هل النظام السوداني بحاجة إلى مؤامرة خارجية محمد أبوالفضل

هل النظام السوداني بحاجة إلى مؤامرة خارجية محمد أبوالفضل

نظام البشير فقد جانبا كبيرا من مصداقيته

الرئيس السوداني عمر حسن البشير يسير في ركب الكثير من القيادات التي درجت على تحميل مسؤولية الفشل الداخلي لجهات داخلية وخارجية، وبدأ يلجأ إلى هذه النغمة مؤخرا كنوع من الاستسهال وتبرير التظاهرات التي تجتاح مدنا مختلفة، ووجدها فرصة للحد من تدهور شعبيته وسيفا للتحريض على من رفعوا سقف مطالبهم وحولوا انتفاضة الخبز وتخفيف الأزمة الاقتصادية إلى إسقاط النظام.

السودان من الدول التي لديها مشكلات بالجملة، وليست بحاجة إلى التآمر عليها بالمعنى التقليدي، ويكفي أن يتذمر المواطنون ويتسع نطاق غضبهم لتهتز الأوضاع من تحت أقدام أي نظام حاكم، وهو ما حدث على مدار الأسابيع الماضية، وتعمقت الأزمة لأن الحكومة لا تملك المجاهرة بالوعود الإيجابية كغيرها، فقد فقدت جانبا كبيرا من مصداقيتها، ما جعلها غير قادرة على الكلام المباشر عن فترة واعدة من الرخاء، ولو على سبيل تهدئة الأزمة.

البشير يبدو كمن استهلك الفرص التي أتيحت له لتثبيت أركان نظامه بصورة تبعده عما يمكن أن تسببه الاحتجاجات من عراقيل، وعاد لتكرار أخطاء من سبقوه في السودان، عندما تعمد القبض على زمام الأمور والتشبث بالسلطة وحصرها في شخصه، وتجاهل أنين القطاع الواسع من المواطنين، اعتمادا على أداتي الحزب، حزب المؤتمر الوطني، الذراع السياسية للحركة الإسلامية في السودان، والمؤسسة العسكرية التي ينحدر منها ولها اليد الطولى في البلاد. الجهتان أظهرتا قدرا من التململ من التصرفات التي تبناها البشير، وبدأت كلتاهما مع اندلاع الأزمة تحتفظ بمسافة بعيدة عنه، في اعتقاد بأنها قد تنجو بنفسها، ولو بالتضحية بالرئيس، لكن عندما تأكدتا أن السفينة يمكن أن تغرق بالجميع والشعب لن يتقبل نظرية منطق رأس الذئب الطائر، أعادتا تقويم الموقف لصالح عدم الهروب من مساندة البشير.

المساندة الظاهرة انعكست في تصريحات بعض المسؤولين في المؤسسة الحزبية والحركية، ناهيك عن المؤسسة العسكرية، وتغيرت الإشارات الأولى التي أوحت أن البشير يقاوم التظاهرات بمفرده وعلى وشك الرحيل، لصالح التكاتف والالتفاف حوله وتبديد هواجسه، لأن ردود الفعل الخارجية بدت غير معنية كثيرا بما يجري في السودان، ولم يتم تسليط الأضواء على ما يدور من احتجاجات أو مطالبات بالرحيل بعد سقوط عشرات الضحايا.

البشير والحكومة والحزب والحركة الإسلامية، تصرفوا من منطلق الدفاع عن أنفسهم كوحدة واحدة، وحاولوا تجاهل الخلافات البينية في هذا التوقيت، ولجأت القيادات إلى تجميع الصفوف تحت شعار المؤامرة أو الاستهداف الخارجي، والذي لم يتم تقديم رواية مقنعة عنه حتى الآن.

السودان مثل غيره من الدول له أعداء وأصدقاء، لكنه ليس بحاجة إلى تآمر هؤلاء، ولم يستطع الحصول على دعم هؤلاء، فالمشكلات الممتدة في طول البلاد وعرضها، والتوترات التي تزخر بها أراضيه لن تجعل أية جهة تريد النيل منه عاجزة عن تحقيق أغراضها، لذلك تظل عملية المؤامرة سلاحا معنويا يريد من ورائه الرئيس البشير، وهو الأكثر ترديدا له، توظيفه لنهر المتظاهرين المنساقين وراء بعض الخونة.

الأصدقاء، أو من يتصور النظام السوداني أنهم من الأصدقاء، لم يذهبوا أبعد من تقديم الدعم المعنوي، متمثلا في خطابات سياسية رنانة، ترمي إلى الحفاظ على وحدة الدولة واستقرارها، لكن لم يتمكنوا من تقديم مساعدات اقتصادية عاجلة، وهي جوهر الأزمة، والمتوقع أن تزداد صعوبة، سواء استمر البشير في السلطة أو خرج منها، لأن تراكمات السنوات الماضية جعلت البلاد أسيرة عقبات محتدمة.

النظام السوداني تجاهل أنين القطاع الواسع من المواطنين
النظام السوداني تجاهل أنين القطاع الواسع من المواطنين

المشكلة أن جهات كثيرة، في السودان وخارجه، على قناعة بأن فرص النظام باتت محدودة في الاستمرار، وهي إشارة سلبية للبشير، وضعته بين فكي رحى التمادي في استخدام القوة أملا في السيطرة على الاحتجاجات، أو التساهل معها وتليين قبضته الأمنية لنزع الحجة التي تستخدمها المعارضة لممارسة المزيد من الضغوط.

الأولى فشلت مع غالبية من جربوها واعتمدوا عليها بمفردها، لأن ارتفاع معدل الضحايا يحرك الكثير من الأصوات العائمة في العالم، ومع تزايد الأرقام المعلنة من القتلى والجرحى من المتوقع أن يتزايد الغضب على النظام السوداني، وهو ما استعد له البشير مسبقا عبر تكثيف الاعتماد على نغمة المؤامرة وملابساتها الشيقة.

أما الثانية فقد نجحت في دول وأخفقت في أخرى، ويتوقف ذلك على حنكة النظام الحاكم، وفي الحالة السودانية يرجح أن يكون الفشل حليفها، لأن غالبية الأنماط التي جُربت في دول عربية خلال الثورات السابقة، وحاولت الحكومات الانحناء للعواصف، أفضت إلى ارتفاع المطالب وتحويلها من الشق الاقتصادي والاجتماعي إلى السياسي والأمني، وهكذا سقط نظام الرئيس حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، وحتى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح واجه المصير نفسه بعد مماطلات عدة.

الحالة السورية كانت فريدة من نوعها، لأن القبضة الحديدية التي استخدمت لم تكن كافية، وكادت تفضي إلى انهيار نظام بشار الأسد والدولة برمتها، لكن الدعم الذي حصل عليه من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، ودخول متغيرات إقليمية ودولية متنوعة على المشهد وفّرا فرصة لتماسك النظام واستمراره، حتى الآن، ضمن لعبة معقدة من التوازنات والمعادلات.

السودان يخلو من كل ذلك، ولديه ما يكفي من عوامل الهشاشة الداخلية التي يمكن أن تهز أركانه بغير حاجة إلى مؤامرة من هنا أو هناك، بالتالي لن يؤدي ترديدها سوى إلى الإساءة للنظام الحاكم، الذي أخفق في نسج شبكة من الأصدقاء والحلفاء يساندونه في لحظة حاسمة، ولم يستفد من تجارب الآخرين، الذين جرى التضحية بهم بعد أن تحولوا إلى ورقة مستهلكة.

هواجس المؤامرة، قد تجدي في دول مختلفة، تملك من القدرات والمقومات ما يمكنها من التأثير في من حولها، لكن بالنسبة للنظام السوداني الذي كان يصور نفسه على أنه يحتفظ بعلاقات جيدة مع الشرق والغرب والشمال والجنوب، فإن المسألة غير مقنعة، كما أن المنطقة المحيطة حافلة بصراعات ممتدة، والمعارضة النشطة في دولها لها امتدادات خارجية معروفة، احتاجت الكثير من الدول إلى تفاهمات إقليمية للسيطرة عليها، كما أن معظم المشكلات الداخلية لها روافد في الدول المجاورة، في الحرب والسلام.

المقصود أن العنصر الخارجي حاضر منذ فترة في السودان والدول المحيطة، وتوصلت الخرطوم إلى تفاهمات عديدة مع كل من تشاد وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان ودولة أفريقيا الوسطى، لوقف لعبة الحرب بالوكالة من خلال المعارضة، وتظل فكرة التآمر الإقليمي محدودة مع كل المعاناة التي تواجهها هذه الدول، والتي لا تملك رفاهية التخريب والقدرة على هز أركان نظام دولة مجاورة، قد ترتد التداعيات عليها في النهاية.

  • Social Links:

Leave a Reply