شهدت محافظة إدلب، خلال الشهر الجاري، سلسلة عمليات اغتيال خاصة، في المناطق الخاضعة لسيطرة (هيئة تحرير الشام/ النصرة)، تم خلالها استهداف أبرز قادة الهيئة، من عسكريين وشرعيين، بعيارات نارية أو بعبوات متفجرة، بالتزامن مع الاعتراضات التي تهدد الاتفاق الروسي التركي بخصوص إدلب، من قبل الجماعات الجهادية، والرغبة في إبعادهم عن المنطقة المنزوعة السلاح المزمع إقامتها.
وسُجل، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي حتى الثالث عشر منه، مقتل خمسة من أبرز قياديي “هيئة تحرير الشام”، على أيدي مجهولين، وهم (أبو حذيفة التركستاني، أبو الليث المصري، أبو يوسف الجزراوي، أبو مصعب الديري، خطّاب الحموي”، حيث تم استهداف بعضهم بأعيرة نارية، وآخرين بعبوات ناسفة.
في هذا الموضوع، يرى الناشط السياسي جمال البكري أن “سلسلة الاغتيالات التي طالت أبرز قادة الهيئة مؤخرًا ليست عشوائية، وإنما تم تنفيذها بطرق منهجية، بدليل استهدافها لأشخاص ذوي مناصب حساسة في الهيئة، يعارضون ما يجري من اتفاقات سياسية، لا سيما اتفاق (سوتشي) الأخير”.
أضاف البكري، في حديث إلى (جيرون)، أن “المكون العسكري لـ (هيئة تحرير الشام) بات ينقسم إلى تيارين: الأول بقيادة (أبو محمد الجولاني) الذي تبنى العمل على تطبيق بنود أستانا، وتسليم مناطق شرق السكة (سكة قطار الحجاز) لقوات النظام، أما التيار الآخر فيضم عدّة شخصيات بارزة من قادة الهيئة، ويتزعمهم (أبو يوسف الحموي) الذي يُعدّ من مؤسسي (جبهة النصرة)، ويشغل منصب المسؤول الأمني في (هيئة تحرير الشام)، وأمير (قاطع حماة) الذي يتبع له (سجن العقاب) أبرز سجون الهيئة في الشمال السوري، إضافةً إلى (أبو عبدو كنصفرة) المسؤول العسكري العام، و(أبو اليقظان المصري) الذي يشغل منصب الشرعي العام في الهيئة”.
وتابع: “يعود الخلاف في فكر التيارَين إلى عدّة أسباب، منها الفكر الجهادي والإصرار على مُحاربة قوات النظام وروسيا وإيران، وتهديد اتفاق سوتشي بشأن محافظة إدلب، وأخرى متعلقة بأبناء المنطقة في (قاطع حماة) الذي يترأسه (أبو يوسف الحموي) خصوصًا مدينة حلفايا مسقط رأسه، وهو يَعتبر ومن معه من قادة عسكريين وشرعيين (مهاجرين وسوريين) وبقية العناصر الذين كانوا يتبعون لـ (جند الأقصى)، أن تطبيق اتفاق سوتشي سوف يمنعهم من العودة إلى بلداتهم (حلفايا، خطّاب، طيبة الإمام)، التي تُعدّ الخزان البشري لقاطع حماة، وبالتالي بات الخلاف واضحًا بين التيارين، إذ يسعى كِلاهُما للسيطرة على هذا الجسم العسكري وتحقيق أهدافه وبسط نفوذه في الشمال السوري”.
