي أنا هي نفس مامات الخلايا التي حولي، و التي هي بنفس الوقت داداتي ….. الكرية الحمراء الجريحة التي نقلت لنا نبأ إصابة صاحبنا الرأسمالي الطماع، كانت في الكتف، لكن رصاصة قناص الإذاعة أصابتها بشظية سامة، و بدلا من أن تنزف خارج الجلد، نزفت إلى الداخل، فكان مصيرها أن تصل إلى الكبد، مقبرة الكريات الحمراء، حيث تم التهامها من قبل إحدى صديقاتي الخلايا، و بتنا بواسطة جينات الخلية الحمراء الراحلة قادرين على رؤية مشهد الإصابة و تفاصيل الإشتباك الأخير (بالتذاكر طبعا) ….. كان صاحبنا الرأسمالي الطماع عائدا من بستان القصر (علما أنه من قاطني حي الشهباء و لم يسمع بحي بستان القصر إلا مؤخرا) و كان يحمل كيسين مليئين بالخضار و الفواكه و بيدونا من البنزين لسيارته الأمريكية و بينما كان يقطع المعبر إلى حي المشارقة، أصابته طلقة من جهة حي الإذاعة في كتفه، و كان ما كان، هرج و مرج، و محاولات بدائية لإسعافه، الأولاد يسرقون مشترياته، أهل المصاب يصلون أخيرا، الزوجة تلطم و تولول، الأبناء و أبناء الأخ يبعدون الناس إلى جانبي الشارع لكي يستطيعون نقل المصاب ….. أنا الخلية الموقعة أدناه، أتبرأ من صاحبي الذي أعيش في كبده، و أعلن عن رغبتي في مغادرة جسمه، لأنه ظلمنا و ظلم نفسه، عرضنا و عرض نفسه لإصابة بليغة . و ها نحن جميعا، في غرفة صغيرة، في أحد المشافي، نستمع إلى أقرب أقربائه يتكلمون عنه، بينما هو غارق في البنج و غائب عن الدنيا، و كما هو حاله دائما، بلا وعي ….. الزوجة : ولي على قلبي يا بكري … الإبن الأكبر : بس ماما، وحدي الله، خير، خير إن شاء الله … الزوجة : منين الخير ولك إبني، نزف كومة دم … الممرضة : خاله، تعي استريحي هون، بتريدي أجبلك عصير ؟… الزوجة : دخيلكن ما بدي شي، بس بدي جوزي يقوم، ولك قوم بكري … الإبن الأوسط : طولي بالك يوم، طولي بالك … الممرضة : أنا لازم أروح، إذا بدكن شي كبسو هادا الظر ….. فترة من صمت ثقيل، لا نسمع خلالها سوى تنفس صاحبنا المستلقي على السرير، غائبا عن الدنيا و بلا وعي، خطر في بالي، أثناء فترة الصمت هذه، أن جميع الكائنات مثلنا، لا أقصد أنها مثلنا في كل شيء، إنما أقصد أنها لا تموت، فالذرات غذاء للنباتات، و النباتات غذاء لآكلات الأعشاب، و آكلات الأعشاب غذاء لآكلات اللحم، و آكلات اللحم غذاء للمفترسة، أما الجميع فغذاء للآدميين، و الآدميون إما يقتلون بعضهم أو يموتون ميتة طبيعية، و في الحالتين تتحول عظامهم إلى ذرات تعيش منها النباتات …..

يتبع …..

  • Social Links:

Leave a Reply