في ذكرى الثورة؛ هل يعود القرار السوري إلى السوريين؟ _ أحمد مظهر سعدو

في ذكرى الثورة؛ هل يعود القرار السوري إلى السوريين؟ _ أحمد مظهر سعدو

تلج الثورة السورية عامَها التاسع، في عملية تسجيل تاريخية تشير إلى أنها من أكثر الثورات دراماتيكية، ومن أوضحها استمرارية أيضًا، ومن أكثرها تدخلًا خارجيًا كذلك. ويبقى الحديث عن مآلاتها ملحًّا ومشروعًا، ويبدو أن كينونة الثورة ووجودها يؤشران إلى جملة تغيرات في مساراتها، في مستقبل الأيام.

الكاتب السوري محمد خليفة قال لـ (جيرون): “ليس هناك (موديل) موحد للثورة، فلكل ثورة في التاريخ خصوصياتها وسماتها التي تتميز بها. والثورة السورية مثال واضح على الاختلاف والتميز. ولنتفق أيضًا على أن الانتفاضة الشعبية التي بدأت في منتصف آذار/ مارس 2011 هي ما نعنيه، حين نتحدث عن (الثورة السورية)، غير أن الوصف ليس دقيقًا من الناحية العلمية، لأن تعبير السوريين عن رفضهم للنظام الاستبدادي القائم، بالنزول إلى الشارع وتظاهراتهم الغاضبة، اتّسم بالعفوية والتلقائية والعشوائية، وليست تلك ثورة، بالمفهوم العلمي، وإنما هي تعبير عن (حالة ثورية) تعتمل في أوساط المجتمع بكل طبقاته وفئاته. وكان ينبغي ترشيد هذه الحالة وتنظيمها بخلق (أداة ثورية) منظمة ومنضبطة وموحدة، تقود الجماهير الثائرة، وتعبئ طاقاتها وتوظفها في استراتيجية شاملة، وخطة عمل سياسية واجتماعية وإعلامية (وعسكرية إذا اقتضت الضرورة). ومن البدهي أن بناء أداة الثورة الموحدة شرطٌ موضوعي حتمي لانتصار الثورة، فالثورة لا تنتصر بالعواطف، بل بالعمل المنظم الرشيد. وهذا ما افتقدته تجربتنا حتى الآن. وما حدث في الواقع هو أن الانتقال المطلوب، من الحالة الثورية العفوية إلى الثورة المنظمة الموحدة، لم يتحقق، بسبب عجز النخب والقوى التي تصدت لقيادة الانتفاضة -على المستوى السياسي- عن إنجاز هذه المهمة المفصلية؛ فبقيت الحالة الثورية عشوائية وعاطفية تفتقر إلى البناء التنظيمي الموحد والأداة والقيادة، كما تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية للتحرك في الداخل الوطني والخارج الدولي، فخسرنا رهان العالم علينا ودعمه”.

وعن المستقبل، أكد خليفة أن الثورة السورية “كحالة رفض شعبي، لن تتراجع ولن تستسلم، بل ستستمر وتتجذر، وهي تمر حاليًا بمرحلة مراجعة لتجربة الثماني سنوات، وباتت قوى الثورة الشعبية تدرك وتعي أن لا بد من خلق (أداة للثورة) ووضع استراتيجية وطنية ثورية واقعية موحدة، يتم عليها تأمين الإجماع الوطني، وتوحد كل القوى وتفرز قيادة ثورية حقيقية ذات كفاءة وأهلية وشرعية، تنضوي وراءها كل الفصائل والأطراف، وتلتزم باستراتيجيتها وقراراتها”، وأضاف: “أعتقد أن النظام قد سقط منذ عام 2011 وتكرر سقوطه مرة بعد أخرى، خلال السنوات الثماني، وبقاؤه حتى الآن في السلطة ليس دليلًا على شرعيته وصلاحيته، وهناك مخاض صعب ومعقد يؤخر ظهور الجديد الذي لا بد أن يولد، لكن شروط ظهوره لم تكتمل، ولا بد أن يكون واضحًا أن الثورة السورية التي أعنيها ليست إسقاط الأسد ونظامه الشمولي، لكنها ثورة عميقة تغير المفاهيم والنظم والاستراتيجيات الوطنية، وتغير موضع سورية ودورها ووظيفتها في محيطها، وفي العالم. وهذا البعد في الثورة السورية هو ما جعل أعداءها الأقوياء في العالم يقفون ضدها ويتآمرون عليها”.

من جهة ثانية، قال تمام بارودي، رئيس المنتدى الاقتصادي السوري: إن الثورة “لن تتوقف ولم تهزم، ولن تهزم، وإن كان الثوار الحقيقيون قد توقفوا عن العمل؛ فإنهم بانتظار أن ينهي الوصوليون بعضهم بعضًا، وهذا ما حدث ويحدث الآن، سواء على المستوى العسكري أو السياسي. بعد ذلك ستعود الثورة إلى الساحة بوضع جديد، وقد تخلصت من كل الخبث، فعلى المستوى العسكري ستبدأ بمقاومة سرية، وعلى المستوى السياسي سيفرضون نفسهم على الساحة الداخلية والدولية. وبرأيي لا بد من تشكيل أحزاب بالداخل من الآن”.

أما الدكتور محيي الدين بنانا، وزير التربية والتعليم السابق في الحكومة السورية المؤقتة، فقال لـ (جيرون): “تُعدّ الثورة السورية من أهم الثورات في الوطن العربي وفي العالم، وعندما انطلقت كانت تطمح إلى الحصول على حرية المواطن وكرامته، وبالتالي فهي انطلقت ضد الدكتاتورية والفساد وكانت نقية بامتياز، إلى أن تدخّل المال السياسي، الذي ساهم في تمزيق صف الثوار، وحوّل جزءًا كبيرًا منهم إلى عصابات مسلحة، وتكتلات سياسية مرتبطة بأجندات دولية تخدم مصالح تلك الدول، ولا تخدم مصلحة الثورة والوطن، وهذا كان سببًا أساسيًا أدى إلى تراجع أداء الثورة السورية، والوصول إلى ما نحن عليه من التشرذم، وفقدان البوصلة وارتهان القرار السوري بيد الغرباء”. وتابع يقول وقد أبدى أسفه: “أصبحت كل القضايا التي تتعلق بالوطن السوري يحسمها ويبت فيها غير السوريين، ولذلك لا بد من استرداد الثورة وعودتها إلى صفائها ونقائها، واستلام زمام الأمور من جديد، وعودة القرار السوري للسوريين، وهذا لن يتأتى إلا بلقاء الشرفاء الثوريين، ووحدة كلمتهم وترك السلبية والإحباط، الذي أوصلنا إليه أعداءُ الثورة، وهم كثر، داخليين وخارجيين، وبذلك نكون قد خطونا الخطوة الأولى لنجاح الثورة، وأعتقد بل أجزم بأنها ستنتصر على عصابة الأسد، وتطردهم وتطرد كل الغرباء والمحتلين من سورية الحبيبة بإذن الله”.

الباحث الفلسطيني السوري تيسير الخطيب قال: “الحديث عن مآلات الثورة السورية حديث ذو شجون، وخصوصًا عندما نتوقف أمام حجم التضحيات الكبيرة والمعجزة التي قدمها الشعب السوري الأبي على مذبح حريته وكرامته. ولا شك في أن تقييم الأوضاع التي وصلت إليها الثورة هو أمرٌ شائك ومعقد، لكنه ليس عصيًا على الفهم والتقييم، فبقدر ما نبتعد عن التقييم العاطفي والانفعالي، نصيب كبد الحقيقة. وكي نكون واضحين: كل تقييم لا يأخذ الظروف الموضوعية التي أحاطت بالثورة بشكل خاص وسورية بشكل عام، سيبقى تقييمًا منقوصًا، وعاجزًا عن قراءة وفهم ما جرى، وما آلت إليه الثورة السورية ونتائج الصراع في سورية وعليها. فالثورة السورية التي طرحت شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية ودولة المواطنة والقانون، كانت هي الثورة الفاضحة التي عرّت الذين وقفوا معها، قبل أن تعرّي الذين وقفوا ضدها. وبكل اختصار أقول: إن تواطؤ القوى الإقليمية والدولية التي ادعت دعمها للثورة، مع النظام بالتغاضي عن سلوكه الإجرامي، وتوقفها التام عن تأييد مطالب الشعب ودعم ثورته، أخلّ ميزان القوى لمصلحة النظام، بينما كان حلفاء النظام يزجون بقدرات هائلة ويشاركون فعليًا إلى جانب النظام في الصراع ضد شعبه”.

ورأى الخطيب أن “الأطراف الدولية والإقليمية التي ادعت دعمها للثورة لم تكن تريد لها أن تنتصر، حيث إن الكثير من الأوساط المعارضة غذت الوهمَ بوجود انحياز أميركي غربي إلى جانب الشعب السوري، بينما كانت تلك القوى في الواقع تسهل عملية تغلّب النظام على شعبه، وإحكام قبضته الحديدية عليه. ولم يكن الذين ادعوا دعمهم الثورة، ليقفوا مع ثورةٍ تنادي بالحرية والديمقراطية؛ لأن هذا الطرح يقع ضد الاستراتيجيات الاستعمارية والرجعية إزاء بلادنا. وبالتأكيد ليست دول الخليج العربي معنية بنصرة ثورة وطنية ديمقراطية، لأن انتصارها يشكّل مثالًا يحتذى لدى كل شعوب الأمة، وليست الولايات المتحدة معنية بانتصار هذه الثورة، لأن انتصار ثورة وطنية ديمقراطية سيأتي بسلطة منتخبة تعبّر عن الجماهير ومصالحها، ويهدد بالعمق أمن (إسرائيل) ومشروع الهيمنة الإمبريالي الصهيوني”.

  • Social Links:

Leave a Reply