أشار البكري إلى أن “تيار الهيئة الأول (المُعتدل) بدأ تصفية حساباته الداخلية، وإعادة ترتيب بيته الداخلي، سعيًا منه لإرضاء الدول الغربية في المرحلة المقبلة، أما أصحاب التيار الآخر الذين يحمل فكرَ الجهاد ويدعو إليه، فيرفضون الاتفاقات السياسية بشأن سورية، لذلك سيكون مصيرهم الموت، بطريقة أو بأخرى، لأنهم يشكلون عبئًا كبيرًا على الأطراف المعتدلة، وبقاؤهم في المكون العسكري ليس لمصلحة التيار الأول، لأن أهدافهم وإصرارهم على الفكر الجهادي لا يتوافق مع سياسة الدول الغربية، لذا باتت هوية الذين يقفون خلف الاغتيالات واضحة تمامًا، وستطال العمليات كلَّ من يحمل فكرة الجهاد من السوريين والأجانب، لكونهم يشكلون خطرًا على سورية وباقي الدول العربية والغربية”.
وأضاف: “أتوقع أن تشهد محافظة إدلب، في الأيام المقبلة، تغيرات جذرية في كل المشهد العسكري في المحافظة، ومن الممكن أن يُعلَن عن كيان عسكري موحد، يضم كافة الفصائل المتواجدة في الشمال السوري، ولن يكون هنالك جهتان عسكريتان، في حال تم تطبيق بنود سوتشي على الأرض، وبالتالي سيزول اسم (هيئة تحرير الشام) ويعود أبناء سورية الذين انضموا إلى الهيئة بدوافع عديدة، إلى وضعهم الطبيعي، وينصهرون داخل الجسم العسكري الجديد، إلا من ارتكب جرائم حرب، أو من تبنى الفكر الجهادي، فهؤلاء لا يهمهم إسقاط النظام فحسب، بل القتال في كل بقعة من العالم، تحقيقًا لهدفهم في إقامة (خلافة إسلامية)”.
من جهة أخرى، رأى خالد المطلق، كاتب وباحث في الشؤون العسكرية والأمنية، أن “(هيئة تحرير الشام) هي كبقية الفصائل (أحرار الشام وجيش الإسلام) التي تصدرت الثورة السورية عام 2013، وبدأت تصفية (الجيش السوري الحر)، وجميعهم يُدارون من قبل أجهزة المخابرات الإقليمية أو الدولية”.
وقال لـ (جيرون): “هنالك أكثر من تيّار في الهيئة: الأول الذي يعدّ نفسه حامي السلفية الجهادية والثورة السورية ظاهريًا، وفي الحقيقة هو عميل لأجهزة المخابرات، ومعظمهم ممن خرجوا من سجن صيدنايا في بداية الثورة السورية، وبدؤوا بعمليات التخريب: محاربة الفصائل العسكرية، وتسليم المناطق لقوات النظام. وقد ثبتت عمالتهم للنظام والأدلة كثيرة”.
وتابع: “أما التيار الآخر من (هيئة تحرير الشام) فهم من المُغرر بهم، وبينهم من وصلوا إلى مرحلة القيادة العسكرية في الصفوف الأولى والثانية، لكنهم مقيّدون ولا يستطيعون أن يتخذوا القرارات، لأنها تصدر وتطبّق من قادة التيار الأول”.
حول موضوع الاغتيالات التي طالت قادة الهيئة، قال المطلق: إن “الهيئة تقوم بإزاحة كل فرد بداخلها يعارض مخططات سوتشي وغيرها من المؤتمرات التي حصلت مؤخرًا كـأستانا، وهي تُحاول إبعادهم عن الساحة قُبيل انتهاء تطبيق مقررات سوتشي، لكيلا يدخلوا في مرحلة النزاعات الدولية”.
وأشار إلى أن لـ (تحرير الشام) “مشاركات سياسية، توافق كافة الحلول التي يتم طرحها من الدول، وشاركت في عدّة مؤتمرات بطريقة غير مباشرة أي بـ (الوكالة) من الأطراف المُتحكمة فيها، وهي أول من تُطبق المقررات السياسية على الأرض، بداية من تسليم المناطق الشرقية في محافظة إدلب لقوات النظام، حسب أستانا، وسحب سلاحها الثقيل من المنطقة منزوعة السلاح، حسب مقررات سوتشي، وهي تسعى لأن تعطي انطباعًا لبقية الدول بأنها حامية للثورة السورية، وتسير وفق ما تريده الدول”.
Social Links: